كاناثا أو قنوات.. بلدة أثرية في السويداء طالتها أعمال حفر وسرقة
السويداء – نورث برس
يقول باحثون آثار وأكاديميون في محافظة السويداء، جنوبي سوريا، إن بلدة قنوات الأثرية تعرضت خلال سنوات الحرب في سوريا لعمليات حفر وتخريب ممنهجة وسرقة عشرات الأحجار الرومانية التي نقشت عليها تاريخ المنطقة.
وتقع بلدة قنوات في الريف الشمالي الشرقي لمدينة السويداء وتبعد عن مركز المدينة سبعة كيلومترات وتقع على تلة ترتفع 1250 م عن سطح البحر.
حفر وتهريب
وتعد قنوات من أشهر المدن الأثرية الرومانية وعرفت قديماً باسم (كاناثا) إذ أطلق عليها الرومان هذا الاسم بسبب كثرة الأقنية المائية الموجودة.
وقال كمال النابلسي (60 عاماً)، وهو اسم مستعار لأحد الباحثين في الآثار ويقيم في بلدة قنوات، إن منطقة خزانات المياه الأثرية الرومانية والتي تقع في البلدة تعرضت خلال السنوات الماضية إلى “عمليات حفر وتخريب ممنهجة من قبل فصائل محلية مدعومة من الأمن العسكري.”
وأشار إلى أن تلك الفصائل كانت “تدعي أنها تؤمن الحماية لتلك الآثار ولكن الذي حصل هو ترحيل عشرات الأحجار الرومانية ذات الزخارف والنقوش الهامة إلى أماكن مجهولة وتحت حماية الأمن العسكري.”
وتضم قنوات عدداً من المواقع الأثرية أهمها آثار السرايا والتي بنيت على أنقاض معبد وثني روماني وتعتبر أكبر آثار البلدة وأهمها في المنطقة الجنوبية لسوريا، بالإضافة إلى مدافن ومعابد ومسارح.
والسرايا الأثرية تجمع ديني يضم أربعة معابد وكنائس تميزها الأعمدة والأبواب والنقوش والزخارف الجميلة وكانت مركزاً للأسقفية المسيحية منذ الربع الأول للقرن الرابع الميلادي.
وإلى الجنوب من تجمع السرايا بخمسين متراً تتواجد خزانات للمياه الأثرية التي أنشأها الرومان بهدف تجميع المياه المطرية وتتألف من قناطر حجرية تشكل شبكة مائية كانت تغذي مدينة قنوات قديماً.
ووفقاً لما ذكره “النابلسي”، فإن عمليات تهريب كبيرة لمجموعة من الآثار الرومانية تمت إلى لبنان ومن ثم نقلها إلى الخارج، وذلك بحسب ما قاله أحد سكان البلدة له والذي كان يعمل لدى ذلك الفصيل “المحمي أمنياً.”
إهمال حكومي
واتهم سامح الزين، وهو اسم مستعار لموظف يعمل في مديرية الآثار بالسويداء فضل عدم نشر اسمه لأسباب أمنية، مسؤولاً في فرع الأمن العسكري باستغلال منصبه في عمليات تنقيب لآثار قنوات منذ سنتين وذلك بالتعاون مع بعض سكان المنطقة.
وقال إن المسؤول الأمني قام بتسخير العشرات من عناصر الأمن العسكري والفصائل التابعة له في أعمال الحفر داخل منطقتي المسرح الروماني والسرايا الأثريتين في البلدة بحثاً عن دفائن.
وأشار إلى أن ذلك أدى إلى تشويه تلك المراكز الأثرية ونقل أحجار تعود إلى العهد الروماني والبيزنطي، ويعتقد كثيرون من سكان البلدة أن “تهريبها تم بالتنسيق مع حزب الله الى لبنان ومن هناك تم ترحيلها إلى الخارج.”
وفي العام الفائت، توجه وفد من وجهاء ومثقفي قنوات إلى محافظ السويداء وقدموا شكوى إليه بضلوع فصيل محلي ومجموعة أشخاص مرتبطين بالأمن العسكري في عمليات سرقة وتهريب واسعتين لآثار “كاناثا”.
وقد أجابهم المحافظ حينها أنه سيتم تأمين حراس يتولون حماية الآثار لديهم، “ولكن حتى هذا التاريخ لم يكترث أحد لمطالبنا.”
وكان لمدينة “كاناثا” أربعة مداخل رئيسة وسبعة مداخل فرعية وكانت تحاط بسور حجري بطول 700 متر وعرض 300 متر.
وتعد الأعمدة المتبقية في ساحة السرايا بقايا لمعبد وثني في القرن الأول الميلادي وعند اعتناق المسيحية تحول إلى ما سمي قدس الأقداس أو محراباً للعبادة.
سياحة متوقفة
وفي داخل السرايا الأثرية تكثر المذابح، وخاصة من العهد الوثني، إذ كان أضحية كالثور أو فتاة جميلة تُقدم للآلهة، وهناك قاعة المحكمة التي أنشئت للفصل بين الناس في باحة السرايا.
أما الباب المزخرف بالنقوش في الجانب الشرقي من السرايا، فهو مدخل لكنيسة بيزنطية بنيت في القرن السادس الميلادي وسميت بالكنيسة الاجتماعية والتي تختص بشؤون عقد قران الزواج، وإلى جانبها أربعة مدافن تتبع إلى الأسرة التي حكمت قنوات (كاناثا).
وفي تجمع السرايا الكبير، برج للمراقبة كانوا يشعلون النار في قمته من قبل الحرس لإنذار سكان المدينة بوجود غزو خارجي يتعرضون له.
وبحسب الدراسات التاريخية، فإن عدد سكان قنوات كان يبلغ 60 ألف شخص، وكانت تشتهر في العهد الروماني بالمنتجات الزراعية كالرمان واللوز والعنب.
وقبل 2011، كانت قنوات محجاً للسياح من أوروبا والمنطقة العربية، ويقصدها زوار من كافة أنحاء العالم.
وقال وجيه ياسر (52 عاماً)، وهو باحث تاريخي ومختص في الآثار ومن سكان بلدة قنوات، إن الحركة السياحية الخارجية والداخلية إلى البلدة توقفت تماماً مع اندلاع الحرب في سوريا.
وأشار إلى أن آثار البلدة مهملة حالياً من قبل الجهات الحكومية المشرفة، “وتعاني التهميش وغياب الحماية اللازمة لتلك الآثار.”
وقال رائد الجزان (30 عاماً)، وهو اسم مستعار لطالب دراسات عليا في الآثار والمتاحف ومن سكان بلدة قنوات إنه أنهى رسالة ماجستير حول بحث يتعلق بمنطقة السرايا الأثرية الرومانية في بلدته قنوات عام 2014.
وأشار إلى أنه كان هناك قسم كبير من المواقع الأثرية، حينها، لم تتعرض لسرقات وتخريب، واستطاع حينها توثيق رسالة الماجستير بجميع الصور والوثائق التاريخية.
وأضاف: “وحين عدت لاستكمال الدكتوراه وتوثيق الصور عن أهم الأحجار الأثرية في تلك المنطقة، لم أجد الأحجار التي نحتت عليها رسومات الأسرة الحاكمة الرومانية في قنوات.”