خبراء أمريكيون لنورث برس: الانسحاب من سوريا سيخلق أزمة أخلاقية للولايات المتحدة

واشنطن – هديل عويس ـ NPA 
قال خبراء أمريكيون أن الولايات المتحدة غير واضحة باستراتيجيتها تجاه سوريا، ورأوا أن الخروج الكلي والمفاجئ من شأنه خلق تحديات لا حصر لها، فيما اعتبر آخرون أن التخلي المجالس المحلية والقول بأنها مؤقتة والانسحاب وتركها تواجه مصيرها، ثم وضعها أمام قائمة طويلة من الشروط، هو أمر يخلق بكل تأكيد أزمة أخلاقية بين الولايات المتحدة وبين الحلفاء.
 
فمع هزيمة “الدولة الاسلامية” في العراق وسوريا، لا يتفق معظم خبراء الشرق الأوسط في واشنطن مع إعلانات النصر عالية اللهجة التي يطلقها الرئيس ترامب، حيث تقول ليندا روبنسون من معهد راند، في ندوة حضرتها “نورث برس” في واشنطن ؛ أن “ظهور البغدادي مرعب، و سيحيي مشاعر مئات الآلاف ممن يشعرون بالهزيمة، حيث سيحيي فيهم ظهور هذا الرجل الذي ترددت أنباء كثيرة عن مقتله، مشاعر الحماس لإطلاق جولات جديدة من الإرهاب”.
وبينما هُزِم تنظيم “الدولة الإسلامية” عسكريا، يرى المشاركون في ندوة في معهد هدسون الأمريكي في واشنطن تحت عنوان “إعادة الإعمار والاستقرار بعد هزيمة داعش”، أن هجمات سريلانكا، كانت صفعة توقظ المجتمع الدولي، وتنبهه إلى أن “التطرف” يأخذ الآن أشكالاً أكثر خطورة وتنوع، والقول “إننا هزمناه هو أمر غير دقيق”. 
كما ذكر المشاركون عدداً غير منتهي من التحديات التي تواجه سوريا والعراق، وتحديداً في سوريا بعد هزيمة تنظيم “الدولة الإسلامية” تمنع من القول بأننا “وصلنا إلى مرحلة تأمين الاستقرار”.
حيث تقول ايليزابيث دينت، المختصة بمكافحة الإرهاب والمشاركة بالندوة، لـ “نورث برس”: “الولايات المتحدة تواجه تحديات دمار المنطقة التي حاربت فيها تنظيم “الدولة”، وتحدي النفوذ الإيراني وارتباط الأسد به، والنزاعات الإقليمية بين الأتراك والكرد السوريين”. 
وأضافت: “انعدام الاستقرار في سوريا قد يأتي في أي لحظة، فالمسببات كثيرة جداً، والمشكلة أننا نرفع سقف الطموحات، دون أن نملك الأدوات لتحقيق هذا، فيما يتراوح ما بين الـ/400/ إلى ألف جندي أمريكي على الأكثر موجودين في سوريا، نريد أن نمنع صراعاً بين تركيا والأكراد، ونريد مكافحة خطر النفوذ الإيراني وضمان عدم عودة كابوس داعش”.
ونوهت، إلى أن هذا كله غير منطقي، فحين نبقي فقط عشرة بالمئة مما كنا قد أرسلناه في السابق من جنود لتأمين منطقة تشكل ثلث مساحة سوريا، “معلّقة”، “هذا أمر لا يصدق”. 
وبحسب رأي دينت فإن شرعية “قوات سوريا الديموقراطية”، تتعزز مع الوجود الأمريكي وتحقيق الاستقرار في المنطقة، والشعور بالأمان للسكان، وبالتالي من غير المعروف ما ستؤول إليه الأوضاع في المستقبل. 
وأشارت دينت، إلى أن الولايات المتحدة غير واضحة باستراتيجيتها تجاه سوريا، حيث تقول الإدارة “إن إعادة الإعمار مرتبط بإطلاق عملية سياسية”، و لكن الآن نسمعها تقول أيضاً إنه “لن يكون هناك إعادة إعمار طالما الأسد موجود، وحتى لو جاءت به العملية السياسية إلى السلطة”. 
مردفةً: “لقد أقمنا المجالس المحلية في سوريا، ولكن هذه أيضاً تحدي آخر، فنحن قمنا بتشكيلها وقلنا أنها مؤقتة إلى حين إطلاق عملية سياسية وحل المشكلات مع تركيا، والمشهد معقد على الأرض، ولكن لم نصل حتى إلى حل هذه الأمور السياسية”.
وتابعت، السبب في ذلك “لأننا أحياناً نجد تحديات أصعب وأكثر أولوية بكثير، مثل عدم وجود المياه النظيفة في مناطق هزيمة تنظيم “الدولة الإسلامية”، كما ترى الأطفال في بعض المناطق لا يفعلون شيء كل اليوم، فهم باتوا بدون مدارس، بالإضافة إلى تحدي المخيمات في سوريا والتي تحوي الخارجين من مناطق سيطرة التنظيم”. 
 
وترى دينت أن الإدارة لم تتناقض بتصريحاتها فقط مع مصالح المنطقة والحلفاء المقاتلين لتنظيم “الدولة الاسلامية”، ولكن حتى مع الأوروبيين حيث عرضت عليهم إدارة ترامب أولاً إعادة الإعمار بالتشارك، ثم قال ترامب “إننا سنخرج ولا تهمنا سوريا”. 
كما تؤكد دينت، أن الخروج الكلي والمفاجئ من سوريا من شأنه خلق تحديات لا حصر لها، فمثلاً وعلى الرغم من أن الانسحاب لم ينجز رسمياً بعد، “بدأنا نرى المنظمات الإنسانية والإغاثية الدولية ومنظمات المجتمع المدني، تهرب من سوريا خوفاً من اندلاع الفوضى بعد الانسحاب، وهذا بالطبع انعكس على أحوال المخيمات والمناطق المحررة من داعش والوضع الإنساني عموماً في المنطقة. 
ومن التحديات الأخرى، التي ذكرتها دينت، أن “جماعات عرقية تنتهي وتختفي من المنطقة، خوفاً من داعش وأشباهها”، فمثلاً “الإدارة الحالية تركز على حماية المسيحيين المشرقيين وتحكي كثيراً عن هذا الهدف، ولكن كيف يعود المسيحيون إلى منطقة مهددة بعودة “الدولة الإسلامية” إليها بسبب قابليتها لانعدام الاستقرار تحت أبسط الظروف”.
ويقول لؤي ميخائيل، من المجلس السرياني الآشوري الكلداني، أن “التعاون قادر على تأمين المنطقة وإعادتها إلى الاستقرار، إلا أن الخطط التي تطرح آنية، ولا تحمي المجتمعات المسيحية وغيرها من الأقليات والشعوب الأصلية في المنطقة، مشيراً إلى أنه حتى القوات السريانية والآشورية التي تدربها أمريكا في العراق لحماية مناطقها، باتت ذات أهداف مؤقتة ولا يوجد يقين كبير من مستقبلها وإن كانت فعلاً قد وجدت لحماية المسيحيين”. 
وفي السياق نفسه تقول فرانسيس براون، الباحثة في مكافحة التطرف من معهد كارنيغي الأمريكي: “إذا نظرنا إلى المشاريع التي تقوم بها أمريكا وغيرها من الدول، نرى جهداً إغاثياً فقط لا أكثر يبذل على مستويات ضعيفة لدعم المجالس المحلية، في المقابل نطالب هذه المجالس وهي مجالس مدنية، أن تقف في مواجهة “الدولة الإسلامية” ومنعها من العودة، كما نطالبها بالابتعاد عن الأسد وإيران، دون أن نزودها بأي من مؤهلات حماية الأمن، وبالتالي لا نتوقع أن يستتب الأمن في هذه المناطق”. 
وتضيف براون: “التخلي عن هذه المجالس والقول بأنها مؤقتة والانسحاب وتركها تواجه مصيرها، ثم وضعها أمام قائمة طويلة من الشروط هو أمر يخلق بكل تأكيد أزمة أخلاقية بين الولايات المتحدة وبين الحلفاء”.
وتضيف: “بإمكان الولايات المتحدة فعل الكثير للمناطق التي دمرتها الحرب في سوريا، فهي تحتاج كل شيء من الكهرباء إلى معظم الموارد، إلا أن الأزمة بين قسد وتركيا تجعلنا لا نعتبر هذه المجالس المحلية مستدامة ولكن مؤقتة، ويجعل أمر تمويلها ومساعدتها وإعادة الإعمار أصعب كذلك”.