الإساءة للمهنة.. جدل بين محامين بدمشق حول عمل بعضهم في تعقيب المعاملات

دمشق – نورث برس

يواجه محامون في العاصمة دمشق، هذه الأيام، اتهامات بترك ميدان القضاء والقضايا الحقوقية والإساءة للمهنة، وذلك بسبب عملهم بتعقيب معاملات واستخراج وثائق رسمية.

وتنقسم آراء المحامين فيما بينهم، فمنهم من يصف الأمر بخروج عن أخلاقيات المهنة، بينما يبرر آخرون الأمر بسوء الظروف المعيشية التي طالت المحامين كغيرهم، إلى جانب الفساد الموجود داخل السلك القضائي.

“القبض بالدولار”

ويتنقل سامي الأحمد (55 عاماً)، وهو محام من سكان حي القصور بدمشق،  بين محادثاته على تطبيقي الواتس آب والماسنجر على هاتفه المحمول للرد على طلبات معارفه من المقيمين خارج البلاد.

 وتتركز معظم طلبات اللاجئين في الخارج حول ثبوتيات رسمية يحتاجونها “للمّ الشمل” ووثائق أخرى صادرة عن القصر العدلي كعقود وصكوك الزواج وأخرى صادرة عن دائرة الأحوال المدنية كإخراج القيد والبيان العائلي.

كما تشمل تلك الثبوتيات شهادات دراسية لمراحل التعليم الأساسي والثانوي وكشوف العلامات ومصدقات التخرج بالنسبة لمراحل التعليم الجامعي.

ويحصل “الأحمد” وغيره ممن يعملون في استخراج هذه الوثائق على أجورهم بعملات أجنبية، وهو ما يجعل المبلغ “كبيراً” بالنسبة لأتعابهم في قضايا قضائية لسوريين داخل البلاد.

وتبلغ أتعاب استصدار عقد زواج وتثبيته وتنفيذه في النفوس حوالي 800 دولار أميركي، “ما يعادل أجور 12 قضية في القضاء وفي وقت قياسي دون الحاجة للانتظار أشهر.”

وقال المحامي، لنورث برس، إنه لم يستلم منذ أعوام سوى بضعة قضايا في القضاء، “لأن المعاملات والقضايا تمر بمراحل روتينية مملة ودخلها قليل على عكس مهنة التعقيب التي تنتهي معاملاتها بزمن قياسي وتدر دخلاً مشجعاً.”

وأضاف: “لا تتجاوز مستحقات المحامي في قضية تستغرق ثلاثة أشهر 200 ألف ليرة، لكن عندما نستخرج وثيقتين من النفوس بيوم واحد لأحد المقيمين في الخارج نطلب مئة دولار.”

 سلوكيات غير مهنية

لكن غدير العيسى (43 عاماً)، وهو اسم مستعار لمحامٍ يقيم في الساروجة وسط دمشق، انتقد تحول المحامي إلى مجرّد معقب للمعاملات.

واعتبر ذلك “إساءة لمهنة المحاماة التي هي مهنة تحصيل حقوق الناس وليس نهبهم”، على حد تعبيره.

وتحظر المادة الحادية عشر من قانون تنظيم مهنة المحاماة في سوريا على المحامي ممارسة “الأعمال التي لا تتفق مع كرامة المهنة وشرفها.”

واتهم “العيسى” محامين يعملون في تعقيب المعاملات بانتهاج سلوكيات “لضعاف النفوس، بعيداً عن القضاء الذي هو ساحتهم.”

وقال:” لكل واحد منهم علاقات مع شبكة كبيرة من الموظفين الحكوميين في التربية والمواصلات والنفوس والهجرة والجوازات حتى يتمكن من تأمين ما يُطلب منه من وثائق.”

واضاف: ” فمثلاً يقوم المحامي بالتواصل مع موظف المواصلات المتعامل معه عبر الهاتف أو الإنترنت ويرسل له بيانات الشخص فيستخرج الوثيقة ويجلبها للمكتب ويقبض المعلوم.”

وأشار إلى أن جميع الخدمات التي يشتغلون بها تكون من دون وكالة رسمية، “وإن تطلب الأمر يقوم بالتواصل مع مندوبي النقابات لعمل وكالة حتى دون وجود الموكل صاحب العلاقة.”

وقد يلجأ كثير ممن يحتاجون إلى تلك الثبوتيات إلى أقارب لهم عن طريق وكالات قانونية بدل المحامين، إلا أن انتشار المحسوبيات يعيق تسييرها، ويزيد الفساد من تكاليفها، بحسب لاجئ سوري يعمل على استخراج وثائق عائلية.

ظروف مزرية

ومن جانبهم، يحمل محامون عاملون في تعقيب المعاملات في جعبتهم الكثير من المبررات حول لجوئهم لهذا العمل وتهميش الأعمال الخاصة بسلك القضاء.

وعزا فتحي الخليل (64 عاماً)، وهو اسم مستعار لمحام يقيم في حي الصناعة بدمشق، إن  عوامل مختلفة، أبرزها الفساد، دفعت عدداً من المحامين للابتعاد نسبياً عن  العمل في سلك القضاء.

وأضاف لنورث برس: “القضاة هذه الأيام لديهم دائرة من المحامين المحيطين بهم يتوكلون بالقضايا الصعبة ويتقاضون مبالغ بالملايين وعشرات الملايين مقابل إصدار أحكام لصالح موكليهم، في يتم إهمال قضايا محامين من خارج هذه الدائرة.”

وأشار إلى أن الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة للناس وللمحامي تدفعه لإهمال القضايا التي ستستغرق منه جهداً ووقتاً دون مردود يستحق كل ذلك.

واستشهد “الخليل” بموقف مرّ به مؤخراً، إذ راجعته امرأة تريد توكيله لتقديم شكوى على شقيقها الذي استدان منها مبلغ 50 ألف ليرة سورية ولم يرده لها، “فأي أتعاب سيقبض المحامي من هكذا قضية؟ وهل ستكفي ثمن وجبة طعام ؟”

إعداد: وحيد العطار – تحرير: حكيم أحمد