بوضوح لا لبس فيه عبّر جون بولتن (مستشار الأمن القومي الأميركي السابق) عن قناعته بأن حقد أردوغان على الكرد لا علاقة له بمسألة حزب العمال الكردستاني PKK كما يتذرع مراراً وتكراراً، إنما جذر هذا الحقد يكمن في أن أردوغان يعتقد بأن الكردي الميّت هو فقط الكردي الجيد.
المجازفة بإبداء حسن النيّة اتجاه سياسات أردوغان السورية، والكردية خاصة منها، تنطوي على ازدراء وإهانة بحق الحس الإنساني، ناهيكم بالقومي. تمثل استخفافاً بالقوى العقلية لدى الإنساني السوي بعد كل هذه التجارب القاسية والمحن، التي عاناها شعبنا في عفرين ورأس العين وعموم الشمال. ومع ذلك ما تزال هنالك كائنات (عاقلة) محسوبة كرداً، تعشش في مستنقع (المعارضة) تقسم بأغلظ الإيمان (القوماني) أن أردوغان لا يستهدف الكرد، إنما الإرهاب، الذي يمثله PKK، كما يزعمون، ولولا وجودPKK لما أقدمت تركيا على دعم الجماعات الجهادية والتكفيرية وتحريضها على غزو مدن ومناطق غرب كردستان، ولما عمدت إلى تهجير السكان واقتلاعهم من جذورهم… الخ.
تلك المغالطة التي يتمّ الترويج لها من قبل عدد من منتحلي السياسة الكردية كي يبرروا بها تورطهم غير المبرر وانسياقهم مع الأجندة السياسية التركية لأردوغان والمعارضة الفاشية المتطرفة. وهؤلاء فشلوا حتى الآن في تسجيل أي نجاح سياسي لمصلحة القضية القومية ولم يتمكنوا من انتزاع أيّ اعتراف من حلفائهم بشرعية حقوق الشعب الكردي في سوريا ومطالبه.
مثل هذه المغالطة تستند إلى مصادرة (حسن النيّة) ونقاء السريرة لدى أردوغان اتجاه الكرد، وتضمر سوء النية اتجاه مقاصد وأهداف الطرف الكردي (الشرير)، الذي لولا نواياه السيئة وأهدافه الإرهابية الخبيثة لما جنح (الطيب) أردوغان في ارتكاب معصية قتل الكرد، خطفهم، سبي نسائهم تهجيرهم، تشريدهم، نهب بيوتهم والسطو عليها، حرق قراهم وبساتينهم…. الخ.
من البديهي أن نواجه أنفسنا حالاً، مع هؤلاء، بالسؤال التالي: لمَ لم يحسن ( الطيب) أردوغان الظن بهم، ولم يسلمهم أو يخولهم إدارة عفرين أو رأس العين بعد أن سطا عليهما جيشه وتخلص من (الكرد الأشرار) على العكس من ذلك، تركها نهباً لعصابات مرتزقة ومجاميع متطرفة وشذاذ آفاق، حولتها إلى جحيم لا يطاق على السكان الأصليين والمدنيين؟ هل لدى أحد من هؤلاء إجابة مقنعة وعقلانية؟ ربما الموتى الكرد (الضحايا) قادرون على الإجابة بطريقة أفضل منهم.
يكشف بولتن في كتابه، الذي صدر قبل بضعة أشهر تحت عنوان (الغرفة التي شهدت الحدث) عن الذهنية الثأرية التي قوامها الغلّ والحقد الدفين، التي تستحكم سياسات أردوغان وتوجهاته نحو الكرد ونحو كلّ المعارضين له. ويستمر بولتن في الحديث عن الكرد ليقول: يعتقد أردوغان أن أفضل كردي هو الكردي، الذي لم يعد حيّاً ومات.
زعم أردوغان في عام ٢٠١٨ إن تركيا لو لم تتحرك، كما فعلت في عفرين وبقية المناطق، وظلّت كما كانت في العهود السابقة، لتشكّل (الحزام الإرهابي بسوريا) ولتمزّق العراق إرباً وأن تركيا لن تسمح بتشكيل مستنقع إرهابي آخر (آخر: يقصد هنا كردستان العراق).. ولما بقي أيّ أثر من قضاياه الثابتة كفلسطين والبوسنة…الخ. إن القضية السورية هي مسألة حرية ووحدة ترابها، كما يقول، وإن أمن وسلامة العرب والتركمان واستقرارهم تخصّ تركيا، وأن الأخيرة جلبت الأمان لجرابلس وعفرين وستجعل سنجار آمنة كما كان يدعي.
رغم هذا الفجور السياسي الصارخ في تصريحات أردوغان ضد الوجود الكردي عموماً في حينه، كان هنالك ممن خرج على الإعلام التركي (TRT World) مبارزاً أردوغان في تأكيد أقواله، ليشكر الحكومة التركية على دعمها للقضية الكردية في عفرين، ودعمها لحقوق الكرد في سوريا، وتماهى مع تصريحات أردوغان في القول إن وحدات الحماية الكردية تشكل مع داعش أكبر تهديد إرهابي لتركيا والمنطقة. مستغرباً من موقف الولايات المتحدة وجهلها بعدم التمييز بين الكرد السوريين وYPG كما تفعل تركيا!! هكذا دون حياء وفي استخفاف صارخ بكل عقل ومنطق.