باحث في الشأن التركي: تحول اللاجئون السوريون بتركيا من ضيوف إلى شبه أعداء

القاهرة- محمد أبوزيد- NPA
ملف اللاجئين السوريين في تركيا هو ملف شديد التعقيد، يظل رهن العديد من التجاذبات السياسية على الساحتين الداخلية والخارجية في تركيا.. ومؤخراً ظهرت بوادر ضغوطات أكبر على السوريين في تركيا عامة، وفي اسطنبول بشكل خاص، بعد سلسلة التطورات التي شهدتها تركيا داخلياً في الآونة الأخيرة وبعد نتائج الانتخابات البلدية.. ولا يمكن قراءة تلك التطورات بمعزلٍ عن السياسة الخارجية التي تتبعها تركيا، التي وضعت نفسها في مواجهة مع كل من الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوربي.
المشهد الآن يتلخص في مزيدٍ من الضغط على السوريين، بإجراءات رسميّة جديدة تحد من حركة اللاجئين في تركيا، وتُهدد بعضهم بالترحيل، فضلاً عن سياسة تشجيع العودة إلى سوريا التي أعلن عنها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان, يصاحب ذلك المشهد تجاذبات سياسية ومجتمعية شديدة بشأن وجود اللاجئين السوريين، بخاصة تلك التجاذبات القائمة بين حزب العدالة والتنمية الحاكم وأحزاب المعارضة, ذلك في الوقت الذي تدخل فيه أنقرة في سجالات مع أوروبا, التي أعلنت مؤخراً عن فرض عقوبات على تركيا, بعد أنشطة تركية للتنقيب عن الغاز شرق المتوسط، إضافة إلى مواجهات مع الولايات المتحدة، على وقع بدء تسلم أنقرة منظومة إس 400 الروسية الدفاعية، وشروع واشنطن في فرض عقوبات عليها.
طرفا الخيط
وفي تفكيك ذلك المشهد، يُمكن الحديث عن طرفي الخيط؛ الطرف الأول يندرج تحت عنوان عريض (التجاذبات السياسية الداخلية في تركيا وأثرها على وضع اللاجئين السوريين)، أما الطرف الثاني فيأتي تحت عنوان آخر هو (الاستخدام التركي لكارت اللاجئين السوريين في مواجهة ضغوطات أميركية وأوربية)، وفي التفاصيل تطرح العديد من علامات الاستفهام نفسها حول مستقبل اللاجئين السوريين في تركيا، والذين باتوا غير آمنين على وضعهم الحالي أكثر من أي وقت مضى.
وبدءاً بطرف الخيط الأول، المرتبط بالتجاذبات السياسية والمجتمعية الداخلية، فإن فئة ليست بالقليلة داخل المجتمع التركي تعتقد بأن السوريين هم سبب الوضع الاقتصادي الحالي في تركيا، وارتفاع نسب البطالة، ويُشكلون تهديداً ليس فقط للاقتصاد بل للأمن القومي التركي، وهو ما يتماشى مع وجهة نظر المعارضة التركيّة كذلك، والتي تتهم الحكومة بتجنيس عدد كبير من السوريين من أجل استخدامهم ككروت في أي استحقاقات انتخابية قادمة من شأنها ترجيح كفة حزب العدالة والتنمية، لكنّ في الوقت ذاته لا يمنع ذلك الحكومة من محاولة "استثمار ملف اللاجئين السوريين" بقصد ابتزاز الغرب لرفع الضغوطات عن أنقرة بعد صفقة إس 400 وأنشطة التنقيب عن الغاز شرق المتوسط.
يقول الباحث بالشأن التركي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية كرم سعيد، إن "تركيا تشهد حالياً جملة من الاضطرابات الداخلية في خطٍ متوازٍ مع سياسية خارجية غير متزنة، ويُمكن الإشارة هنا إلى ارتفاع معدلات التضخم في تركيا وفقدان الليرة أكثر من 30% من قيمتها أمام الدولار، إضافة للمشكلات السياسية الداخلية وتراجع حزب العدالة والتنمية بداية من الاستفتاء على التعديلات الدستورية وحتى انتخابات الإعادة في بلدية اسطنبول مروراً بالانتخابات الرئاسية، وأيضاً استقالات قيادات تاريخية مؤسسة للحزب آخرهم علي باباجان".
عوامل داخلية
كل تلك العوامل الداخلية تؤثر على اللاجئين السوريين، على اعتبار أن قطاعاً كبيراً من الأتراك يحملونهم مسؤولية إشكاليات داخلية ناتجة عن تدني الوضع الاقتصادي، ومن ثمّ تحول اللاجئون السوريون من ضيوف مرحب بهم إلى "شبه أعداء"، وفي ضوء تلك السياسة فإن التصريحات والقرارات التركية الأخيرة تمثل رسالة واضحة من السلطات التركيّة, وحتى من أحزاب المعارضة, بأنهم "لم يعد مرحباً بكم في تركيا"، وفق سعيد.
يؤكد ذلك ما أعلنه الرئيس التركي مؤخراً أمام حزبه عن استراتيجية جديدة للتعامل مع ملف اللاجئين، تنطلق من سياسية التشجيع على العودة إلى المناطق الآمنة، فضلاً عن ترحيل الذين ارتكبوا جرائم، إضافة إلى فرض ضرائب على المشافي بالنسبة للسوريين، وهي قرارات تأتي في الوقت الذي تنحاز فيه الأحزاب المعارضة ضد السوريين أيضاً، وقد كان "كارت" اللاجئين السوريين أحد الكروت التي لعبت بها في معركتها الانتخابية الأخيرة، عندما استغلت الوضع الاقتصادي لتحميل السوريين المسؤولية في محاولة لإثبات فشل سياسات الحكومة التركية التي على ما يبدو انتبهت أنها أمام معضلة داخلية واضحة المعالم، فبدأت تُعيد النظر في الموقف من اللاجئين، وتسعى لضبط الإقامة وتشديد الإجراءات، وحتى محاولات استثمار وجود من يتبقى منهم.
ويضاف إلى تلك القرارات الرسمية التي تستهدف الوجود السوري في تركيا، ما يُجرى في اسطنبول من فرض ترخيص العمل على السوريين واشتراط أن تكون الإقامة على اسطنبول وليس مكان آخر، والحصول على المستندات والثبوتيات الرسمية كافة، وهو أمر غير متوافر بالنسبة للكثيرين.
أحدث الأرقام الرسمية الصادرة عن الداخلية التركية تؤكد أن عدد السوريين في تركيا في تناقص منذ بداية العام الجاري 2019، وذلك بعد أن بلغ عددهم الآن 3.605 مليون تقريباً، بينما كانوا في العام 2018 حوالي 3.561 مليون لاجئ، وذلك بعد عودة نحو 42 ألف لاجئ إلى سوريا وترك تركيا.
ابتزاز الغرب
أما طرف الخيط الثاني، المرتبط بحرص السلطات التركية على استثمار ملف اللاجئين السوريين، فهو بالأساس مُحدد برسائل تريد أن تبعث بها تركيا إلى كل من الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوربي، فتركيا –كما يقول الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور بشير عبد الفتاح- تريد أن تقول للغرب والولايات المتحدة "عليكم أن تتوقفوا عن محاولة تقليم أظافرنا، والتوقف عن فرض العقوبات.. فنحن قادرين على إغراق أوروبا باللاجئين".
ويشدد الخبير في الشأن التركي، على أن الأتراك وجدوا أنهم مهددون من قبل الاتحاد الأوربي الذي بدأ في فرض عقوبات عليهم بسبب أنشطة التنقيب عن الغاز شرق المتوسط، فضلاً عن الموقف الأميركي بعد صفقة إس 400 التي أبرمتها تركيا مع روسيا وبدأت تسلم المنظومة، وعليه فإن تركيا تلوح بملف اللاجئين لمحاولة فك تلك الضغوطات المفروضة عليها والتخلص منها، فضلاً عن محاولة الحصول على أموال إضافية من الاتحاد الأوربي بعد الاتفاق الذي أبرز في العام 2016 بخصوص عودة اللاجئين إلى تركيا.
وأمام تلك الابتزازات التركية للغرب، وفي ضوء غموض الموقف الأوربي وما إن كان سيرضخ للتخوفات التركيّة خشية أن يغرق باللاجئين حال فتحت أنقرة الحدود، وأمام المناوشات الأميركية التركية، وعدم اتضاح الصورة كاملة، يظل وضع السوريين في تركيا محفوفاً بالمخاطر أكثر من أي وقت مضى، ينتظرون قرارات جديدة في أي وقت قد تؤثر تأثيراً جذرياً على حياتهم اليومية بشكل عام.