نورث برس – دمشق
في الديماس وعلى بعد 25 كيلو متراً شمال غرب دمشق، يقع نادي الفروسية، المُؤسس منذ ثمانينات القرن الماضي. ذاك النادي الحافل بما شهدته وتشهده تلك الرياضة من احتكار سلطوي من قِبل أبناء مسؤولين وضباط في حكومة دمشق.
اشتهرت الفروسية بأنها رياضة تخص الأثرياء مثل البيسبول، وغيرها، ويتم ممارسة تلك الرياضة في أماكن خاصة بها، ولها شروط ولوائح تنظم ممارستها.
وفي سوريا، تشهد تلك الرياضة واقعاً صعباً إثر اقتصارها على الطبقة المقربة من “النظام”، وسعي شخصيات منه إلى تنظيم بطولاتها للتحكم بكافة مفاصلها.
وفيما يعاني معظم السوريين من فقدان قدرتهم الشرائية، ووقوع أكثر من 83% منهم تحت خط الفقر وفقاً لتقديرات أممية، تستمر رياضة الفروسية التي أقيم لممارستها عدد من المراكز في الديماس بريف دمشق، ومناطق أخرى من سوريا.
تاريخ الفروسية السورية
يعود تاريخ رياضة الفروسية لعام 1956 حين أنشىء اتحاد الفروسية، ثم توسعت تلك الرياضة وصولاً لإحداث عدد من النوادي المعتمدة. ويعتبر نادي حلب (1956) ونادي صحنايا (1967) من أقدم النوادي السورية.
يأتي بعدها نادي باسل الأسد للرماية والفروسية التابع للمؤسسة العسكرية، لينزع عن نادي صحنايا (دمشق للفروسية) لقب النادي الرئيسي في سوريا، منذ عام 1980.
وتذكر بعض المصادر الصحفية أن الفضل في تأسيس نادي الفروسية الوحيد في دمشق “الديماس” يعود للفارس عدنان قصار، وهو من عائلة دمشقية احترفت تربية الخيول لأجيال طويلة.
قصار كان واحداً من أهم رياضيي الفروسية في البلاد، قبل أن يتم اعتقاله لمدة 21 عاماً حتى الإفراج عنه عام 2014 كما تؤكد بعض المصادر.
لم يكن “قصار” ناشطاً سياسياً، ولكنه تمكن من الفوز على باسل الأسد، نجل الرئيس السابق حافظ الأسد في سباقٍ للفروسية.
إذ لم يخطر في بال الفارس قصار أن خدمته لبلده ومساعدته لتتويج منتخب الفروسية بالبطولات سيدفع ثمنه 21 عاماً من حياته داخل السجون.
“جدعان” راعي الفروسية
تشرف على رياضة الفروسية بشكل مباشر منال جدعان، زوجة ماهر الأسد. ولأن تكاليف التدريب في هذه الرياضة عاليّةٌ جداً لا يستطيع السوريّ العادي أن يدفعها.
وساهم ارتفاع كلفة ممارسة تلك الرياضة مادياً من حيث المعدات الخاصة بالفارس والجواد وغيرها، بعزوف معظم السوريين عنها، واقتصارها على عائلات محددة، ودائماً ما يكون “الفرسان” الذين يتجهون إلى هذه الرياضة هم من عائلة الأسد أو مخلوف أو العائلات المقربة من “النظام” مثل “حمشو ونظام”.
ومنذ ثمانينات القرن الماضي وحتى اليوم، تسفر النتائج النهائية في الدوري السوري للفروسية عن وصول أسماء محددة إلى منصات التتويج بدءاً بباسل الأسد الذي احتكرها طيلة فترة ممارسته لها حتى وفاته عام 1994.
فيما لحقته على درب التتويج ابنة أخيه ماهر، شام الأسد التي “تتنافس” مع آل حمشو (أحمد وآية) وجواد نظام، وغيرهم القليل من أبناء العائلات المقربة من السلطة.
عودة بعد انقطاع لمدة عام
بعد انقطاع عن المشاركات الخارجية العام الماضي بسبب جائحة كورونا، عادت الفروسية السورية مجدداً إلى البطولات الدولية لقفز الحواجز.
رئيس اتحاد الفروسية عاطف الزيبق قال في تصريحات صحفية “اتخذنا إجراءات احترازية للحد من انتشار الوباء بعد توقف نشاطات الفروسية عاماً كاملاً، وضمن الإجراءات الاحترازية المتخذة من الفريق الحكومي سُمح بعودة النشاط الرياضي ضمن شروط فكانت العودة للعمل الرياضي، وإقامة المباريات الداخلية والمشاركة في البطولات والمباريات الخارجية”.
وأضاف: “بدأ فرسان سوريا بالمشاركات الخارجية وتحققت إنجازات من بداية هذا العام، والآن استطعنا اتخاذ قرار بإقامة بطولة دولية في سوريا بمشاركة بعض الدول ليتابع فرساننا وفارساتنا جميعاً العودة والنشاط والمشاركة وليتمكن كل العاملين في قطاع الفروسية العودة للعمل.”
“إيماتيل” تدعم بطولة دولية
وفقاً لحساب الاتحاد العربي السوري للفروسية على “فيسبوك” تم التواصل مع شركة “إيماتيل” السورية لدعم بطولة دولية بعد الاتفاق على إقامة بطولة بالحد الأدنى من التكاليف.
وأقيمت بطولة الأغر الدولية بتصنيف نجمة واحدة خلال الشهر الجاري، وكذلك دورة الوفاء الدولية التي بدأت فعالياتها يوم 18 آذار/مارس بتصنيف النجمتين بدعم كامل من شركة “إيماتيل” السورية التي تتحمل كل النفقات الخاصة بهاتين الدورتين و “لم يتم تكليف الاتحاد الرياضي العام بأية نفقات مادية” وفقاً لزيبق.
الفوز محصور بأسماء محددة
كما كان باسل الأسد الفارس الأول في البلاد، بقيت تلك المهنة ومن يفوز بها بعد موته محصورة بعائلة الأسد وعائلات مقربة من السلطة كـ حمشو، والمصري، نظام، قاطرجي، وغيرهم.
ويرى مصدر في الاتحاد السوري للفروسية تحفظ على ذكر اسمه، أنه حتى لجان التحكيم في تلك الرياضة غالباً ما تتدخل بها جهات سياسية، وأمنية، وحزبية، ما أفقدها سمعتها المحلية والعربية.
وخلال الشهر الحالي، فاز الفارس أحمد صابر حمشو بالجائزة الكبرى لمسابقة قفز الحواجز في بطولة الأغرّ (وهو اسم الجواد الذي كان يمتطيه باسل الأسد قبل وفاته)، وتأهل إلى بطولة كأس العالم التي ستقام نهاية الشهر الجاري في السويد وذلك بعد حصوله على المركز الثالث للدوري العربي ضمن المجموعة السابعة المؤهلة إلى بطولة كأس العالم.
وفي العام الماضي كان لقب بطلة كأس الجمهورية من نصيب الفارسة شام الأسد، ابنة ماهر الأسد، والتي حصدت المرتبة الثانية هذا العام.
وفي السياق، يقول صحفي رياضي مقيم في دمشق (تحفظ على ذكر اسمه) إنَّ “رياضة الفروسية في سوريا منذ الثمانينات وحتى اليوم، لا تزال مقيدة بهوس السلطة في السيطرة على كل شيء حتى الرياضة”.
ويضيف في حديث لـــ “نورث برس” أنَّ تلك الرياضة لا تحظى باهتمام السوريين لا اليوم ولا سابقاً، جراء انشغال أغلبهم برياضات أخرى، كــ كرة القدم مثلاً”.
وخلال العشر سنوات الأخيرة، تناوب على الفوز بالبطولة، كل من منال الأسد وياسر الشريف وأحمد حمشو، وشادي غريب، وشام الأسد، وبشرى الأسد، وعمر حمشو.
ورغم مشاركة فرسان عرب وأجانب في بطولة الفروسية، كما حصل في العام 2010، إلا أن الفوز بالمراكز الأولى كان من نصيب فرسان سوريين، إذ فازت منال الأسد على كل من الهولندي روم فيرمونت، والأردنية سامانثا الصيفي، وكذلك أحمد حمشو، الذي فاز على الفارسة اللبنانية جاسمين بسيون.
الفروسية.. والحرب!
تضررت رياضة الفروسية بفعل الحرب المستمرة منذ عشر سنوات، إذ أدت وفقاً لمصدر رسمي من مكتب الخيول في وزارة الزراعة إلى “نفوق مئات الخيول الأصيلة، وتهريب بعضها الآخر، وقلة العناية البيطرية بما تبقى منها “إضافة لإدارة تلك الرياضة بعقلية سلطوية لا تشبه الرياضة ولا تمت لها بأية روح رياضية.
ووصل عدد الخيول الأصيلة المسجلة في سوريا قبل عام 2011 إلى 5033، منها 2932 من الإناث و2101 من الذكور، بحسب كتاب الأنساب العاشر للخيول العربية الأصيلة، الصادر عام 2011، عن وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي السورية.
وتقدر خسارة سوريا بحسب مكتب الخيول بأكثر من ثلاثة آلاف خيل عربي منذ العام 2011 بسبب الحرب والعمليات العسكرية التي شهدتها جميع المحافظات.
وقال مصدر رسمي لــ “نورث برس” إنَّ مكتب الخيول في وزارة الزراعة يملك حالياً مركزاً لتربية وإنتاج الخيول العربية الأصيلة في الديماس بريف دمشق، وذلك بعد إغلاق مركز الخيول العربية في قرية الجربا بريف دمشق بسبب الحرب”.