“ليس لدى بشّار ما يقدّمه”.. الانتخابات الرئاسية السورية في عيون أبناء الساحل

اللاذقية ـ نورث برس

لطالما كانت مناسبة “الاستفتاء على الرئيس” أيام حكم الأسد الأب، المناسبة الوطنية الأهم في البلاد، وهي في الوقت ذاته أمبولة تحليل واختبار لمدى إطباق السيطرة الأمنية على الدولة والمجتمع في آن واحد.

واستمرّ الوضع على الوتيرة نفسها بدءاً من الاستفتاء الأوّل على منصب الرئيس في العام 1972 وحتى العام 2007 وهو موعد الاستفتاء الثاني لرئيس النظام السوري بشار الأسد.

وكان الموقف في الساحل السوري خلال الاستفتاءات السابقة ينتمي بالعموم لرأي كافة السوريين، ولكن مع فارق بسيط هو التركيز على شخص الرئيس وليس على برامجه أو سياساته، وهو جوهر الأمر بالنسبة لأتباع الطائفة العلوية.

ومرّت الاستفتاءات السابقة دون أي منغّصات بالنسبة للنظام باستثناء بعض الحوادث النادرة هنا أو هناك، وهذا دليل صارخ على مستوى “ازدهار” القبضة الأمنية وشلل المجتمع السوري بشكلٍ كامل بعد عقود طويلة من الاستبداد وكمّ الأفواه، وفقاً لأحد المعارضين الذين عايشوا تلك المرحلة.

انتخاب.. بالدم

يروي محمد الأحمد (اسم مستعار للضرورة اﻷمنية)، وهو مستخدم مدني سابق في إحدى الوحدات العسكرية،  قصته مع استفتاء العام 2007.

يقول محمد: “ذهبتُ صباح الاستفتاء إلى مركز وحدتي للإدلاء بصوتي كالعادة، كان قائد الوحدة وضابط الأمن وضابط التوجيه السياسي (أعمدة أي قطعة عسكرية في الجيش السوري) يطلبون من كافة العسكريين وسواهم الإدلاء بصوتهم “بالدم” وذلك من خلال جرح الإصبع بدبوس، والبصم على الورقة بالدم”.

ويضيف: “حين طلبت استبدال الدبوس، ثارت ثائرة الفرسان الثلاثة واتهموني بأنني (ضد السيد الرئيس)”، وهو ما نفاه “محمد” على الفور وشرح أنه طلب تبديل الدبوس فقط من باب صحي، ليتدخل القائد ويطلب تبديل الدبوس “للأستاذ”.

 و”لعل كل السوريين يعرفون أن كلمة أستاذ في الجيش تعني حمار”، يقول “محمد” الذي ثارت ثائرته حينها بسبب الإهانة المقصودة، ورفض أن ينتخب “السيد الرئيس”، لتبدأ في اليوم الثاني رحلة العذاب التي استمرّت حوالي السنة زار خلالها العديد من الأفرع الأمنية وانتهت القصة بخروجه مطروداً من وظيفته.

2014.. “المرشح” بشار الأسد

مع مجيء العام 2011 ستتغيّر كل قواعد اللعب القديمة وفي كل المجالات. بما فيها النظرة والموقف من الاستحقاق الرئاسي.

ولكن كان يجب الانتظار حتى العام 2014 حتى تتوضّح الصورة أكثر وأكثر. تحوَّل الاستفتاء من الناحية الشكلية إلى انتخاب بموجب الدستور السوري الجديد الذي أُقرَّ العام 2012 والذي عَدَّل دستور العام 1973، الأمر الذي اقتضى وجود مرشَّحين آخرين إلى جانب “المرشّح” بشار الأسد.

خاض العلويون انتخابات العام 2014 كمعركة وجود أو لا وجود، هذا مع يقينهم التام أن فوز “المرشّح” بشار فيها أكثر من مؤكَّد، ولكن كان الالتفاف العارم حول شخص الرئيس هو حائط صد منيع في وجه الذاكرة الجمعية المليئة عندهم بصور العذابات والاضطهاد والتهميش.

تزامن ذلك مع المجازر الوحشية التي طالت أطياف واسعة من الشعب السوري على أيدي التنظيمات العسكرية القروسطية، وخاصّةً المجازر المستحدثة في ريف اللاذقية التي راح ضحيتها بسطاء لا علاقة لهم من قريب أو بعيد بالنزاع الدائر في البلاد.

ولم يطرح الرئيس بشار الأسد في هذه الانتخابات أي برنامج سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي، واكتفى ببرنامج من كلمة واحدة “سوا”. 

يقول معارض واكب فترة الانتخابات: “في الحقيقة، التقط النظام هلع وخوف الأقليات من فكرة سقوط النظام عام 2014 لذلك اكتفى بكلمة (سوا) في إشارة لفهمه لهواجس مناصريه”.

ولمس سكان الساحل مدى التفاف العلويين حول الرئيس في انتخابات العام 2014، من حجم مظاهر الفرح العارم والمبَالغ فيه عقب “فوز” بشار الأسد في تلك الانتخابات، إذ أن كمية إطلاق الرصاص والمفرقعات التي تلت إعلان النتائج لم تكن متخيلة، فقد غطّت كل مدن الساحل والجبل، وتسببت بجرح أكثر من ثلاثة أشخاص، فيما توفيت طفلة في العاشرة من عمرها في منطقة الدعتور “من أحياء اللاذقية العشوائية”.

ولكن هذا التأييد العارم والأسطوري للرئيس بشار، المبني أساساً على الخوف من الآخر، وليس على برامج وسياسات وتوجُّهات، سوف ينقلب رأساً على عقب، بعد سبعٍ سنين عجاف، كانت كافية لقلب المزاج العام عند المؤيّدين، وذهاب رأي (الأغلبية) منهم نحو الرفض التام لترشيح بشار في انتخابات 2021.

 ولعلّ انتخابات مجلس الشعب التي جرت صيف العام 2020 كانت مؤشراً قوياً على مستوى رفض الشارع للنظام برمته ولكل مؤسّساته.

وبدأت بوادر رفض العلويين للرئيس بعد فترة من التدخل الروسي في سوريا في أيلول/سبتمبر 2015، حيث استطاع الجيش السوري بمساعدة ضخمة من الحليف الروسي استعادة النسبة الأكبر من الأراضي التي خسرها قبل العام 2015 بنسبة تزيد على 65% منها.

 وكان الملاحَظ أن الوضع الاقتصادي والمعيشي صار يسوء، رغم “تحرير الأراضي من الجماعات الإرهابية المسلحة”.

وقد وصل الرفض الشعبي الكبير للمرسوم رقم 16 عام 2018 الخاص بوزارة الأوقاف إلى مهاجمته بقوة من قبل الجمهور الموالي.

 ولعلّ أبرز المنتقدين للمرسوم كان مدرّس الرياضيات المشهور في اللاذقية “أحمد سليمان”، الأمر الذي تطلّب تدخّل “الجهات المختصة” لإسكاته، إذ استُدعي “سليمان” من قبل جهاز الأمن العسكري إلى دمشق ليُطلَق سراحه بعد أربعين يوماً بعد الطلب منه التوقف عن “إثارة المشاكل الطائفية”، وهو ما فعله الرجل الذي توقف تقريباً عن تعاطي الشأن العام.

“سيد الوطن” بين موعدين انتخابيين

يستطيع المتابع لصفحات المؤيّدين للنظام على مواقع التواصل الاجتماعي بين الأعوام 2013-2016 أن يشاهد المنشورات التي تطلب من الجميع مشاركة هذا المنشور ليصل إلى “سيّد الوطن” من قبيل “جريح مقطوعة رجله بحاجة لتركيب طرف صناعي” و “أم لثلاثة شهداء بحاجة لعملية قلب مفتوح”…إلخ.

 لكن تلك المناشدات تلاشت بشكل شبه كامل عن صفحات الجمهور الموالي، ولذلك دلالة كبيرة لا تغيب عن بال المتابع الحصيف.

وفي الحقيقة تعكس المناشدات السابقة وعياً بسيطاً في تركيب السلطة ولكنها تعكُس “الثقة العارمة” بشخص “السيد الرئيس” وتبرئته من حجم الفساد الذي طفا أكثر وأكثر على السطح.

تغيّرت الصورة كلياً عن انتخابات العام 2014 بفعل كل العوامل السابقة، ووصل الناخب لقناعة بعدم جدوى لا الانتخابات ولا لـ”المرشّح” لها.

ويروي “أبو جعفر” (55 عاماً)، وهو عامل في محل لبيع الخضار، معلِقاً على انتخابات 2021: “كنتُ من أشدّ الموالين للرئيس بشار الأسد قبل الحرب 2011، وكنتُ أعتبره بطلاً وأنه الرئيس الذي يلبّي كل طموحاتي”.

لكنه يقول: ” الذي حصل أن السنوات التالية أثبتت أن كل ما كنتُ أؤمن به كان عبارة عن كذبة كبيرة.”

ويضيف: “انظر إلى الوضع الاقتصادي للبلد؛ نقص حاد في المحروقات (بنزين، مازوت، غاز.. غلاء فاحش في كل السلع الأساسية وسواها) نحن نقترب بسرعة من الجوع”.

 وختم أبو جعفر: “إن الرئيس بشار غير جدير حتى أن يكون مدير مدرسة ابتدائية في قرية نائية”.

ولا يخالف ماهر علي (اسم مستعار)، وهو عسكري سابق في الجيش السوري طالت سنوات خدمته العسكرية لما بعد الثلاثين من عمره، أبو جعفر فيما ذهب إليه.

يقول: “انظر لوضعي بعد سبع سنوات من خدمتي في الجيش، وقد حاربت في دير الزور ودرعا وإدلب، أعمل في هذا المحل البسيط لبيع الفحم (المهنة التي تُعتبر من مفرزات الحرب السورية)، وأجري لا يغطي ربع حاجاتي الأساسية.”

ويضيف: “كنتُ أعتقد في بداية خدمتي بأنني أدافع عن وطن اسمه سوريا، وأتصدى للمؤامرة الكونية، ولكن بعد انخراطي في إحدى مؤسسات النظام (الجيش) أدركتُ كم كنت أحمق، في الحقيقة كنت أدافع عن كرسي بشار الأسد فقط”.

ويتساءل الشاب: “ماذا قدّم لي بشار الأسد؟ (لم يطلق عليه لقب الرئيس)، أمي تنتظر على الفرن ساعات طويلة للحصول على ربطتي خبز لا تصلح علفاً للحيوانات، وأبي يعمل في عملين لسد رمق أسرتنا، ونحن كغيرنا من الأسر السورية غير قادرين على تأمين مازوت للتدفئة أو غاز للطبخ”.

ويبدو محتداً أكثر حين يختم: “لن أنتخبه، وسأنتخب مجنون قريتنا بدلاً عنه”.

لعل المشترك بين هاتين الشهادتين هو التركيز على الوضع الاقتصادي بشكل عام. ولكن، بالإضافة للوضع الاقتصادي السيء، هناك من يرفض انتخاب “الرئيس” من زاوية أخرى.

فليرحل..

يروي “صالح حسن”، وهو اسم مستعار لشاب يبلغ من العمر 28 عاماً: “عندما اندلعت الأحداث التي سمّوها “مؤامرة كونية” كنت بعمر الثامنة عشرة، وكنت ممتلئاً للحد الأقصى بالمشاعر الوطنية الجياشة.

يقول صالح: “بعد فترة قصيرة التحقت بالخدمة الإلزامية، واشتركت بأغلب المعارك التي اندلعت في إدلب في البداية، وفي حلب ودير الزور، بعد سقوط إدلب وانسحابنا منها”.

ويضيف: “الذي حصل أني أصبت بإحدى المعارك وتم بتر ساقي اليمنى، ولكون البتر من أعلى الفخذ لم يركّبوا لي ساقاً اصطناعية، وهو ما جعلني أشبه بالعاجز. تسرّحت وحصلت على تعويض لم يكن يكفي لبدء أي مشروع سوى كشك لبيع القهوة، بعد أن حصلت على رخصة كوني مصاب حرب”.

 وبعد تنهيدة ممزوجة بغصة يكمل: ” بدأت رحلتي مع الفساد، ليس فساد عناصر البلدية، بل النظام برمته. كان عناصر البلدية يأتون في فترات متقاربة ويطلبون مني الرخصة، يقترب مني أحد الشباب الطيبة ويقول أني مخالف.”

يتذرع العناصر، وفقاً لصالح، بأن مساحة الترخيص متر مربع واحد فقط، مهددين بإزالة “الكولبة” إن لم يلتزم بمساحة المتر.

يقول “صرختُ في وجهه، بأن متراً واحداً لا يكفيني لأتنفس”، ليقترب منه عنصر آخر ويهمس له “حبيب.. اعطيه ألفين ليرة وانسَ وتابعْ شغلك”.

ما زال صالح على هذا الحال منذ ثلاث سنوات، يشارك عذاباته كجريح حرب مع الآلاف من السوريين الذين حوّلتهم الحرب إلى مقعدين. “لم يعُد لدى بشار أي شيء ليقدّمه.. الأفضل له ولنا وللبلد أن يرحل”.

أما “أم حسن”، وهي فلاحة بعمر 65 سنة، فتنظر للموضوع من زاوية أخرى تماماً.

أم حسن “أم لشهيدين” الأول قتل في العام 2014 وترك لها ثلاثة أطفال.. والثاني قتل عام 2017 وترك لها طفلاً رضيعاً.

تروي أم حسن عذاباتها الطويلة التي لا يتسع لها المجال هنا. وتتحدث عن معاناتها شأن بقية السوريين في تأمين مستلزمات العيش ليس لها فقط؛ ولكن لأحفادها “اليتامى”.

 سردت أم حسن ما يُدمي القلب من مشاهد الحرمان من أبسط مقوِّمات الحياة، وعن معاناتها مع أحفادها بعد أن تركتهم أمهاتهم وذهبن بحال سبيلهن.

لكنها، وبعد كل الذي روته، لا تزال تريد انتخاب الرئيس بشار الأسد “مدى الحياة”.. و”مستعدة أفديه بروحي كمان.”

وتختم أم حسن “ليس لنا أحد بعده سوى الله.. الرئيس ممتاز.. ولكن المسؤولين الذين يحيطون به كذابون ولا يعملون بتوجيهاته”.

 وما تزال السيدة أم حسن، أسيرة ترويج فكرة أنّ “الرئيس كويّس.. بس اللي حواليه منافقين”.

“احترق البلد.. وبقي الأسد”

نشبتْ ملاسنة بسيطة بين صاحب محل للألبان وأحد الزبائن في حارة شعبية بسبب السعر المرتفع لكيلو اللبن، وبسبب الغلاء بشكل عام.

اضطر صاحب المحل، وهو معارض مزمن للأسدين الأب والابن، أن يناقش جاره “المنحبكجي المزمن” قائلاً له “المفروض أن تكون الآن بحالة نشوة وفرح عارمين.. أنت “منتصر”.

وعندما استغرب الزبون كلام صاحب المحل وسأله “وين الانتصار بهالعيشة “الزفت”، رد عليه صاحب المحل “في بداية المظاهرات أنت رفعت شعار “الأسد أو نحرق البلد”، أليس ذلك صحيحاً..؟ فرد الزبون نعم، صحيح.

عندئذ قال له صاحب المحل: “لقد احترق البلد وبقي الأسد؛ أسدك. ولكن هناك عوارض جانبية بسيطة لهذا الانتصار ولحرق البلد، وهي الارتفاع الجنوني في الأسعار والذي تشتكي منه حضرتك، والأزمة الخانقة على البنزين والمازوت والغاز وغياب الرعاية الصحية وخراب التعليم في المدارس واجتياح الفساد وبيع الأسئلة في الجامعات وأزمة الخبز الخانقة وازدهار الفساد أضعاف ما كان عليه، و و و و”.

ولكن المفاجأة الكبرى هي أن الزبون يصرّ على انتخاب “سيادة الرئيس” في الانتخابات القادمة.. مستنتجاً أن “كل الغلاء الذي نشهده اليوم هو من صنع الحكومة بغية جعل المؤيدين لـ”لسيد الرئيس” ينفضّون من حوله وتسقط البلد في أيديهم.

ما يزال هذا “الزبون” يمثل شريحة واسعة بين سكان الساحل السوري، “شريحة لا يمكن للوعي أن يتسلّل لساحة الدماغ لديها أبداً.. ولو كان للوعي أن ينفذ لنفذ بعد كل هذا الخراب.” كما يعبّر صاحب المحل.

موقف طائفي

وفي مكان آخر، يجري حوار في مشغل لفرز الفحم بين ياسر (30 عاماً)، وهو صاحب المشغل، والعامل حسان (25 عاماً) والذي هو ابن وحيد لعائلته.

“أن تكون وحيداً فهذا يُعَد من النِعَم، حيث ستُعفى من الخدمة الإلزامية.” يقول حسان الذي ينتمي لعائلة مشايخ، ولكنه لا يُظهر أي التزام ديني.

وتخرّج الشاب مؤخراً من الجامعة، لكنه لم يحصل على فرصة للتوظيف في القطاع العام ولا الخاص بشهادته في الاقتصاد والتجارة.

ولا يخفي حسان انتقاده للحكومة، ولكن بالنسبة له لا ينتمي “السيد الرئيس” للحكومة! وعندما يسأله ياسر كيف تؤيّد الرئيس وتنتقد حكومته، يجيب أن “السيد الرئيس ضمانة وصمّام أمان للبلد”.

ويتساءل العامل: “من هو البديل، لا يوجد. ستدخل البلد في طور جديد من الفوضى والتمزّق والاحتراب”. 

عند ذلك الحد انسحب ياسر من الحديث، وتيقّن أن حسان ينتمي للطبقة المتديّنة التي تفضّل بقاء الرئيس ليس بناءً على موقف سياسي وإنما طائفي.

ولم يقتصر النفور على شخص الرئيس، بل تعداه نحو النفور والرفض لزوجته أسماء التي طفا اسمها على السطح منذ استلام بشار للحكم، ولكن كان ظهورها في السابق قبل العام 2011 وما بعد 2015 مقبولاً، سيّما وأنها تُدير جمعيات أهلية.

ولكن الوضع سيتغيّر بعد استحواذها على شركة “سيريتل” للاتصالات والتي كان يملكها ابن خال الرئيس، رامي مخلوف، وعلى العديد من الاستثمارات بما فيها جمعية “البستان” الخيرية لتتحوّل إلى “مؤسسة العرين”.

خشية من الاحتجاجات

لا يخفى على النظام ارتفاع منسوب الغضب بين السوريين عموماً وأهالي الساحل بشكل خاص، بسبب تردي الأحوال المعيشية.

ومن هذا المنطلق يكشف معارض ماركسي وسجين سياسي سابق، يشغل اليوم موقعاً قيادياً في المعارضة السورية، لنورث برس، أن النظام (وفقاً لمصادره الخاصّة) طلب من أجهزته الأمنية في اللاذقية وطرطوس في آذار/مارس 2020 الإجابة على السؤال التالي: “ماهي إمكانية اندلاع احتجاجات بين أوساط الطائفة العلوية احتجاجاً على سوء الأوضاع المعيشية”.

ولاحظ المعارض أن “النظام لا يخشى اندلاع الاحتجاجات نفسها في دمشق أو حماة أو سواها، بل يخاف الاحتجاجات في الساحل.”

 وأضاف: “هناك خشية حقيقية لدى النظام من اندلاع مثل تلك الاحتجاجات، ذلك سَيُحرِج النظام”.

ولا يستطيع النظام أن يُسبِغ على مثل هذه الاحتجاجات المحتملة صفة الإرهاب أو على المحتجين صفة “السلفيين” أو سواها من الاتهامات التي ساقها ضد المحتجّين أوائل العام 2011، على حد قول المعارض.

ويعتقد المعارض أن تلك المظاهرات “لن تندلع، وإن اندلعت ستكون موجّهة ضد الحكومة، وليس ضد شخص الرئيس، أو أنها لن تقوم بناءً على نشاط سياسي منظّم، وإنما لأن الوضع المعيشي أصبح لا يُطاق، وبالتالي سيكون سقف المطالب تحسين الوضع المعيشي”.

وقال: “إذا افترضنا أن السلطة في سوريا تتألف من بناء من خمسة طوابق، فحجارة المحتجّين لن تطال سوى الطوابق الثلاثة الأولى؛ أي المدراء العامين والمحافظين والوزراء وصولاً لرئيس الحكومة الذي يقيم في الطابق الثالث.”

وأضاف أيضاً: “أما الطابق الرابع الذي يشمل النواة الصلبة للأجهزة الأمنية فلن تصيبه الحجارة أبداً، بالتوازي مع الطابق الخامس حيث الرئيس”.

هدم النظام.. أو تفسّخه

وفي موقف موازٍ للمعارض الماركسي السابق، يروي الباحث والكاتب في الشؤون السياسية والذي شارك في بداية المظاهرات في اللاذقية “حاتم محمد” (اسم مستعار) أن ” السنوات العشر من الحرب الطاحنة التي أتت على البشر والحجر والشجر كانت كافية لإسقاط المنظومة الدعائية التي راكمها نظام الأسد الأب/الابن من قبيل “الرئيس جيد والمشكلة في من حوله”.. وأن الرئيس “لديه برنامج إصلاحي لسوريا ولكن الحرس القديم يمنعه”.

وقال: “أما بالنسبة للذين لا يرون بديلاً مناسباً عن بشار فأقول لهم لن تجدوا بديلاً عن ابنه حافظ أيضاً في المستقبل. لقد عمِلَ النظام ومنذ تأسيسه على تعقيم المجتمع من السياسة وزج الآلاف في السجون، وحرم المجتمع السوري من الحراك السياسي الطبيعي الذي يفضي لتطوّر المجتمع بشكل حتمي، وبذلك ربما لن تجدوا بديلاً عن حفيده.”

وشدد الكاتب المعارض على أن “سوريا بحاجة للحظة يتم الإعلان فيها عن هدم هذا النظام برمته، ولا سبيل للنهوض أبداً إلا مع الهدم.

وأضاف: “من جهة أخرى وبالتوازي مع القمع الذي أفضى لسحب السياسة من المجتمع، استخدم النظام ومنذ حكم الأسد الأب المفهوم الخلدوني لـ”العصبية”.

ويرى “محمد” أن “النظام غير قادر اليوم على الاستمرار بهذه العصبية بعد أن بدأت حتى تلك العصبية بالانفضاض من حوله بعد سنوات الحرب الطاحنة الطويلة التي دمّرت تلك العصبية وأسقطت ورقة التوت.”

وختم: “انظر إلى حال الناس اليوم، لقد دُمّرَتْ حياتهم بالكامل، إنهم غير مبالين لا بالسيد الرئيس ولا بأي شيء، في السابق كنا نقول في معرض حديثنا عن  النظام أنه يتعيّن عليه فعل كذا وكذا. اليوم لا نقول سوى شيء واحد: سترحل.. وبقوّة تفسّخ نظامك.”

إعداد: الحارث حسن/ حازم مصطفى- تحرير: سامي شحرور