“هجرة العقول”.. استمرار توجه أطباء السويداء إلى الخارج بحثاً عن حياة أفضل
السويداء – نورث برس
شهدت محافظة السويداء، جنوبي سوريا، خلال الشهور الماضية، موجة هجرة كبيرة للأطباء إلى خارج البلاد، بحثاً عن ظروف معيشية وفرص عمل برواتب أفضل، في استمرار لظاهرة “هجرة العقول.”
وخلال الأشهر الثلاثة الماضية، شهدت المحافظة هجرة 17 طبيباً مختصاً إلى خارج سوريا.
تحذيرات من الظاهرة
وقال أسامة محسن (50 عاماً)، وهو اسم مستعار لمسؤول طبي حكومي في مديرية صحة السويداء، إن دائرة الهجرة والجوازات في السويداء أعلمت المديرية بإصدار أكثر من 155 جواز سفر جديد لأطباء السويداء خلال الشهرين الماضيين.
وحذر المسؤول الطبي من إمكانية توقف الخدمات الطبية بالسويداء وانهيارِ قطاع الصحة “في حال لم يتم اتخاذ إجراءات للحد من هجرة الأطباء وإيجاد الحلول المناسبة.”
وقامت مديرية الصحة في السويداء بإبلاغ وزارة الصحة الحكومية بدمشق بتسرب أعداد من الأطباء خارج المشافي الحكومية وضرورة إيجاد حلول، “إلا أننا لم نتلقَّ أي استجابة تذكر.” بحسب “محسن”.
ويبلغ عدد الأطباء المسجلين في نقابة أطباء السويداء 1.121 طبياً وطبيبة، هاجر ١٤٢ منهم خارج البلاد خلال السنوات الستة الفائتة، من ضمنهم ٣٢ طبيباً اختصاص جراحة، بحسب النقابة.
عقود عمل
وقال محمود فندي (58عاماً)، وهو اسم مستعار لموظف في ذاتية سجلات نقابة أطباء السويداء، إن أعداد الأطباء الذين يتوافدون إلى النقابة لأخذ أوراق تثبت انتسابهم إلى النقابة بداعي السفر في تزايد مستمر.
وكان آخرها وفقاً لما ذكره “فندي” أمهر طبيب جراحة عينية في السويداء، حيث حصل الأخير على عقد عمل في مركز طبي بالصومال، بحسب ما أخبره بذلك.
وفي مقابلة تلفزيونية أجريت معه منذ شهرين، كشف كمال أسد عامر نقيب الأطباء السوريين عن أن “عدداً كبيراً” من الأطباء السوريين هاجروا إلى الصومال، وأوعز ذلك إلى رواتب الأطباء المرتفعة في الصومال مقارنة بما هي عليه في سوريا.
وأشار “عامر” حينها إلى أن “الحصار والعقوبات أثرت على الوضع المادي للأطباء، كما أثرت على الوضع الاقتصادي والصحي في سوريا.”
وعزم عمر نرش (40 عاماً)، وهو اسم مستعار لطبيب اختصاص جراحة يعمل في أحد المشافي الحكومية في السويداء، السفر إلى الصومال من خلال عقد أبرمه هناك مع أحد المشافي.
ويبلغ الراتب الشهري بحسب عقد “نرش” 3.500 دولاراً أميركياً (ما يعادل 12 مليون ليرة سورية)، في حين أن راتبه الحكومي لا يتعدى الـ65 ألف ليرة شهرياً (أقل من عشرين دولاراً).
وقال الطبيب إن حركة المرضى إلى عيادته الخاصة في السويداء “باتت ضعيفة جداً، حيث يعجر أغلبهم عن دفع ثمن المعاينة، فهم يفضلون التوجه إلى الصيدلاني الذي يعطيهم الأدوية ليوفروا على أنفسهم قدراً ولو ضئيلاً من المال.”
وأشار إلى أن تردي ظروفه الاقتصادية وعدم قدرته على تأمين متطلبات “الحياة الصعبة” في السويداء، هي أحد أسباب توجهه إلى الصومال “بالرغم من المخاطر الأمنية الموجودة هناك.”
فلتان أمني
وتشهد سوريا تفاقماً حاداً في الأوضاع المعيشية في ظل موجة ارتفاع الأسعار لمستويات غير مسبوقة على خلفية انهيار قيمة الليرة السورية.
وتجاوز سعر صرف الدولار الأميركي الواحد، خلال الأسبوع الماضي، حاجز 4700 ليرة، بينما سجلت الليرة السورية تحسناً طفيفاً هذا الأسبوع لتسجل في أسواق دمشق، لتصبح أمس الأربعاء، 3520 ليرة مقابل الدولار الأميركي الواحد.
ووفقاً لما ذكره الطبيب، فإن العشرات من زملائه “تركوا وظائفهم الحكومية وأغلقوا عياداتهم الخاصة وهاجروا إلى الخارج”.
واعتبر أن الحكومة “لا يعنيها الفقد الكبير للكوادر الطبية داخل قطاعها الصحي.”
وطيلة السنوات الماضية، كان مجدي الحكيم (35 عاماً) وهو اسم مستعار لطبيب جراحة يقيم في مدينة شهبا، رافضاً لفكرة ترك مدينته والسفر لخارج البلاد.
لكن تعرضه “للإهانة والضرب منذ أسبوع من قبل عناصر فصيل محلي يتبع إلى الحكومة دون أي محاسبة قانونية له
“أصبح السفر حاجة ملحة لا مهرب منه.”، بحسب وصفه.
وذكر “الحكيم” أنه تعرض للضرب من قبل عناصر الفصيل “بحجة أني لا أقوم بدوري الوظيفي تجاه أحد الجرحى التابع لهم بعد اشتباك مسلح حدث داخل شهبا.”
وتشهد المحافظة منذ سنوات، حالةً من الفلتان الأمني وانتشاراً لعصابات الخطف والسلب والقتل، رغم إقدام الأجهزة الأمنية الحكومية على إجراء تسويات مع أعضاء بعض المجموعات المسلحة.
وقال “الحكيم” إن الفلتان الأمني داخل السويداء والأوضاع الاقتصادية المتدهورة دفعت به للبحث عن فرص عمل أفضل قد يجدها في الخارج.