المرأة والانفجار الديمغرافي في سوريا.. حقل قنابل موقوتة

جربت الصين أن تحد من كثرة الإنجاب الذي يولد الفقر، وفرضت بديكتاتورية سياسة الطفل الواحد، ورغم هذا فشلت، ولم تفلح الحكومة باحتواء المشكلة السكانية في مدنها التي  تتصدرها شانغاي من حيث الكثافة.

ولا غرابة في الأمر، فالسياسات الإجبارية لحل كارثة الانفجار السكاني تعد فاشلة, والسياسات الناجحة هي تلك التي انتهجتها في الماضي الدول الاوروبية التي اعتمدت أسلوب الاقناع ورفع مستوى الوعي العام. ولا يمكن حل مشكلة الانفجار الديمغرافي في الدول الفقيرة دون رفع مستوى حياة الفرد ومستوى تعليمه ووعيه وإتاحة الفرص أمامه.

لكننا ندور في حلقة مفرغة إذ أن الفقر متزامن مع كثرة الإنجاب وتدني مستوى التعليم والوعي والثقافة لدى الشعوب وهو متلازم أيضاً مع تراجع مكانة المرأة في المجتمع في ظل الأنظمة السياسية الفاسدة.

كل تلك المؤشرات تتلازم مع بعضها لتجعل من أي حل معضلة يقف العالم أمامها حائراً.

وفي بداية الثورة السورية، علت أصوات اقتصاديين سوريين تقول إن السخط العام جاء نتيجة الانفجار الديموغرافي في سوريا. فعدد السكان تضاعف عشرين مرة منذ بداية القرن العشرين لليوم. مبررين بهذا الكلام انعدام توفر فرص عمل وحياة كريمة للشباب في سوريا. في الواقع هذا التكاثر العشوائي للشعب السوري كان سببه المباشر إهمال الدولة لقطاعات عديدة وتراجعها عن مشروع تنظيم الأسرة الذي باشرت به قبل السبعينيات, وحينها كان يمكن في سوريا مجرد الحديث علناً عن طرق منع الحمل وعن تعليم الفتيات وعن رفع سن الزواج لما بعد السن القانوني أي منع زواج الطفلات وطبعاً كان يمكن انتقاد تعدد الزوجات.

واليوم في مخيمات اللجوء، تتزوج الطفلة في عمر الثانية عشرة، وأحياناً يكون هذا الزواج من متزوج وتنجب دون توقف إلى أن تبلغ سن اليأس، وليس غريباً أن يصل ألمانيا بلد اللجوء رجل في مقتبل العمر بصحبة أربع زوجات وخمسة وأربعين ولد اً.

لا أحد يفكر في تحديد الإنجاب في مخيمات الفقر وأماكن النزوح التي لا يتوفر فيها ماء ولا كهرباء ولا أي ظروف معيشية ملائمة للإنسان, كيف يصل الإنسان لأنانية حيوانية لدرجة أنه يرفض التفكير بغيره, لماذا يتعمد تعذيب أطفال رضع منذ ولادتهم بإنجابهم دون توفير أي شروط مناسبة لمجيئهم وهنا لا بد من التطرق لقضية المسؤولية الأبوية.

وربما النساء أكثر رحمة ووعياً لكن لا قرار لهن ولا صوت, وكثيرات من المتزوجات في مخيمات اللجوء في لبنان وتركيا والأردن يتوسلن الأطباء هناك سراً لمساعدتهن على تحديد النسل وتخفيف الإنجاب. لكن السلطات الدينية لا تسمح حتى بمناقشة الأمر فهو من المحرمات، والجامع والكنيسة متفقان في البلاد الفقيرة على تشجيع كثرة الإنجاب في ظروف مأساوية، ورجال الدين هم أصحاب السلطة الحقيقة في المجتمعات الشرقية .

ويتفق رجال الدين في كل الأديان والمذاهب على منع المرأة تماماً من التحكم بجسدها وعلى جعله إناء إنجاب لامسؤول. وأما لماذا يقود الجامع الشعب فهذا لأن الدولة غائبة ومستقيلة ويتحمل الجامع المسؤوليات عنها وبهذا المواطن السوري يعتبر فاقد الثقة تماماً بالدولة التي تعذر عليها الوفاء بأبسط واجباتها وهو بالتالي لا يثق إلا بالكنيسة وبالجامع والجمعيات التابعة لهما ولا يجد غيرهما أمامه لطلب التقاعد والتطبيب والقوت والتثقيف وحل كل مشاكله التي تزداد يوماً بعد آخر.

أجيال كاملة لم تر أن المعاش الشهري للوالد يكفي ولم تر أي أمل في بلدها، أجيال كاملة فاقدة الثقة بالسياسات المحلية وبحكامها وبسياسييها وبذاتها ..

الثقة ممنوحة للشيخ وللخوري فقط، هكذا الحال في بلادنا المتخلفة وفي غالبية دول أفريقيا المسيحية والمسلمة وإن قال البعض الكارثة إسلامية في أفريقيا, فهذا ليس صحيحاً تماماً لأن بعض رجال الكنيسة يلعبون الدور نفسه في بلاد الفقر ويتحملون مسؤولية ارتفاع معدل الإنجاب الكارثي في ظروف مأساوية .. ولا فرق بين نيجيريا والهند أو أفغانستان، الأديان كلها يقودها رجال دين يفكرن بذكورية, الفرق الوحيد بين الدين المسيحي والإسلامي في هذا الموضوع هوكون الخطاب الرسمي للكنيسة يأتي معدلاً نوعاً ما لأنه قادم من الغرب العلماني, أي هناك مصلحون يسعون لتطويره ما أحدث نقلة نوعية في الغرب الذي فصل الكنيسة والأديان عموماً عن القرار والسياسة، وحيد الدور الاقتصادي والتشريعي لرجال الدين في المجتمع والفضاء السياسي. وتطورت الكنيسة لتصبح أكثر انسانية فيتبع رأي الكنيسة من يشاء ويرفضه من يشاء دون أن تنبذه الكنيسة فبيت الله يبقى مفتوحاً ولا تصدر كل يومين فتاوى تكفير كحال بعض دعاة الدين الإسلامي .

ومع تحييد دور رجال الكنيسة في الغرب، أخذت الدولة دوراً كبيراً وتم تعزيز دورها الأبوي في أوروبا, فالدولة بعد الحرب العالمية الثانية باتت تؤمّن كل شيء للفرد حتى العطل الترفيهية العائلية والتنزه للفقراء. أحدث هذا الحضور القوي للدولة نقلة حقيقية بعملية بناء الثقة بين المواطن وحكامه وهذا كان عبر تحمل الدولة لمسؤولياتها الكاملة في تأمين المستقبل للمواطن أي تمويل التقاعد وتأمين التعليم والطبابة وغيرها، وربما الأهم أن كل هذا أعطته الدولة للمواطن كحق غير مشروط بشروط عقائدية كما يفعل الجامع أو الكنيسة سابقاً واللذان يفرضان شرط الإيمان والعقيدة للعطاء. حررت الدولة العلمانية المواطن وحررت علاقته بالله وحررت اسم الله من وصاية ذكور المجتمع الذين امتطوا القدسية لترسيم دور الأديان كما يرونها.

 ومنذ أن تم فصل الدين عن الدولة ومنذ أن تم تعزيز دور الدولة لم يعد يحتاج المواطن لرجل الكنيسة أو لرجل الجامع ليفرض عليه رؤيته وقراراته. وقد أصبح وحده المسؤول أمام الله دون وسيط وأما أمام القانون الذي ينظم الحياة على الأرض ومنطقها فهو ملزم به.

 ومهما اختلف رجال الأديان، غالباً ما يتفقون على نقطة رئيسة وهي ضرورة تحجيم دور المرأة وتأطيره ربما كي لا تتحكم وحدها بقرار الإنجاب. والذي حصل في أوروبا هو أنها عندما أُعطيت حق القرار قررت ألا تنجب إلا بتوفير شروط معيشية بحد ملزم لها وبمستوى حياة لائق لطفلها وبالتالي خففت من الإنجاب.

و اصبحت الأسرة قلما تتجاوز الام والأب وولدين. أصبحت المرأة ترى حياتها أيضاً خارج فضاء الأسرة والبيت والمطبخ وأتيح لها عملياً الطموح في النجاح المهني والتحصيل العلمي بالمساواة وبالتعاون مع الرجل. وطُلب من الرجل مشاركة أكبر في أعباء البيت وتربية الأبناء وتغير الرجل الحديث وأصبح يطالب بمكانة أكبر بجانب أولاده, وأصبحت عطلة التوليد تعطى للأب إن شاء، وأصبح الأب الحديث يدخل غرفة التوليد مع زوجته مشاركاً وشاعراً بمعاناتها وأهمية وقيمة مجيء طفل الى هذا العالم. ولأن الطفل أصبح ثميناً وغالياً ومدللاً يحتاج لوقت من أهله, فلا مكان لأعداد هائلة ترمى في الشوارع لتربيتهم.

وأصبح وقت الطفل مبرمجاً منذ ولادته لتنظيم رعايته وتوعيته وتثقيفه ولعبه، وتدخلت الدولة أيضاً ببرمجتهم على المستوى الوطني وباتت تساعد الأهل مادياُ كي لا يهملوا أولادهم. بل يسحب الطفل من أيدي أهله إن ضرب أو أهمل.

وكان من أهم بنود الثورة الجنسية في أوروبا والتي قادتها فرنسا عام 1968 تحرير جسد المرأة ورفع القيود الدينية عنها. طويلاً كانت المرأة في أوروبا قبل الحرب العالمية الثانية والثورة العلمانية خاضعة لسلطة الرجل. وكان حينها يملك كالرجل السوري اليوم وحده كل الحقوق بالإنجاب وعدم الإنجاب وبالزواج والمتعة والتحكم بالزوجة وكانت المرأة ممنوعة من اختيار متى تنجب ومتى تتزوج ومتى ترفض الزواج، ممنوع عليها أي قرار مصيري يخصها دون وصاية رجل، وحتى حق الانتخاب وحق فتح حساب بنكي.

البعض يأخذنا هنا لحوار أديان عقيم مفاده أن المرأة في الاسلام لها حقوق اقتصادية أكثر من المرأة في بقية الأديان ولكن ليس السؤال من يذل المرأة أكثر من بين الأديان بل أي من المجتمعات تنصفها أكثر ومن تعطي قيمة للطفل أكثر ؟

 وفي إطار الحديث عن الأديان لا بد من توضيح نقطة جوهرية وهي أن المجتمعات الأوروبية اليوم لم تعد مجتمعات دينية مسيحية بل هي بأغلبيتها منذ الثمانينات على الأقل لا دينية. وقلما يتزوج الناس في الكنيسة ويوم الأحد يندر من يذهبون للقداس, وكذلك الحال بالنسبة ليهود أوروبا الذين يضعون انتماءهم السياسي فوق الديني حيث المرأة اليهودية ليست منقوصة الحقوق ولا تبذر عشرات الأولاد ببساطة دون تأمين احتياجاتهم.

الثورة السورية كانت انفجار شعب غاضب وساخط على حكومته المنهمكة بسرقته وقمعه ولا يمكن تصور مشروع جاد لتغيير مناهج النظام الفسادية دون مواجهة الكارثة الديموغرافية , ورغم اعتراف النظام السوري بوجود كارثة ديموغرافية لكنه ينفي أي مسؤولية له ولا يعترف بإهماله الذي أوصلنا الى هنا، ووفق خبراء هذا النظام يجب الاعتماد على جمعيات المجتمع المدني لحل الأزمة وليس على النظام

أي أنه ينفي أي مسؤولية له بهذا الشأن ويعلن جدياً تنازل واستقالة الدولة عن واجبها الإداري للمجتمع تاركاً المهمة كما كانت لدور البر والتقوى وللجمعيات الخيرية.