حدائق دمشق.. غياب شبه كامل لأبسط الخدمات وشكاوى من مظاهر مخلة بالآداب

دمشق ـ نورث برس

تشهد حدائق العاصمة دمشق وريفها، تراجعاً كبيراً في حالها الخدمي، حيث تغيب عنها أبسط الخدمات كالنظافة والمياه والحمامات العامة.

ويشتكي سكان في دمشق وريفها من انتشار المظاهر السيئة في الحدائق كالتصرفات المخلة بالآداب العامة، وظواهر التدخين واستنشاق الشعلة، إضافة لانتشار عناصر أمن يسيئون معاملة السكان معتبرين الجميع متورطين بذلك.

فقدان المتنفس الوحيد

وقالت رنا الهادي (36 عاماً)، وهي معلمة في إحدى مدارس دمشق، تقيم في حي باب شرقي، لنورث برس، إنها لا تستطيع تحمل تكلفة الذهاب إلى المطاعم أو المتنزهات، هي وأطفالها الثلاثة، لتكون الحدائق العامة خيارهم الوحيد.


ويوجد حديقتين قريبتين من مكان سكنها، الأولى “القشلة”، وهي صغيرة لا يتجاوز عدد مقاعدها الـ15  ومساحتها 400م2، فيما الثانية وهي حديقة باب توما وقد أغلقت منذ بدء انتشار وباء كورونا.

وأعربت “الهادي” عن تذمرها من الوضع الخدمي السيء في الحدائق، وما تشهده من مظاهرة تؤثر على تربية وشخصية الأطفال الصغار.

“فقدنا متنفسنا الوحيد، والآن علينا قضاء الوقت في المنزل.”

ومع تحسن الطقس، تقصد ورد الهاني (44 عاماً) وهي موظفة حكومية تقيم في بلدة جديدة عرطوز غربي دمشق، رفقة صديقاتها مصطحبين أطفالهم الحدائق العامة للتنزه.

وقالت “الهاني” لنورث برس: “نتنقل من حديقة لأخرى بحثاً عن مقعد جيد غير محجوز، إذ أن أغلب المقاعد الخشبية محطمة ولم تعد صالحة للجلوس.”

وتشكل الأراجيح والألعاب الخارجة عن مسارها أو المحطمة “خطراً على أطفالنا.”

وأشارت إلى أن العديد من الحدائق في المنطقة “تملك سمعة سيئة، ولا نستطيع دخولها لوجود العديد من المظاهر المخلة بالآداب العامة.”

وتنتشر ظواهر تعاطي المخدرات أو استنشاق الشعلة، إضافة لوجود بعض المراهقين الذين يرتكبون أفعالاً لا تتناسب مع عمومية المكان.

وينطلق رائد العبدالله (45 عاماً) وهو اسم مستعار لسائق تكسي يقيم في حي باب مصلى، مرتين في الأسبوع رفقة طفليه وزوجته، للبحث عن حديقة عامة للترفيه عن النفس.

ويقول “العبدالله” لنورث برس: “نكون محظوظين لو وصلنا إلى الحديقة ووجدنا مقعداً نستطيع الجلوس عليه.”

ويضيف: “نضطر لحمل المياه معنا في السيارة بقصد الغسيل والشرب فأغلب الحدائق تخلو من الماء.”

أفعال مخلّة بالآداب

وتقول لينا نخلة، (46 عاماً) وهو اسم مستعار لأخصائية دعم نفسي وحماية الطفل في إحدى الجمعيات الأهلية، إن الافتقار لمساحات للعب للأطفال، “يؤدي لخلل كبير في النمو الطبيعي الذي يعتمد على اللعب وتفريغ الطاقة والاندماج مع الأطفال الآخرين والمجتمع.”

وتفتقر مدينة دمشق وريفها للمساحات الخضراء والحدائق، كما ساهم التوسع العمراني غير المدروس والحرب بإنقاص مساحة الغوطة الخضراء وإبعاد الناس عنها.

ولم تصدر الحكومة السورية أي قرارات أو مبادرات حقيقية لتحسين الحدائق أو إنشاء متنزهات عامة للسكان.

وتضيف “نخلة” والتي تقيم في حي الأمين بدمشق، لنورث برس: “رغم معرفتي بأهمية اللعب للأطفال واندماجهم مع الطبيعة، لكن لا أشجع على إرسالهم إلى الحدائق دون ذويهم.”

وتشير إلى أنها شاهدت العديد من الظواهر غير الصحية كانتشار الأفعال غير اللائقة والمراهقين المدخنين، وعناصر الأمن الذين يقومون بإهانة السكان وتفتيشهم.

“وجود الأطفال لوحدهم قد يتركهم مثاراً للشبهة عند عناصر الأمن الذين قد يوجهون لهم إهانات أو يقومون بضربهم دون سبب”، بحسب أخصائية الدعم النفسي.

وأعرب رياض حداد (52 عاماً) وهو مهندس مدني يقيم في حي التجارة، عن تذمره مما آلات إليه الحدائق التي كانت تعتبر المتنفس الوحيد.

تدخلات أمنية مسيئة

وقال لنورث برس: “أهملت الحديقة منذ عدة أعوام، وغاب عنها العمال الذين يهتمون بتقليم الأشجار والزراعة وغيرها، إصافة لعمال النظافة.”

كما اعتاد أشخاص “مهملون”، برمي الأوساخ في الحدائق، ناهيك عن مشاكل تحدث فيها، “تستدعي تدافع رجال الأمن للحديقة.”

وأشار “حداد” إلى أنهم كلجنة في الحي، قدموا طلباً للمجلس التنفيذي في المحافظة “لعرض الحديقة للاستثمار على أمل أن يتغير حالها، لكن دون جدوى.”

ويربط بيير شمعون (25 عاماً) وهو طالب في كلية التربية، يقيم في حي القصاع، طفولته بحديقة جورج خوري المقابلة لمنزله.

ويقول لنورث برس: “أذكر كم قضيت من الوقت لاهياً فيها مع ألاد الحي الآخرين.”

ويضيف: “الحال تغيرت اليوم أصبحت أتجنب دخول الحديقة وخاصة ليلاً بعد أن تعرضت لي دورية في إحدى الليالي وقامت بتوجيه العديد من الإهانات لي.”

ويقول: “ضاعت كل الذكريات الجميلة مني، ولم يبقَ سوى ذاك الموقف البشع.”

إعداد: زيد موسى ـ تحرير: معاذ الحمد