شركات لتصنيع الأدوية في دمشق.. هدايا للأطباء بهدف تسويق منتجاتها

دمشق – نورث برس

تقدم العديد من شركات الأدوية في دمشق وريفها، مبالغ مالية وهدايا للأطباء مقابل الالتزام بتقديم منتجاتها للمرضى.

وتؤدي هذه السياسة إلى زيادة مبيعات الشركات وأرباحها بشكل مضمون، بحسب ما يقوله أطباء من دمشق.

والعام الماضي، تعرضت شركات الأدوية للتهديد بالتوقف، على خلفية انخفاض قيمة الليرة السورية وصعوبة استيراد المواد الأولية، ما أثار مخاوف لدى السكان من أزمة دواء قد تجتاح البلاد.

“دون خجل”

وقالت قطر الندى عابد (26 عاماً)، وهو اسم مستعار لمندوبة مبيعات لشركة أدوية وتقيم في حي الجسر الأبيض وسط دمشق، لنورث برس: “بات الأمر سهلاً، الآن أقدم مبالغ دورية للعديد من الأطباء وهدايا دون عناء أو خجل يذكر.”

وأضافت: “في بداية العمل واجهت صعوبة في تقبل الفكرة، وتنفيذ تعليمات المشرف حول ضرورة الاتفاق مع الأطباء لضمان بيع منتجات الشركة.”

ووجدت “عابد” فيما بعد العديد من الأطباء أنفسهم يسألون عن مقابلٍ تدفعه الشركة للالتزام بمنتجاتها، “ولم أكن أتخيل يوماً أن مهنة الطبيب النبيلة ستتحول إلى تجارة.”

وقال نادر يوسف (25 عاماً)، وهو اسم مستعار لمندوب شركة لتصنيع أدوية، لنورث برس: “في الفترة الأولى من عملي خرجت مع مشرفي ضمن فترة التدريب، الذي عرفني على العديد من الأطباء الذين يتعاملون مع الشركة.”

وأضاف: “لم أصدق في البداية ما قاله زملاء الدراسة الذين سبقوني للمهنة، وكنت أتخيل أن الموضوع بسيط ويقتصر على حالات فردية لأطباء لهم عدد قليل من المراجعين.”

ولكن “يوسف”، تفاجأ بعدد كبير من الأطباء تتعامل معهم الشركة على أساس “الهدايا/ الرشاوى” مقابل الترويج.

“لم أعد موظفاً للتسويق بل موظفاً لتقديم الرشاوى”، على حد وصف مندوب مبيعات الشركة.

وقالت رشا أيوب (26 عاماً)، وهي ممرضة تعمل في عيادة طبيب عظمية وتعيش في  حي بستان الدور، إن “العديد من مندوبي شركات تصنيع الأدوية يتواصلون معي في محاولة لمعرفة ما يحتاجه الطبيب لتقديمه له مقابل الالتزام بمنتجات شركاتهم.”

وأضافت: “قامت مندوبة إحدى الشركات بتقديم هدية لي مقابل إعطائها عنوان منزل الطبيب ورقم هاتف زوجته، لتتواصل معها وتقدم لها هدية.”

وقامت الشركة “بإهداء هاتف جوال جديد لزوجة الطبيب بعد لقاء المندوبة بها”، بحسب الممرضة.

وأشارت إلى أن “الطبيب بدأ بكتابة الأدوية المنتجة لتلك الشركة في الوصفة الطبية للمرضى الذين يفحصهم.”

إرضاء شركات

“يعتقد الجميع أن الطبيب في وضع مختلف عن باقي الناس، وغير متأثر بالأوضاع الحالية، إلا أن هذا ينافي الحقيقة”، هذا ما قاله أحمد المقت (36 عاماً)، وهو طبيب جلدية يقيم في حي دويلعة شرق دمشق، لنورث برس.

وأضاف: “أصبحنا مضطرين لقبول ما تدفعه شركة الأدوية، مقابل التزامنا بتقديم منتجاتها للمرضى. ومعظم السكان فقدوا القدرة على مراجعة الطبيب، وفي أفضل الأحوال يلجؤون لنصائح الصيدلي لتلقي الدواء.”

وأشار إلى أن “الأدوية التي نكتبها للمرضى هي أدوية مرخصة من وزارة الصحة، ولا تسبب أي مشاكل.”

لكن مايا الحموي (42 عاماً)، وهي صيدلانية تقيم في حي الشعلان وسط دمشق، قالت إن “العديد من الوصفات الطبية التي تصلني، تحوي أدوية ذات تأثير واحد.”

ولجأت “الحموي” في البداية للتأكد من الأطباء، فيما إذا كان يريد تقديم جميع الأدوية أم يكتفي بنوع واحد، فـ “أكّد الأطباء على جميع الأنواع” التي تعد في الأصل بدائل لبعضها.

وأضافت: “نصحت العديد من المرضى بأنه ما من داع لاستخدام كل هذه الأنواع التي لها التأثير نفسه والاكتفاء بنوع واحد.”

ويتفق بعض الأطباء مع العديد من شركات الأدوية، في سبيل إرضاء جميع الشركات مقابل الهدايا التي يحصلون عليها، وهو ما يزيد الثقل على السكان. بحسب “الحموي”.

رشوة أو إغلاق

قال مجد العلي (51 عاماً)، وهو اسم مستعار لمدير شركة تصنيع أدوية يقيم في حي كفر سوسة، لنورس برس، إن “الشركة مضطرة لفعل ذلك وإلا ستغلق نتيجة الخسارة.”

وأضاف: “منتجات الشركة سليمة ومرخصة من قبل وزارة الصحة، ما يعني أنه لن يشكل أي ضرر على مستخدم الدواء.”

وذكر أن “ارتفاع أسعار المواد الأولية وتقلبات أسعار الصرف، ووعود الحكومة الخلّبية بإيجاد حل لتحديد تسعير الأدوية، حتّم عليهم اللجوء لمثل هذه الخيارات.”

وتأتي سياسات الحكومة حول التصدير ومنع التعامل بالدولار الأميركي، مثبطة لقدرة الشركات على التوجه للأسواق الخارجية.

وأشار “العلي” إلى أن “توقف سياسة تقديم الهدايا والمغريات للأطباء سيعني إيقاف الشركة وخروجها عن الخدمة، ناهيك عن توقف مداخيل مئات العاملين فيها.”

إعداد: زيد موسى – تحرير: محمد القاضي