أزمة محروقات تنعكس على المزروعات في مناطق حكومة دمشق والعسل أكبر المتضررين
دمشق ـ نورث برس
انعكست أزمة المحروقات التي تعيشها مناطق حكومة دمشق، على كل أوجه الحياة الاجتماعية والاقتصادية ما دفع بالكثير من المهن والنشاطات إلى التوقف أو الانكفاء وبالتالي أدت إلى عواقب سلبية على أصحابها والعاملين فيها.
ولم تقتصر تداعيات شح المحروقات على تراجع حركة التنقل من طلاب وموظفين وعاملين وصناعيين، بل أدت لخسائر كبيرة لمربي النحل إضافة لتضرر المزارعين نتيجة فقدان وقود التدفئة والنقل والمواصلات.
التضرر الأكبر لتربية النحل
وقال سامر محمد، وهو اسم مستعار لأحد سكان اللاذقية ويعمل في تربية النحل، لنورث برس عبر التواصل معه على تطبيق “الواتس آب”، إن “المعاناة قاتلة والخسائر كبيرة خلال الأيام الأخيرة.”
وأضاف: “نعتني بالنحل لمدة سنة كاملة من أجل الموسم ونذهب إلى محافظات أخرى تصل إلى عشرة مواقع أو أكثر في هذا التوقيت الصعب الذي نفتقد فيه للبنزين والمازوت.”
وقال نحّال آخر، فضّل عدم نشر اسمه، إن التحرك من جبلة إلى اللاذقية كلفه 30 ألف ليرة سورية، ناهيك عن أجور الحارس وأجور الأرض المناسبة للمرعى.
وأشار، في حديث لنورث برس، إلى أن عليه أن يتوجه إلى حماة “وليس لديه أي مخصصات ولا أي دعم ولا تأمين للمحروقات.”
ويتنقل النحالون عادة مع خلايا النحل إلى مراعي متنوعة من أجل إطعام النحل من مختلف أنواع الأزهار وبالتالي تنويع وتحسين جودة العسل.
وقال أحمد العلي (٤٠ عاماً)، وهو اسم مستعار لأحد سكان طرطوس ويعمل في تربية النحل، تواصلت معه نورث برس عبر الهاتف: “الأحد الماضي كانت خلايا نحلي في اللاذقية، وبعد عشرة أيام يجب أن أذهب إلى خان شيخون أو سراقب وبعد 15 يوماً إلى ريف حماة.”
ويتحكم أصحاب السيارات التي تعمل على المازوت بأصحاب خلايا النحل، ويطلبون الضعف، “مثلاً، الطلب الذي كان يكلف 100 ألف ليرة أصبح 200 ألف ليرة.”
ويضطر مربو النحل للذهاب في بعض الأحيان إلى الرقة أو دمشق أو حمص على أقل تقدير، ونشاط النحل كل 20 يوم في مرعى جديد.
ويضطر النحالون للخروج بشكل جماعي من أجل توفير تكاليف النقل.
وقال “العلي”: “أصبحنا نخرج كل اثنين أو ثلاثة من النحالين سوياً. فأنا لدي 50 خلية والبعض 20 والبعض الآخر أكثر من 100 خلية وذلك لتقليل التكاليف.”
وأصبح واقع النحل سيئاً جداً، بحسب “العلي”، فـ”للحصول على عسل (جيجان) الأصلي عليك أن تتوجه إلى الرقة أو سلمية، وللحصول على عسل (الشوكيات) عليك أن تسافر إلى المناطق المتاخمة لإدلب في مواسم محددة، وعسل (اليانسون) في الغاب والليمون في الساحل.”
عسل مغشوش بدعم رسمي
كل تلك المعاناة أدت إلى رفع أسعار العسل.
وقال “العلي”: “هذا يدفعنا لرفع السعر فكيلو عسل الشوكيات بين 25 و35 ألف ليرة، علماً أن هناك عسل مغشوش بشكل هائل بدعم من أشخاص في وزارة الزراعة.”
وأشار لوجود “أسماء كبيرة مسيطرة على تجارة العسل وهم من المتنفذين يملكون السلطة والمال ويتحكمون بالسوق.”
وشدد “العلي” على أن “هؤلاء يبيعون العسل المغشوش على أنه أصلي ويدخلون من خارج سوريا السكر المحول والذي يدخل في صناعته، ولا يمكن كشفه في التحليل المخبري ويظهر على أنه عسل صافي ومن دون أي دور للرقابة وحماية المستهلك.”
النقل أضر بمزارعي طرطوس
وأضرت أزمة المحروقات ومن خلفها وسائل النقل على المزارعين، إذ أن “الحركة شبه مشلولة، ولا نستطيع نقل الأدوات والمواد الزراعية بالشكل المطلوب”، بحسب المزارع محمود محمد (50 عاماً) والذي يعمل في زراعة البيوت البلاستيكية في ريف بانياس.
وأضاف لنورث برس: “أقوم بزراعة عدد من المحاصيل في البيوت البلاستيكية، وأحتاج كل يومين لزيارة المدينة من أجل شراء الأدوية الزراعية والأسمدة ومواد ضرورية للزراعة.”
لكن الأمر أصبح “صعباً” مع غياب الوقود، بحسب “محمد”.
وأعرب عن فقدانه “الأمل من تعبئة السيارة بالبنزين، وعليّ الانتظار لساعات للركوب في سرفيس أو باص وسط الازدحام وأزمة المواصلات.”
وقبل أسبوع تقريباً، خفضت لجنة المحروقات في محافظة طرطوس مخصصات المازوت والبنزين لحافلات النقل العاملة بين القرى ومراكز مدن المناطق حتى 50 بالمئة.
وأدى نقص المحروقات وتخفيض الحكومة لمخصصات مادتي البنزين والمازوت إلى أزمة مواصلات غير مسبوقة، في كل مناطق سوريا.
وترجع الحكومة سبب تخفيض مخصصات المحروقات إلى تأخر وصول توريدات النفط عبر البحر والحصار الاقتصادي الخانق على البلد.
وسبق قرار تخفيض مادتي البنزين والمازوت للسيارات السياحية وحافلات النقل العام والخاص، قرار صدر منتصف الشهر الماضي، رفعت بموجبه الحكومة السورية أسعار هاتين المادتين، المحسوبتين على قوائم “المواد المدعومة التي يحتاجها المواطن بشكل يومي.”
وقررت الحكومة السورية، الاثنين، تحويل عملية توزيع البنزين بشكل كامل للبطاقة الذكية وفق نظام الرسائل النصية، في آلية مشابهة لطريقة توزيع الغاز.
“بيع المخصصات يكون أربح”
وتزامنت أزمة المحروقات مع تصرفات أصبحت معتادة ومتكررة من قبل بعض سائقي “السرافيس والتكاسي” في سوريا.
ويستغل سائقون ازدياد الطلب على البنزين والمازوت ليقوموا بعرض مخصصاتهم في السوق السوداء بدلاً من تعبئتها في آلياتهم، بحسب سائقين.
وقال علاء المحمد، وهو اسم مستعار لسائق سرفيس في مدينة اللاذقية، إن أغلب السائقين على خطوط الريف “أصبحوا يبيعون مخصصاتهم لتحقيق ربح أكبر بأقل جهد بل حتى من دون أي جهد.”
ويبلغ سعر ليتر المازوت الذي يشتريه السائق 170 ليرة سورية، بينما يبيعه في السوق السوداء بأكثر من 1700 ليرة، بحسب “المحمد”.
وقال علي حيان، وهو اسم مستعار لأحد سكان اللاذقية تواصلت معه نورث برس عبر تطبيق “الواتس آب”، إن “حال المواصلات أصبح لا يطاق وأصبحنا نفضل الذهاب سيراً على الأقدام إلى أعمالنا بدلاً من انتظار رحمة السائقين.”
ويصل عدد الركاب لأكثر من 19 راكباً في الميكرو الذي يتسع لـ12 راكباً، بحسب “حيان”.
وأضاف: “أما باصات النقل الداخلي فأصبحت تحمل الناس بالجملة ولم يبق إلا أن نصعد على سطح الباص كي نصل إلى وجهتنا في الوقت المحدد.”