تفاوت مفاهيم الأسرة ووضعية المرأة في المجتمع السوري

في الثقافة الحديثة، وليس الغربية فقط، كان النمط النموذجي للأسرة منذ عشرات السنين عبارة عن أم وأب وأولاد، لكن أحلام الفتيات أصبحت تدور حول طموحات مهنية ولم تقتصر على الحب والزواج والأمومة والبيت فقط ، وأما الزوج المثالي فأصبح ذاك الشاب الوسيم الذي يقوم بدور الأب العصري الذي يساعد بأمور البيت وبتنظيف ابنه والعناية به والمشاركة مع زوجته بأمور وتفاصيل كانت في الماضي تعد من شأن النساء فقط .

وفي المجتمع السوري، هناك تفاوت في المفاهيم التي تخص الأسرة ووضعية المرأة وهذا التفاوت هو طبقي نوعاً ما وثقافي كما هو الحال في كثير من العالم الثالث دول وليس فقط العربية والإسلامية. ففي سوريا نلاحظ أنه يصعب على الطبقات المثقفة البرجوازية قبول تعدد الزوجات، فالأمر لم يعد شائعاً حتى في الأوساط التي تعد متشددة دينياً, ورغم التناقضات التي تسود المجتمع اليوم، ينظر للمسألة على أنها مسألة كرامة ومكانة للمرأة ولأهلها, وأما عن كرامة المرأة في المجتمعات الشرقية فلم يحمها قانون قط, بل يصونها موقعها الاجتماعي أو مالها أو مال أهلها.

وكذلك كان حال المرأة في الغرب قبل أن ينصفها قانون اجتماعي متكافل مادياً فرض كرامة المرأة بغض النظر عن انتمائها الاجتماعي الطبقي أو المادي, فالمجتمع إذاً هومن يشرع ومن يقرر ومن يسن القانون. أما القانون في بلد كسوريا فهو بعيد كل البعد عن الواقع الاجتماعي، لا يتبعه ولا يسبقه بل يغرد بمفرده خارج السرب مغتصباً من الجميع.

وفي تونس وتركيا الدولتين اللتين أحدثتا تطوراً كبيراً في قانون الأسرة ووضع المرأة حيث أقر فيهما قانون يمنع تعدد الزواجات. ونلاحظ أنه في المناطق الشعبية والفقيرة في هذين البلدين توجد حالات تعدد زوجات تتجاوز القانون, ويفرضها المجتمع الذي يقر شرائعه بمعزل عن الدولة وسط الصمت العام . كذلك الحال في أوروبا حيث نجد بين المهاجرين أيضاً حالات تعدد زوجات تعيشها الجالية فيما بينها سراً أوعلناً بعيداً عن إرادة القانون المحلي بشأن الأسرة ومفاهيمها, فنجد الظاهرة لدى جاليات عديدة في أوروبا كالإفريقية، المسيحية منها والمسلمة، وهذا يعود لعقود أي منذ بداية الهجرة الاقتصادية للغرب.

والمسألة لا تقتصر على المسلمين، ففي كينيا المسيحية تعدد زوجات، فالأمر مرتبط بتطور المجتمعات وتطور مفهوم الأسرة ومكانة المرأة عموماً. ومن العنصرية اتهام المسلمين فقط وتحميلهم عبء الظواهر اللاعصرية كلها بحجة أن ” الإسلام يسمح” , فليس الإسلام وحده من يسمح أ ويرفض بل هو المجتمع عملياً من يقود عملية التشريع, وأما المشرع فهو مفرز من هذا المجتمع. وربما من الضروري هنا أن نشير الى وجود بعض التيارات الفكرية التحديثية في الإسلام التي لا تستسيغ حالات تعدد الزوجات وتعي خطورة هذا على تطور الأسرة والمجتمع والدولة وتعمل على حوار جاد لتغيير الخطاب الديني الاجتماعي وحفظ مكانة المرأة.

كل هذا يجبرنا أن نقر أن عملية تحديث وتعديل القوانين والدساتير لا يمكنها أن تتم بمعزل عن واقع المجتمعات وإرادتها ووعيها. كذلك لا بد أن نقر أن روح القانون وخلفياته أهم من القانون ذاته. باختصار لا يكفي أن نستورد بنوداً من دساتير عصرية ونفرضها على مجتمع لا يلمس روحها.

ورغم كل هذا، لا يعود التاريخ للوراء، وفي المجمل تطورت الأسرة الإسلامية والمشرقية وتطور وضع المرأة منذ قرن حتى الآن، وتطورت عقلية الرجال المشرقيين، وأصبحوا هم أيضاً يطمحون بشريكة عصرية, تعمل وتشاركهم أعباء الحياة والمسؤوليات. ومن الإنصاف أن نقر بأن قرار تعدد الزوجات لم يعد كما في الماضي مسؤولية الرجل وقراره بمفرده, أو قرار المجتمع ومحيطه, بل أصبحت المرأة تتمتع بمساحة أكثر من الماضي تسنح لها لحد ما أن تقرر بقبول أو رفض هذا الوضع, وبالتالي هي أيضاً تتحمل معه مسؤولية هذا القرار الذي يخص الأطراف الثلاثة الرجل والزوجة المعنية والزوجة الثانية.

 ولكن الواقع الحديث المتناقض ما يزال يطرح أسئلة حول هل المرأة السورية تملك حقاً حرية القرار وإلى أي حد وفي أي من الأوساط الاجتماعية وأين؟

أو لماذا يقال إن العديد من النساء المشرقيات يقبلن بكامل إرادتهن أن يتزوج الزوج بثانية، أي بمفهوم أخر حين يخيرن بالطلاق أو البقاء لماذا يخترن البقاء؟

هل يخترن البقاء لأن قانون الطلاق في سوريا غير منصف مادياً ومعنوياً للمرأة فيما يخص الحضانة والنفقة كما هو الحال في الغرب وتركيا وتونس حيث تحظى بحق الحضانة وواجب النفقة وتقاسم الأملاك الزوجية ؟ أم لأن المرأة لم تقتنع بعد بمفهوم المشاركة الفعلية بمسؤوليات الزواج المادية ؟ أم لأن المجتمع ما زال يعتبر المرأة المطلقة عاراً ومنقوصة ؟ أم يخترن البقاء لأن الرجل الشرقي لا يشارك فعلياً بمسؤولياته الأبوية بعد الطلاق فحين يقع الطلاق إما يحرمها أولادها كلياً أو ينسى أولاده تماماً غير شاعر بمسؤوليته الأبوية ؟ أم لأنها تخاف ؟ أم لكل هذا الأسباب مجتمعة ؟