مخاوف وانعدام خدمات.. قرويون يصفون معاناتهم على خطوط التماس شمال حسكة

تل تمر – نورث برس

رغم الهدوء النسبي الذي يخيم على القرى الواقعة غرب بلدة تل تمر بريف حسكة، شمال شرقي سوريا، لا يخفي سكان مدنيون يعيشون على خط المواجهة مع مناطق سيطرة الجيش التركي خوفهم من دوي القصف المتكرر الذي ينهال على محيط قراهم.

ومنذ أواخر العام 2019، تحولت عشرات القرى إلى خط نار بعد الهجوم التركي رفقة فصائل سورية مسلحة موالية لتركيا وسيطرتها على منطقتي تل أبيض وسري كانيه (رأس العين) حتى تخوم بلدة تل تمر.

وأصبح الطريق الدولي M4 الخط الفاصل بين مناطق انتشار مسلحي الفصائل الموالية لتركيا والقوات الحكومية التي تمركزت بالقرب من خط التماس برعاية روسية.

“خائفون من القصف”

وبالقرب من باب منزلها في قرية كوزلية، 10 كم غرب تل تمر، تنهمك حبيبة سليمان (55 عاماً) في إعداد الخبز وهي تغطي وجهها بلفاح أبيض.

وقالت لنورث برس، والدخان يتصاعد من تنورها الطيني، إن عائلتها تحصل على الخبز مرتين في الأسبوع من الفرن الآلي في تل تمر، “ولا يسد ذلك حاجتنا فنلجأ لتحضير خبز التنور هذا.”

وتعاني كوزلية، كما عشرات القرى في الريف الغربي للبلدة، من صعوبة تأمين مادة الدقيق وسط ارتفاع سعره، بينما يتهم سكان المنطقة الجيش التركي بحرق محاصيلهم من القمح والشعير الصيف الفائت.

وفي حزيران/ يونيو العام الفائت، قال سكان من القرية نفسها “كوزلية”، لنورث برس، إنهم شاهدوا بأعينهم جنوداً أتراك في قاعدتهم العسكرية الموجودة فوق تلة قرية العامرية القريبة وهم يضرمون النيران في المحاصيل الزراعية في عدة قرى محاذية لهم.

وخلال موسم الحصاد الماضي، أتلفت الحرائق 30 ألف دونم في منطقتي تل تمر وسري كانيه، بحسب تصريح سابق لسلمان باردو، الرئيس المشارك لهيئة الاقتصاد والزراعة التابعة للإدارة الذاتية.

ولم تكن “سليمان” تتوقع أن تتحول قريتها بعد طرد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” منها قبل خمس سنوات، إلى خط النار مجدداً.

وأضافت: “نحن خائفون جداً، فقبل أيام خرجنا من منازلنا مساءً، بسبب صوت القصف الشديد.”

ورغم وجود وقف إطلاق نار بين قوات سوريا الديمقراطية والجيش التركي عقب اتفاقين أميركي-تركي وروسي- تركي، إلا أن الجيش التركي يكرر استهداف القرى خارج سيطرته بالقذائف.

حرب بعد حرب

ويقول سكان في القرية إنهم لا يأمنون العبور من الطريق الدولي خوفاً من عمليات سطو أو إطلاق نار من المسلحين الموالين لتركيا، مما يجبرهم على استخدام طرق ترابية وعرة تكثر فيها الحفر للوصول إلى بلدة تل تمر لتأمين احتياجاتهم.

وفي السادس من تشرين الثاني/نوفمبر الفائت، اعترض عناصر من فصائل معارضة موالية لتركيا قافلة مدنية، رغم مرافقتها من دورية روسية على الطريق الدولي (M4)، كما وأقدموا على “تشليح سائقين وتجار بالقرب من قرية الريحانية غرب البلدة”، بحسب سكان.

وما زالت آثار حرب تنظيم “داعش” ظاهرة على مدرسة القرية، حيث نوافذها المكسورة وجدرانها المثقوبة بالرصاص والشظايا.

ويقصد طلاب المرحلة الابتدائية من عدة قرى مجاورة المدرسة التي تتبع هيئة التربية في الإدارة الذاتية، بينما يقصد طلاب الإعدادية مدارس في مركز بلدة تل تمر.

وقال محمود الحسن، وهو مدرس للصف الخامس، إن المدرسة لم تشهد أي أعمال صيانة منذ سنوات، وإنها تحولت خلال فترات من العام 2020 إلى مأوى للعائلات الهاربة من القصف التركي على القرى المجاورة.

وتؤدي اضطرابات أمنية على خطوط التماس، التي لا تبعد عن المدرسة سوى كيلومترات قليلة، إلى انقطاع في دوام التلاميذ وتعطل العملية التربوية لفترات.

وأضاف “الحسن”: “الطلاب ينتابهم الخوف عند سماعهم أصوات القصف، كما يغيب بعضهم بسبب قلق عائلاتهم.”

“معيشة صعبة”

وعلى بعد نحو ثلاثة كيلومترات، لا تختلف أوضاع سكان قرية تل اللبن، فالخوف من القصف التركي هو أبرز ما يقلق السكان، إلى جانب انعدام الخدمات بسبب صعوبة وصول المنظمات والمؤسسات إليها.

وقالت وضحة الجاسم (61 عاماً)، وهي من سكان قرية تل اللبن، إن “المعيشة صعبة جداً في القرية وسط تعطل الأعمال الزراعية وتدهور الخدمات.”

وأضافت أن سكان قريتها يعيشون بلا كهرباء منذ عام، في حين تصلهم المياه بنسبة قليلة وخلال فترات متقطعة، دون أن تقدم المنظمات الإنسانية يد العون لهم.

ووفق مديرية الكهرباء بتل تمر، فإن سبب استمرار انقطاع الكهرباء عن الريف الغربي منذ نحو عام، يعود إلى قطعها من الخطوط الرئيسة الواقعة ضمن المنطقة الخاضعة لسيطرة الجيش التركي والفصائل الموالية له.

وقالت بدرة المحمد (44 عاماً)، إن سكان قريتها “تل اللبن” انقسموا بين نازحين في المخيمات ومتبقين ضمن القرية.

وأضافت: “قبل حوالي أسبوعين حدث قصف بمحيط القرية، خرجنا جميعاً إلى العراء، حتى أطفالنا لا يتمكنون من النوم بسبب الخوف.”

وتتأمل المرأة الأبواب المقفلة لمنازل جيرانها، “أنتظر عودتهم، لم يتبقَّ في قريتنا سوى ست عائلات، لا نريد النزوح لكننا نعيش في خوف مستمر.”

وأشارت “المحمد” إلى أن أغلب القصف يكون في الليل، “أوضاعنا مأساوية خاصة أن الكهرباء مقطوعة في هذا الخط منذ وصول مسلحي تركيا إلى المنطقة.”

إعداد: دلسوز يوسف – تحرير: حكيم أحمد