في دمشق نساء تعرضن لعنف وبذلن جهوداً مضاعفة أثناء الحجر المنزلي

دمشق- نورث برس

كان للمرأة النصيب الأكبر من تغييرات اجتماعية واقتصادية ونفسية في حياة السوريين بعد انتشار جائحة كورونا، إذ تحولت حياة معظم النساء إلى كفاح مضاعف لتحقيق الاستقرار في العمل والعائلة.

في العاصمة دمشق تقول تقديرات غير رسمية إن الفيروس زاد من تكريس التمييز على أساس النوع الاجتماعي بين السوريين.

وقالت سهى مالك (47عاماً)، وهو اسم مستعار لعاملة في مجال الخدمة بمؤسسة حكومية في دمشق، إنها لم تتمكن من أخذ إجازة لأن راتبها كان سينقطع خلال فترة الحجر الصحي المنزلي الذي بدأ في شباط/فبراير وانتهى في نيسان/أبريل من العام الفائت، واضطرت لتحمل ازدياد عبء العمل نتيجة “التمييز” تجاهها.

وأضافت: “كان عليَّ ارتداء الكمامة عند دخول مكاتب الموظفين بينما هم لا يفعلون. وكان عليَّ أيضاً أن أغسل الأواني مراراً بسبب شكِّهم الدائم بأنني قد أنقل إليهم العدوى.”

ولا تمتلك المرأة التي تعيل نفسها وابنها الوحيد، أي مصدر دخل إلى جانب عملها في المؤسسة الحكومية.

ولأنها لم تتمكن من الحصول على إجازة، استمرت بعملها وسط ظروف قاسية، “غالباً ما كنت أسمع كلاماً جارحاً وتشكيكاً بنظافتي والتزامي.”

تعتقد سهى أنها تعرضت لاستغلال وتنمّر بسبب حاجتها للعمل منذ بدء انتشار فيروس كورونا، فبالرغم من الخوف المرافق للجميع من إمكانية الإصابة بالمرض عوملت هي كمصدر محتمل للعدوى.

وتقول إن ما تعرضت له هو اختصار لحكايات مشابهة لعشرات النساء السوريات بسبب الاعتقاد السائد بأن المرأة تتحمل مسؤوليات المطبخ ونظافة المكان.

جهود مضاعفة

“زاد عملي، كنت أبدأ في الصباح ولا أنتهي حتى المساء. طلباتهم لم تكن تنتهي.”

درجت العادة في مجتمعات سورية أن تقضي النساء معظم وقتهنَّ في العمل المنزلي، فالصورة النمطية للمرأة الناجحة في هذه المجتمعات هي تلك التي تحسن تدبير أمور عائلتها وإنجاح زواجها بالقيام بجميع الأعمال المنزلية والعناية بالأطفال على أتم وجه.

وضاعفت ظروف الإغلاق والحجر الصحي بسبب الجائحة عدد الساعات التي تقضيها المرأة في هذه الأعمال.

وما زالت نساء كثيرات يشتكين من ندرة مشاركة الرجال والشبان في الأعمال المنزلية، رغم قضائهم عطلاً في المنازل.

لكن، “لم تتغير الأدوار المبنية أساساً على التمييز الجندري”، وفق تعبير سيدة في دمشق.

تقول آمال أحمد (47 عاماً) إنها لم تتوقع ألا يغيّر أبناؤها الشباب الأربعة بالإضافة لزوجها من نمط حياتهم مع بقائهم في المنزل لأيام.

وبالرغم من ذلك قالت أيضاً في مقابلة مع نورث برس: “كنت أظن أن الحجر الصحي سيكون فترة للراحة والتقليل من العمل المنزلي.”

لكنها اضطرت في الأوقات التي يكون فيها الجميع بالمنزل أن “تلبي حاجاتهم وأن تبقيهم راضين.”

وعدا عن مهام التعقيم والوضع الحساس الجديد الذي ترافق مع ظهور المرض، كان على آمال مراعاة الوضع النفسي لأبنائها وزوجها بسبب الضغط المرافق للحجر.

وتقول: “كان من الممكن أن يتسبب أيُّ تفصيل صغير بمشكلة ومشاجرة، لذلك زاد عملي، كنت أبدأ في الصباح ولا أنتهي حتى المساء. طلباتهم لم تكن تنتهي.”

عنف وتبرير

وبعد مرور أسبوع واحد على الحجر الصحي، بدأت المشكلات تظهر بين آمال وزوجها، “لم يكن لها سبب مهم في معظم الأحيان، لكن بات الحديث بيننا غير ممكن. أصبح يقابلني بعنف غير مسبوق.”

واضطرت الزوجة في إحدى المرات لالتزام الصمت بعد “أذى جسدي” تعرضت له، وذلك بسبب ما وصفته بـ”مراعاة الحالة الحرجة التي يمر بها زوجي نتيجة توقفه عن العمل وسوء حالتنا الاقتصادية.”

وتشير تقديرات إلى أن نسبة العنف المنزلي ازدادت بشكل لافت في العاصمة دمشق بعد فرض الحجر الصحي خلال العام الفائت.

وكان للعنف أشكال عدة، فتعرضت بعض النساء للاستغلال، بينما تعرضت أخريات لعنف جسدي وجنسي.

وغالباً ما كان يتم التبرير اجتماعياً لممارسات المعنّفين بسبب “الضغط النفسي الذي يتعرضون له نتيجة توقفهم عن العمل وتراجع حالتهم المادية.”

وتشير تقارير حقوقية وأممية إلى أن النساء اللواتي يتمكنَّ من الهروب من العنف، غالباً ما يجدن طريقهن إلى العدالة مسدوداً بسبب إلقاء اللوم على الضحايا.

في حين تأقلمت بعض النساء في العاصمة السورية مع هذا العنف “في محاولة لتجاوزه كحالة مؤقتة باعتبار أن الوضع العام يتّسم بالصعوبة وعدم الاستقرار.” بحسب بعض الشهادات.

وكشفت الإجراءات المرافقة للجائحة في سوريا عن عمق التمييز على أساس النوع الاجتماعي والذي كانت نسبته وبعض أشكاله غير واضحة بسبب انهماك طرفي العلاقة في العمل لساعات طويلة خارج المنزل.

وانتهت بعض العلاقات في هذه الفترة بسبب زيادة الضغط على النساء والعنف المرافق لذلك.

وحدث ذلك بشكل متفاوت في معظم دول العالم، فبحسب تقرير صدر عن هيئة الأمم المتحدة خلال العام الفائت فإنه: “من الممكن أن تذهب جهودها التي كانت تهدف للمساواة بين الجنسين دون أي نتيجة فالنساء أصبحن يقمن بضعف الأعمال المنزلية التي كنَّ يقمن بها قبل الحجر.”

وحذر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، مطلع نيسان/ أبريل الفائت، من تصاعد عالمي “مرعب” للعنف المنزلي وسط تفشي وباء كورونا.

وقال “غوتيريش “إن المنزل الذي يفترض فيه أن يكون واحة الأمان للنساء والفتيات، هو أكثر مكان يلوح فيه خطر العنف ضدهن.”

إعداد: شذى سعيد – تحرير: حكيم أحمد