“البيت الكردي القديم” بالحسكة.. محل للقطع التراثية القديمة ومشروع لمتحف مستقبلي

الحسكة – نورث برس

لم تنهِ صعوبات عانى منها صاحب محل “البيت الكردي القديم” في مدينة الحسكة، شمال شرقي سوريا، خلال عقد من الحرب وسنوات نزوح داخل البلاد ولجوء إلى خارجها، طموحه في الاستمرار بجمع القطع التراثية.

ويسعى الرجل الآن لاستكمال مقومات افتتاح متحف يصبح صورة لتراث منطقته.

“حرب ولجوء”

ومنذ ثلاثة أعوام، افتتح حمزة محمد علي (50 عاماً)، وهو من سكان مدينة الحسكة، محلاً صغيراً لجمع وبيع القطع الفلكلورية القديمة أسماه “البيت الكردي القديم”.

وكان المحل بداية في “ساحة الشهيد سرحد” بحي المفتي لكنه انتقل مؤخراً إلى فرعه الثاني في منطقة الكنيسة الآشورية في حي تل حجر.

وقبل اندلاع الحرب في سوريا، كان “محمد علي” يعتمد في معيشته على بيع الخضار ليبقى موضوع جمع المقتنيات والقطع التراثية في إطار شغف شخصي له.

لكن البائع المعروف بين سكان مدينته باسم “أبو عيدو”، اضطر للجوء إلى إقليم كردستان العراق حيث عمل في بيع الخضار فترة ثم انتقل لبيع سُبّحات وأدوات تراثية على بسطة بالقرب من الكراج الرئيسي في مدينة دهوك.

وخلال عقد من الحرب في سوريا، شهدت مدينة الحسكة موجات نزوح لسكانها بسبب التفجيرات التي استهدفت المدينة.

 بينما ما تزال مسألة قطع تركيا لمياه الشرب والتوترات الأمنية المتكررة بين قوى الأمن الداخلي (الأسايش) التابعة للإدارة الذاتية من جهة والقوات الحكومية والمسلحين الموالين لها من جهة أخرى مستمرة حتى الآن.

من هواية لمهنة

يقول “أبو عيدو” إنه عاد بعد أربعة أعوام مجدداً إلى مدينته، بعد أن “لم يوفق في العمل” بإقليم كردستان العراق، على حد تعبيره.

لكنه استطاع هناك تحويل هوايته القديمة لمهنة يعمل بها، “كنت أقوم بجمع وشراء القطع الفلكلورية القديمة من دِلال قهوة وسجاد قديم ومسابح وكل القطع القديمة التي كان القرويون والنازحون يبيعونها.”

وجلب “محمد علي” معه من إقليم كردستان العراق الكثير من القطع والمقتنيات التراثية والفلكلورية التي ضمها إلى مجموعته في منزله الذي حوّله أيضاً في العام 2018 إلى ما يشبه متحفاً صغيراً.

وخلال عقد من الحرب في سوريا، استقبل إقليم كردستان العراق موجات كبيرة من اللاجئين السوريين، أبرزها بعد تدهور الأوضاع الأمنية عام 2012 وعقب سيطرة تركيا على عفرين عام 2018 وسري كانيه وتل أبيض عام 2019.

ويشترك الكرد السوريون مع أقربائهم في تركيا أو إقليم كردستان العراق في العادات والتراث، فالعشائر الكردية نفسها تتوزع بين المناطق الكردية في هذه الدول.

“مشروع متحف”

وبعد العودة، أكمل الرجل الذي حوّل هوايته إلى مهنة يعتاش منها، جهده في جمع الأدوات التراثية والاحتفاظ بها، حتى أنه خصص بعضاً منها “للعرض والمشاهدة وليست للبيع.”

يقول لنورث برس: “لدي الكثير من القطع القديمة من نحاسيات وهاون ورحى جنجلي وسيوف وخناجر قديمة ومسابح وقداحات وعملات قديمة وخواتم وغيرها.”

ويبيع “أبو عيدو” مسابح وسكاكين وأدوات أخرى جديدة يحضرها من العاصمة دمشق إرضاء لزبائنه، لا سيما كبار السن الذين لن يستغنوا عن هذه الأدوات التي ترافقهم أينما ذهبوا.

وتتراوح أسعار المسابح الثمينة و الخواتم المرصعة بالأحجار الكريمة ودلال القهوة النحاسية وحجار الرحى والسيوف والخناجر التراثية بين 100 دولار أميركي إلى آلاف الدولارات لبعض القطع الأثرية القديمة.

ويطمح “أبو عيدو” حالياً لاستكمال مشروعه بمتحف، لكن الهجمات التركية على منطقتي سري كانيه وتل أبيض وتدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في المنطقة تتسبب بتأخر إنجازه للأعمال اللازمة لتحقيق ذلك.

ويرى جامع القطع التراثية أن بعض السكان لا يعرفون قيمة الأدوات التي توارثوها عن آبائهم، بينما يتخلص آخرون من كل ما يشغل مكاناً ولا يعينهم مباشرة في معيشتهم، بسبب عدم الاستقرار وتدهور الأوضاع المعيشية.

تراث مشترك

ورغم الأسعار الباهظة للقطع المعروضة في المحل، إلا أنه يستقطب مهتمين بالتراث من سكان المدينة أو زوارها.

وأبدى مارون بصمجي (42 عاماً)، وهو من السكان الأرمن بمدينة الحسكة ومن مرتادي البيت الكردي القديم، اهتمامه الكبير باقتناء بعض القطع الفلكلورية القديمة وتزيين غرف منزله بها.

وأضاف أنه يقوم على الدوام بزيارة المحل الذي يحتوي على “قطع من تراث الجزيرة بكافة مكوناتها، واحب اقتناء المسابح والجرار والهاون ودلال القهوة.”

ولدى شعوب ومكونات الجزيرة السورية تراث مشترك في استخدام تلك الأدوات وخاصة ما يتعلق منها بالحياة اليومية والأعمال الزراعية وتربية الحيوانات.

وأشار “بصمجي” إلى أن: “الزوار يجدون هنا كل شيء قديم يخطر ببالهم، وأبو عيدو اكتسب شهرة واسعة نتيجة سمعته الطيبة وعمله الجميل.”

وبالإضافة للمشروع التجاري والقيمة التراثية، أصبح “البيت الكردي القديم” مقصداً المثقفين وشعراء ومغنين أقام بعضهم أمسياتهم الشعرية والموسيقية فيه.

وقال ولات أوسو (32 عاماً)، وهو خياط من سكان حي تل حجر، إنه يجد هنا الكثير من التحف الجميلة التي تمثل تراث المنطقة.

وتمنى أن يزداد الاهتمام بالقطع التراثية القديمة لتزداد المحال التي تقتني وتشتري القطع التراثية القيّمة.

إعداد: جيندار عبدالقادر – تحرير: حكيم أحمد