أطفال في بلدة بريف قامشلي يتعرضون لعنف منزلي بسب مفاهيم سائدة
ريف قامشلي – نورث برس
ما يزال بعض سكان أرياف الجزيرة، شمال شرقي سوريا، يعرّضون أطفالهم لأساليب عنيفة تشكل مخاطر على مستقبلهم، بينما يعيد مختصون السبب لمفاهيم مغلوطة سائدة بخصوص تربية الأطفال والناشئين.
“مزاج عصبي”
وبالكاد يستطيع ياسر العلي (١٤عاماً)، وهو اسم مستعار لطفل من سكان بلدة جل آغا (الجوادية) بريف قامشلي، فتح عينيه بسبب الكدمات وآثار الضرب على وجهه.
وقال لنورث برس: “أبي رجل عصبي المزاج، وعند أيّ خلاف مع أمي يبدأ بضربنا جميعاً.”
وترك “العلي” المدرسة ليعمل في سوق البلدة رغم صغر سنه، ويقوم نهاية كل شهر بتسليم ما تقاضاه من أجر لوالده الذي لا يتردد في ضربه مجدداً إن كان المبلغ ناقصاً لسبب ما، على حد قوله.
كما تعرض مراراً “لضرب بالعصا وباليد وحُبس في غرفة”، بحسب كلام والدته.
ويخجل الطفل من الظهور أمام رفاقه بهذه الهيئة، “بعضهم يواسيني لكن البعض الآخر يسخرون مني، ما يثير غضبي.”
ورفضت الأم، البالغة من العمر 35 عاماً نشر، أي تفاصيل أخرى شخصية عن الأب أو العائلة تجنباً “للحرج الاجتماعي.”
وقالت إن أطفالها الأربعة تأثروا بالمعاملة السيئة التي تلقاها معهم من زوجها.
وأضافت: “وصلت مع زوجي لطريق مسدود، وأجد الطلاق حلاً للحفاظ على سلامة أطفالي النفسية، فما يلاقونه صعب على صغار بعمرهم.”
ويرى البعض أن فترات الإغلاق بسبب كورونا وتدهور الظروف المعيشية مؤخراً كانا سبباً في ازدياد حوادث العنف المنزلي.
ومطلع أيار/مايو من العام الماضي، حث مجلس المرأة السورية، الذي ينشط في مناطق شمال شرقي سوريا، الإدارة الذاتية على تشكيل خلية أزمة لمواجهة ما أسماه بـ”وباء الظل” أسوة بخلية الأزمة التي شكلت لمواجهة كورونا.
ودعا المجلس إلى التعاون والتنسيق مع مختلف المنظمات والمنصات المدنية العاملة في مجال حقوق الإنسان للمطالبة “بتنفيذ العقوبات وملاحقة مرتكبي جرائم العنف المنزلي.”
“آثار مستقبلية”
لكن صباح عبد الرحمن، وهو أخصائي نفسي ومدير مركز هيفي للاستشارات النفسية في بلدة كركي لكي (معبدة) القريبة، يرى أن الطلاق هروب من المشكلة وليس حلاً.
وقال: “غياب الرقابة المشتركة للوالدين تتسبب بانحراف الطفل”، في إشارة إلى مشكلات أخرى يتعرض لها الأطفال في حالات طلاق والديهم.
وأشار الأخصائي إلى آثار سلبية للسلوك العنيف بين الوالدين وفي المنزل على شخصية الطفل، “حتى لو كان العنف نفسياً فحسب وموجهاً للأم.”
ورأى أن لجوء بعض الآباء والأمهات في البيئة المحلية إلى تفريغ مزاجهم العصبي وطاقاتهم السلبية عبر ضرب أطفالهم سيخلف آثاراً في المستقبل.
ويرفض “عبد الرحمن” إرشاد الأطفال إلى الصواب وتجنيبهم الخطأ عن طريق العصا والضرب، “هذا ليس أسلوباً، فمجرد التهديد يكفي لأن يكون الطفل عدوانياً.”
وقال أيضاً إن أعراض الانطوائية والتبول اللاإرادي والتلعثم في الكلام والأحلام المزعجة تبقى لدى العديد من الأطفال المعنّفين، أو الذين يتعرضون لبيئات مليئة بالمشكلات العائلية وصراخ الوالدين.
ويتأثر نصف أطفال العالم أو ما يقارب مليار طفل سنوياً للعنف النفسي والجسدي والجنسي، بحسب التقرير العالمي لحقوق الطفل للعام 2020 الصادر عن منظمة اليونسيف.
وورد في التقرير أن “أبناء هذا الجيل يعانون من الإصابات والإعاقات والوفاة لأن الدول فشلت في اتباع استراتيجياتها الموضوعة أصلا لحمايتهم.”
“جذور مجتمعية”
وتشدد الجهات التربوية في الإدارة الذاتية على منع العنف في المدارس، لتجنيب التلاميذ آثاراً سلبية قد لا تتوقف عند تعرضه للتنمر أو تأخره الدراسي.
وقال هاني المحمد، وهو الرئيس المشارك للجنة المدارس في جل آغا، إن القانون الداخلي لمدارس الإدارة الذاتية يمنع الضرب بالمطلق “لأي سبب.”
لكنه أضاف: “نحن لا نستطيع مراقبة الجميع في صفوفهم، لكن في حال ورود أي شكوى تتم متابعة الموضوع والتحقق منه في حال ظهرت أي دلائل يتم اتخاذ الإجراء القانوني اللازم بحق المعلم.”
وقد تصل العقوبة إلى الفصل الوظيفي وتوقيف المعلم عن العمل، بحسب “المحمد”.
وأشار الرئيس المشارك للجنة المدارس إلى مخاطر قيام بعض أولياء الأمور بالتعامل بعنف مع أطفالهم في حال كان تحصيلهم أدنى من طموحات والديهم.
ولفت إلى جذور مجتمعية لمسألة استخدام العنف في التربية، إذ شاعت مقولة “اللحم لكم والعظم لنا” على لسان أولياء أمور كانوا يراجعون المدارس ويعطون معلمي أبنائهم الإذن باستخدام الضرب.
وقال أيضاً:” لدينا طلاب نازحون رأوا من العنف والفقد والحرمان ما أوصلهم لأعلى عتبات الألم، لا بد للمعلمين من أخذ هذه الأمور بالحسبان.”