أطفال يدمنون استخدام الأجهزة الذكية بريف ديرك وأخصائيون نفسيون يحذرون

جل آغا – نورث برس

يقول سكان من ريف مدينة ديرك، أقصى شمال شرقي سوريا، إن انقطاع أطفالهم عن المدارس خلال العام الفائت بسبب جائحة كورونا وإجراءات الإغلاق الكلي، زاد من تعلقهم بالأجهزة الذكية حتى أصبح البعض منهم مدمناً على ذلك.

وخلال العام الفائت، علقت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا أكثر من مرة الدوام في كافة المدارس والمعاهد والجامعات بسبب تفشي وباء كورونا في المنطقة واعتمدت حينها طريقة التعليم عن بعد.

“يقلدون الفيديوهات”

وقالت خلود الصالح (30 عاماً)، وهي معلمة من سكان بلدة جل آغا (الجوادية) غرب ديرك، إن طفلتها البالغة من العمر ستة أعوام عندما تمسك هاتفها الجوال “تنفصل عن العالم الخارجي ولا تشعر بما حولها ولا تسمعني حين أناديها.”

وتقلد الطفلة ما تشاهده في مقاطع الفيديوهات، حتى باتت تلفظ عبارات شخصيات أفلام الكرتون باللغة العربية الفصحى رغم عدم إتقانها لها، ما أثار قلق والدتها بأنّ يتطور موضوع التقليد لأشياء أخرى كالقفز من أماكن مرتفعة.

وتلاحظ الأم غضب طفلتها وردة فعلها “العنيفة” عندما تنقطع شبكة الإنترنت أو تأخذ منها الهاتف، “بكاؤها لا ينقطع.”

وعن البرامج التي تحب الطفلة مشاهدتها أشارت الأم إلى أنها “برامج كرتونية وألعاب”، لكنها أبدت تخوفها من انشغالها عنها “فالتطبيقات والبرامج تنزل لوحدها وتحتاج لمراقبة، ووقتي لا يسمح بالجلوس معها لساعات طويلة.”

وذكرت “الصالح” أنه من خلال عملها كمعلمة لاحظت أن أغلب الطلاب في صفوفهم الأولى يميلون للانطواء والوحدة والشرود الذهني، مرجعة ذلك إلى قضاءهم ساعات طويلة في استخدام الإنترنت وانشغالهم باللعب.

تحذيرات

وتحذر اليونيسيف من وصول الأطفال إلى “محتويات مؤذية، والاستغلال الجنسي والإساءات الجنسية، والتنمّر الإلكتروني، وإساءة استخدام معلوماتهم الشخصية”. أثناء استخدامهم للإنترنت.

وفي تقرير لها صدر منتصف نيسان/ أبريل العام الماضي، قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة إن “ملايين الأطفال يواجهون مستوى أكبر من خطر التعرّض للأذى إذ تنتقل أنشطتهم اليومية على نحو مطّرد إلى شبكة الإنترنت أثناء فترة ملازمة المنازل بسبب جائحة كوفيد-19.”

ووسط تحذيرات تربويين وأخصائيين نفسيين محليين من الاستخدام غير المرشد للأجهزة الذكية بشكل مفرط، وتأثيرها السلبي الجسدي والنفسي على الأطفال، يقول ذووهم إنهم باتوا يواجهون صعوبات في تحديد عدد الساعات لاستخدام الهواتف الذكية.

وقالت سعدة الخلف (40 عاماً) وهي من سكان بلدة كركي لكي (معبدة)، إن ابنها (12 عاماً) لم يتقبل طريقة التعلم عن بعد التي اتبعتها المدارس خلال فترات الحظر الكلي، “لانشغاله بالألعاب على الهاتف.”

ويعاني الطفل حالياً من نقص درجتين بالرؤية لكل عين، “كما أن لعبة البوبجي التي يلعبها مع رفاقه جعلته شرساً عنيفاً حتى بات يهلوس بنومه”، بحسب والدته.

وأشارت “الخلف” إلى أن طعام ولدها قلّ مع انشغاله بالألعاب. وأعربت عن ندمها لأنها اشترت له جوالاً قبل إتمامه الثامنة عشر من عمره.

وتحاول “الخلف” جاهدة  تنظيم وقت ابنها وتخصيص ساعات محددة له للعب مع ازدياد خوفها من تحذيرات مختصين نفسيين من وصول ابنها لمرحلة التوحد.

أضرار نفسية وجسدية

وحذرت سهيلة حسو، وهي استشارية نفسية في بلدة كركي لكي وإدارية بمركز “هيفي” للاستشارات النفسية، من تعلق الطفل بوسائل التواصل الاجتماعي “لما لها من أضرار، فهي سلاح ذو حدين وتؤذي من يسيء استخدامها.”

ورأت أن الطفل بحاجة لترشيد ومراقبة الاستخدام، “حتى لا يدخل بعالم افتراضي خيالي بعيدٌ عن الواقع.”

وأشارت  المرشدة النفسية إلى ضرورة تنمية مواهب الأطفال كالرسم والموسيقا، “ومن الممكن أن نستدل على تلك المواهب من خلال معرفة توجههم على الإنترنت والبرامج التي تستهويهم وتطوير الخبرات المعرفية والتقنية لديهم.”

وتنمِّي وسائل التواصل الاجتماعي أحياناً المهارات “لكن مع ضبط التطبيقات واختيار التطبيق المناسب وتنظيم الوقت.”، بحسب “حسو”.

ويتعلم أطفال آخرون من مقاطع الفيديو على الإنترنت “الألفاظ النابية والمشاجرات ويصبح لديهم نوع من الشذوذ الجنسي”، وفقاً لما أفادت به “حسو”.

وأضافت المرشدة النفسية أن أرباب بعض العائلات يوجّهون أبنائهم نحو القنوات الدينية “الإدراك لدى الطفل محدود وممكن أن يصبح متطرفاً دينياً لزراعة أفكار معينة في عقله.”

وقالت إن قلة النوم والأكل والراحة توصل الطفل لمرحلة الإرهاق والأرق والاستعداد لأمراض جسدية كنتيجة طبيعية للغزو الإلكتروني الذي أصبح  واقعاً موجوداً في كل بيت.

وحذرت “حسو” من أن تكون فكرة امتلاك الطفل لجهاز موبايل نابعة من باب التفاخر الاجتماعي  كنوع من “البريستيج” وفضلت عدم إعطاء الطفل الهاتف قبل عمر الثالثة بشكل نهائي وأن تكون فترة مشاهدته للتلفاز لا تتجاوز الساعتين قبل عمر الثالثة.”

ويمكن أن تحدث اضطرابات دماغية وفرط نشاط وانطواء وقلة تفاعل واندماج وطيوف من التوحد لدى الأطفال الذين يستخدمون الإنترنت لساعات طويلة، بحسب “حسو”.

إعداد: سلام الأحمد – تحرير: سوزدار محمد