NPA
فيما أصدرت السلطات السورية، مرسوماً تشريعياً يقضي بمنح عفوٍ عامٍ عن الجرائم المرتكبة قبل 14 أيلول/سبتمبر من العام الجاري، دارت العديد من التساؤلات حول المستفيدين من العفو، وموقف المعتقلين السياسيين والجنائيين، وحتى المختفين قسرياً، وكذلك الذين تتم محاكمتهم أمام محكمة الإرهاب.
وشمل المرسوم عشر موادٍ رئيسيةً تضمنت إقرار عفوٍ كاملٍ أو جزئي عن عدد من القضايا، من بينها قضايا جنائية وجنحٍ ومخالفاتٍ. وهو المرسوم الذي لا يعتبر الأوّل من نوعه في سوريا خلال سنوات الحرب.
قراءة أولية
وفي قراءةٍ أوليّةٍ لمرسوم العفو الصادر عن الحكومة السورية، اليوم الأحد (15 سبتمبر/ أيلول 2019) فنَّدَ المحامي السوري البارز ميشال شماس، المرسوم، وأبرز المستفيدين منه، وموقف المعتقلين بالسجون السوريّة في قضايا مختلفةٍ، وكذا موقف الذين يحاكمون أمام محاكم الإرهاب، طبقاً للتفسير القانوني للمرسوم المذكور.
العفو الذي جاء على "كامل العقوبة في قضايا حيازة ونقل وتعاطي المخدرات، وربع العقوبة الجنائية المؤقتة السالبة للحرية في قضايا الاتجار بالمخدرات، وكذا عن مخالفات البناء وعن جرائم الفرار العسكري الداخلي والخارجي شرط أن يسلّموا أنفسهم، وثلث العقوبة في جرائم الأحداث"، من غير الواضح فيه مسألة "المعتقلين والمختفين قسرياً داخل السجون".
وفي سوريا مالا يقل عن /98,000/ مختفٍ قسرياً منذ آذار/مارس 2011 وحتى الآن، طبقاً لإحصاءات الشبكة السورية لحقوق الإنسان، في بيانٍ أصدرته شهر آب/أغسطس الماضي.
وبالنسبة للذين يحاكمون أمام محكمة الإرهاب، فإنّ العفو، وفق تحليل شماس للمرسوم، لم يشمل إلّا مادتين وفقرة واحدة من مادة بقانون الإرهاب رقم /19/ للعام 2012، وذلك بالنص على العفو عن كامل عقوبة المؤامرة المنصوص عنها في المادة (2) إذا كان مقترفها سورياً، وكذا العفو عن نصف العقوبة من الفقرة /2/ من المادة (7)، وتكون العقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة خمس سنوات على الأقل، والجرم فيها ارتكاب عملٍ إرهابيٍ إذا كانت الوسائل المستخدمة في العمل الإرهابي تُحدث تفجيراً صوتياً فقط.
ذلك بالإضافة إلى العفو عن كامل العقوبة المنصوص عليها في المادة (10) المتعلقة بكتم المعلومات (تنص المادة على أنه يعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات كل سوري أو أجنبي مقيم في سوريا علم بإحدى الجنايات المنصوص عليها في هذا القانون ولم يخبر السلطة عنها)، وبالتالي فإن "العفو لا يشمل إلا عدداً محدوداً جداً من الذين يحاكمون أمام محكمة الإرهاب"، وفق شماس.
وأضاف، في سلسلة منشورات شارحة لمرسوم العفو، قائلاً: "لمن يسأل عن شمول المرسوم للمحكومين أو الذين تتم محاكمتهم أمام محاكم الميدان العسكرية، أو الذين مازالوا بدون محاكمة معتقلين داخل الفروع الأمنية وأماكن الاحتجاز الأخرى، فلا نعرف كيف سيطبق الأسد عليهم مرسوم العفو".
عفو
وبخصوص المواد المشمولة بالعفو، والمتعلقة بكتابة منشورٍ أو رأيٍ مخالفٍ للسلطة أو انتقادها ومن هذا القبيل، فإن العفو شمل المادة (285) (من قام في سوريا في زمن الحرب أو عند توقع نشوبها بدعاوى ترمي إلى إضعاف الشعور القومي أو إيقاظ النعرات العنصرية أو المذهبية عوقب بالاعتقال المؤقت)، والمادة (286) (يستحق العقوبة نفسها من نقل في سوريا في الأحوال عينها أنباء يعرف أنها كاذبةٌ أو مبالغ من شأنها أن توهن نفسية الأمة، وإذا كان الفاعل يحسب هذه الأنباء صحيحةً فعقوبته الحبس ثلاثة أشهر على الأقل)، والمادة (293) (كل فعلٍ يُقترف بقصد إثارة عصيانٍ مسلّحٍ ضدّ السلطات القائمة بموجب الدستور يعاقب عليه بالاعتقال المؤقت).
إضافة إلى المادة (295) (يعاقب على المؤامرة التي تستهدف ارتكاب إحدى الجرائم المذكورة أعلاه بالإقامة الجبرية الجنائية)، والمادة (303) (يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة على المؤامرة بقصد ارتكاب إحدى الجنايات المذكورة في المواد 289 إلى 302)، والمادة (305) (المؤامرة التي يقصد منها ارتكاب عملٍ أو أعمال إرهابٍ يعاقبُ عليها بالأشغال الشاقة من عشر سنوات إلى عشرين سنة)، والمادة (306) (كل جمعية أُنشئت بقصد تغيير كيان الدولة الاقتصادي أو الاجتماعي أو أوضاع المجتمع الأساسية بإحدى الوسائل المذكورة في المادة 304 تحلُّ ويُقضى على المنتمين إليها بالأشغال الشاقة المؤقتة).
ثلاثة أهداف
وفي تصريحاتٍ خاصةٍ لـ "نورث برس" عبر الهاتف، يقول القاضي المستشار خالد شهاب الدين، من هيئة القانونيين السوريين، إنّ الحكومة السورية ترمي من خلال ذلك المرسوم إلى ثلاثة أهدافٍ رئيسيةٍ، الهدف الأوّل مرتبط بتوقيت إصدار مثل ذلك المرسوم، والذي يأتي قبل يومٍ واحدٍ من انعقاد قمةٍ ثلاثية في أنقرة (تجمع روسيا وتركيا وإيران)، وذلك ليكون المرسوم "تمثيليةً تستخدمها روسيا وإيران في ذلك الاجتماع".
الهدف الثاني – طبقاً لما حدّده شهاب الدين- مرتبطٌ بمحاولة "تقزيم ملف المعتقلين" على حدّ قوله، وذلك بمحاولة اعتبار كل من هم موجودين بسجون الحكومة السورية موقوفين وفق القوانين النافذة، مشيراً إلى أنّ "المرسوم لن يطال أبداً المعتقلين والمختفين قسرياً، وهم بالآلاف".
بينما الهدف الثالث مرتبط بمحاولة تشجيع اللاجئين على العودة، من خلال الإيحاء بإيجاد البيئة الآمنة لعودتهم، وذلك بالنص على مسألة العفو عن الفرار الداخلي والخارجي من أجل عودة الشباب، وكذا النص على العفو في قضايا المرسومين /19/ و/20/ المرتبطين بقانون الإرهاب.