هل سينهي بايدن ما شرع به أوباما؟

على مدار أربع سنوات، توج تيار شعبوي عريض في الولايات المتحدة الأميركية انتصاره على ما يسمى بـ establishment politics، وهو مصطلح استخدمه ترامب في حملته الانتخابية  وخلال ثورته على النخبة السياسية التي تدير الولايات المتحدة.

ووراء هذا النصر، كان هناك حتماً غضب شعبي بدأ منذ ولاية أوباما لأسباب اقتصادية، لكنه انتصر

 بانتخاب ترامب عام 2016 ليتمكن من حكم الولايات المتحدة لأربعة أعوام متتالية.

و في الحقيقة، لا تعكس نتيجة الانتخابات في الدول الديمقراطية أحياناً فكر الشعب العميق بقدر ما تعكس سخطاً عبثياً لا غير، خصوصاً حينما لا يكون أمام الناخبين خيارات كثيرة.

 ويبدو أن أوباما والنخبة الفكرية التي يمثلها خيبوا آمال شريحة مهمة من ناخبيهم الذين عاقبوا الطبقة السياسية بأكملها، عن طريق انتخابهم لمرشح فريد من نوعه لا يخجل من التصريح بعنصريته وازدرائه للآخر وللمرأة.

لكن قدومه كما رحيله، يُعتبر حقاً ديمقراطياً تكرسه دولة مؤسسات كالولايات المتحدة، بل إن قدومه بحد ذاته يقفل كل الأبواب في وجه المشككين بنزاهة الانتخابات والشفافية.

وولدت الديمقراطية فكرياً في عصر الأنوار الفلسفي في فرنسا في القرن الثامن عشر, وترسخت في الولايات المتحدة عبر الشفافية الإعلامية والاقتصادية التي انتهجتها الحكومة هناك منذ عشرينيات القرن الماضي, إنها بالتحديد هذه الديمقراطية المبنية على الشفافية التي تبني ثقة الشعب بالمؤسسات الحكومية.

 وهذا النهج الفكري هو من فرز النخبة التي تقود وتفكر في الولايات المتحدة وعلاقاتها مع العالم بطريقة فلسفية اجتماعية متميزة.

ورغم أن الصراع الديمقراطي على الرئاسة الأميركية هو شأن داخلي بين تيارين سياسيين يتصارعان فيما بينهما بشراسة منذ الحرب العالمية ألأولى، إلا أن هناك صراعاً فكرياً آخر عنيفاً يخص العالم ويدور حول قضية انعزال الولايات المتحدة عن العالم من عدمها، أي تدخلها أو عدم تدخلها بشؤون هذا العالم.

ويتكنى التيار الأول بفكر الأجداد المؤسسين الذي يرى أن لا ضرورة للتحالف مع أوروبا مثلاً أو التدخل بالحروب في أي مكان، ولقد رفض هذا التيار في الماضي دخول الولايات المتحدة في الحرب العالمية الأولى.

بينما يرى التيار الثاني أن الانفتاح على العالم والتدخل بشؤونه عسكرياً هو ضرورة للمصلحة العليا، وقد تكرس هذا التفكير منذ حادثة “بيرل هاربور” ودخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية وتأسيس حلف الناتو.

وكان أوباما، الذي ينتمي لتيار التدخل، يرى ضرورة للتدخل العسكري خارجياً وعدم الاكتفاء بالتدخل الاقتصادي، على عكس ترامب الذي رفع شعار “أميركا أولاً”، وكان لا يرى أي ضرورة للتدخل في سوريا مثلاً أو ليبيا، موضحاً أنه لا يريد لبلاده أن تكون “شرطي هذا العالم.”

وفي عهد أوباما، تم تشجيع الشعوب في دول مثل ليبيا وتونس ومصر وسوريا واليمن كي تثور على الديكتاتوريات الحاكمة, وسمي هذا بمشروع إدارة التغيير في هذه المناطق من العالم، لكن أوباما نفسه لم يتمكن من إقناع شعبه وممثليه في الكونغرس بمشروعه للنهاية، فأنهى ولايته تاركاً العالم يحترق.

و شعر السوريون والليبيون واليمنيون وغيرهم بالخذلان لأنهم تُركوا لمصيرهم في مواجهة الفقر والتشرد والعنف وانعدام الأمن, هذا غير تمزق دولهم.

لقد كان هذا قرار الشعب الأميركي الذي يتمتع بحرية كبيرة لا يملكها غيره، ولربما لا يعي هذا الشعب كم تؤثر قراراته الداخلية على مصير ملايين البشر.

حتماً نحتاج لتوعية الشعب الأميركي بحاجة الشعوب في بعض الأمكنة من هذا العالم لقليل من الحقوق، أما عن موقف أوباما التاريخي من التغيير في إيران فللحديث تتمة.

انتصر بايدن واستعاد تيارُ التدخل والانفتاح على العالم ثقة الشعب الأميركي به، وحالياً تنتظر شعوب كثيرة القادم، هل سينهي بايدن ما شرع به أوباما؟ و كيف سيطفئ الحرائق المندلعة في الشرق الأوسط؟

العالم ينتظر عودة الولايات المتحدة إلى الساحة بعد إهمال طويل، هكذا كان وعد الرئيس القادم بايدن.