في كل منصات السلام على اختلافها نسمع الخطاب القائل أن العالم لا يمكنه أن يواجه أزماته وكوارثه دون أن تتحد الدول وتتعاون فيما بينها، فمن هم عقلاء هذا العالم وحكماؤه؟
طبعاً لا أحد يملك الحقيقة ومونوبول السلام أو الحكمة ولا تفكر الشعوب وفق التوجه ذاته، لكن هناك منظمة مؤثرة لها دور كبير في قرارات الأمم المتحدة وكان قد أسسها الراحل نلسون مانديلا في العام 2007، وضمت حينها 11 رجلاً وامرأة يعتبرون في عصرنا من كبار رجال ونساء الدول، من بينهم على سبيل المثال وزير الخارجية الجزائري السابق والمبعوث الأممي إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي, وكذلك كوفي أنان, والباحث العلمي محمد يونس وجيمي كارتر وغيرهم.
الفكرة أتت من إجماع رجال أعمال وفنانين مشهورين على ضرورة وجود مفكرين دبلوماسيين وحكماء للسلام, أرادوا ترسيم مهمة دبلوماسية للسلام بين الدول في هذا العالم وسلمت المهمة لمجلس مغلق من حكماء وعقلاء معترف بهم عالمياً.
وترأس وأسس منظمة الشيوخ هذه الراحل نلسون مانديلا، وكان يومها أكثر رمزية للسلام، واليوم يبقى السؤال أين هي هذه المنظمة من الجهود والمساعي لحل النزاعات في الشرق الأوسط؟
وظهر المبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي في الواجهة في بداية الثورة السورية أو الصراع على سوريا بين الدول والقوى العظمى.
انتقده السوريون في الداخل يومها، لأنه لم يكن واضحاً بموقفه مع الثورة، وكان الجميع يظن عملية إدارة التغيير في سوريا أمراً بسيطاً وممكناً على غرار ما تم في تونس حين تنحى بن علي بسلاسة دون دماء تاركاً القرار للشعب التونسي ليحسم أمره.
وواجه حينها الأخضر الإبراهيمي موجة كبيرة من اللوم والانتقاد والصعوبات وبالنهاية أعلن في أيار/مايو 2014 استقالته من منصبه كمبعوث الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية إلى سوريا، والذي تولاه عام 2012 خلفاً للأمين العام السابق للمنظمة الدولية كوفي عنان.
وقيل حينها أن المبعوثان أخفقا في إيجاد حل سلمي للنزاع الدائر منذ ثلاث سنوات في سوريا والذي أدى إلى مقتل نحو 150 ألف شخص، بحسب بعض التقديرات.
وأثنى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون على الإبراهيمي، لكنه اعترف بأن المنظمة الدولية “لم تتمكن من تحقيق أي تقدم” فيما يخص الأزمة السورية”، فهل كانت الحكمة تقتضي الانسحاب كي لا تتلوث أيادي الحكماء بدماء الشعب السوري؟
واليوم يقر الجميع أن الأزمة السورية في طريق مسدود، فلا أفق لحل قريب بتوازن القوى ولا يسمح بانتصار أحد على أحد, وهذا لأن المنطق السياسي الذي يحكم القوى العظمى لا يمكنه وضع معايير
لحماية الإنسان بمحور القرار الدولي.
وهنا لا بد أن نشير إلى ضرورة توضيح خلفيات الموقف، فالأمور ليست سوداء أو بيضاء والموقف الدولي، المتصارع على نفوذ، يقف سلبياً أمام معاناة الإنسان ليس لأنه لاإنساني بالمطلق بل لأن التحديات كبيرة في سوريا مثلاً.
ولكن في هذه المرحلة الكارثية التي أججتها جائحة الكوفيد لربما هناك ضرورة لعودة وسطاء سلام من جديد لإخراج الشعب السوري من كارثته التي يواجهها وحيداً وسط نزاعات الدول.
ومنذ أيام، صرح المبعوث السابق لسوريا الأخضر الإبراهيمي، لجريدة لوموند الفرنسية، برأيه تجاه مستجدات الانتخابات الأميركية والقادم، إذ يرى أن ترامب زاد من استفراد الولايات المتحدة بالقرار الدولي، أي أنه زاد من حدة أزمة التعددية التي يعاني منها العالم منذ سقوط جدار برلين، وأججت قرارات ترامب من أزمات الفقر والظلم، لكن الإبراهيمي لا يتمنى عودة العالم لعهد أوباما أو مرحلة ما قبل ترامب معتبراً أن التاريخ لا يمشي للوراء ولا يبدو متفائلاً قط بحل قريب، بل أكد على فشل الأمم المتحدة بحل أي من النزاعات التي تجري في ليبيا سوري.
ما يمكننا استنتاجه هو أن منظمة الحكماء أو الشيوخ هذه حتماً لا تشرح للجمهور بوضوح خلفيات مواقفها من بعض النزاعات في العالم، وخصوصاً أنها وإن كانت تسعى لإحلال السلام عبر المساعي الحميدة لفض النزاعات إلا أننا كثيراً ما لا نفهم وقوفها بحياد من مسألة أساسية كالديمقراطية وحق الشعوب في تقرير مسارها.