نورث ستريم٢ الروسي والملف النووي الإيراني.. عودة الصراع على سوريا

يبدو أن الرئيس الأميركي “بايدن” لن يعود للوراء مع إيران ببساطة كما توقع الإيرانيون وحلفاؤهم، فتصريحاته خيبت آمالاً كبيرة بوضوحها، وبات مؤكداً أن الولايات المتحدة لن ترفع العقوبات عن إيران، ما يدل على استمرارية المؤشرات ذاتها في الموقف الأميركي.

ويبدو أن الرئيس الجديد يبني قراراته حسب معيارين: الأول هو الديمقراطية التي تدفع للتصعيد مع الصين وروسيا وطبعاً إيران، والثاني هو ضرورة سيادة القانون الدولي، فمن خلاله سيواجه الصين، التي لا يملك رئيسها، حسب قوله، “ذرة من الديمقراطية.”

وعندما نتحدث عن القانون والديمقراطية في العالم كهاجس أميركي للرئيس الجديد، نفهم من حديثه أنه سيلتزم وسيُلزم حلفاءه بقرارات مشتركة دون أن يترك مجالاً للومه بتجاوز القانون الدولي كما فعل “بوش” يوم اجتاح العراق.

ويؤكد “بايدن” أن السيادة الأميركية توجت مع الحلفاء في إطار القانون الدولي, لذا لن يغرد وحده كما فعل خلفه ترامب، لن ينسحب كذلك من أي ملف متفرداً ولن يخوض حروباً لوحده, بل سيلزم الحلفاء الأوروبيين وبكافة السبل بالوقوف صفاً واحداً مع واشنطن في مواقفها القادمة، وسيركز جهوده على إرضاء حلفائه قبل خوض المعارك، وربما لن تكون الخطوات سهلة على البعض في أوروبا, خصوصاً عندما يتعلق الأمر بمواجهة روسيا اقتصادياً ومنعها من إنهاء بناء خط أنابيب نورث ستريم2 أو إلزام الاتحاد الأوروبي على التزود بالطاقة بتكلفة أعلى من الولايات المتحدة. هذا بالتحديد هو الواقع الجديد الذي تفرضه الإدارة الأميركية الجديدة على حلفائها الأوروبيين.

ويذكرنا هذا الحاضر بأسباب الصراع على سوريا عام 2011 وبدايات حرب الغاز، حين أطلقت مجموعة “غازبروم” الروسية مشروع تشغيل أنبوب غاز “نورث ستريم” الذي تطور كثيراً في السنوات الأخيرة وتُوج كنصر لروسيا، ومن المفترض أن يزود أوروبا الغربية بالغاز مباشرة مروراً ببحر البلطيق، دون المرور بأراضي الدول المجاورة لروسيا.

هذا المشروع أصبح على وشك أن ينفذ ويصل بأنابيبه إلى ألمانيا، لكن ما يؤخره هو اعتراض الولايات المتحدة الحاد والعقوبات المستمرة التي تفرضها منذ سنوات، وهذا يعد خط دفاع استراتيجي للولايات المتحدة كي لا تقع أوروبا تحت تأثير روسيا فتخسر واشنطن أهم حلفائها.

وقد أثر الصراع على تمديد أنابيب الغاز كما أثر الملف النووي الإيراني كثيراً على العلاقات الألمانية الأميركية، فالمستشارة الألمانية ميركل تمتلك رؤية مختلفة تجاه روسيا ومستقبل أوروبا، ولكن يبدو أن فرنسا لا تشاركها الراي، فقد هدد مؤخراً وزير خارجيتها “لودريان” بانسحاب فرنسا من المشروع الروسي نورث ستريم2 وهذا على خلفية تسميم المعارض الروسي أليكسي نافالاي ، أي على خلفية “لا ديمقراطية ” روسيا، حيث يكاد يصبح “نافالاي” البوعزيزي لولا قوة الحكم في روسيا.

وتضغط فرنسا حالياً على ألمانيا كي تقنعها بالانسحاب من المشروع الروسي، فهل ستستجيب ألمانيا؟

عودة فرنسا هكذا للمشهد بهذا الدور الريادي تذكرنا بما جرى في ليبيا وكيف فوّضت أميركا يومها فرنسا لتلعب دور مبادر في الواجهة مع الحلفاء، وكان ذاك الزمن زمن التصعيد.

 واليوم ورغم كل الإشارات الواضحة لعودة الولايات المتحدة لساحة الصراع، مازال البعض يتوقع تنازل الولايات المتحدة عن صراعها في سوريا. طبعاً ليست سوريا المقصودة بهذا الصراع بل المستهدف هو تبعية النظام السوري، وحتى معارضيه، لمحور الشرق أي إيران وروسيا.

فالحرب على سوريا هي استنزاف لإيران في سوريا وفي لبنان، كما هي إضعاف لروسيا.

 وأما عن التغيير في سوريا، الذي تروج له روسيا في هذه الظروف، فيصعب تصوره , لأن الصراع مازال قائماً بعد، ولربما السيناريو المطروح روسياً الآن كان ممكناً قبل الانتخابات الأميركية ، وبالتحديد حين كانت أزمة توازن القوى في اوجها، تلك التي أحدثها الانسحاب الأميركي في عهد ترامب.

لكن الواقع مختلف اليوم، فكل المؤشرات تؤكد أن واشنطن تنتهج سياسة براغماتية متوازنة وذات دوافع منهجية، وبالتالي يستبعد جداً أن تنسحب من الملف السوري قبل إرضاخ إيران نهائياً وسحبها من التحالف الروسي-الصيني, أي أن الإدارة الأميركية تتوقع تغييراً حقيقياً في إيران, تغييراً عميقاً يؤثر على المنطقة وخصوصاً سوريا.

 وفي سوريا، لا مجال في هذه الظروف لدعم أحد ضد أحد، فالمنطق يقول أن استبدال “الأسد” كشخص لن يغير من الأمر كثيراً رغم ضرورته الإنسانية العاجلة, فسوريا مستعمرة إيرانية روسية والقرار ليس بيد “الأسد” ولا غيره.

 وتروج روسيا في هذا الوقت الضائع لسيناريوهات تسميها “توافقية”، لكنها بهذا تتوافق مع ذاتها فقط، وهي في الواقع لن تتمكن من فرض أي نهاية للصراع، ليس لأن الشعب قابل أو رافض، إذ لم يعد السوري معنياً بأن يموت مجاناً في سبيل أحد، ولكن لأن جولة جديدة قادمة في هذا الصراع الكارثي الذي لم يحسم بعد.