أبعاد حديث رئيس الموساد الإسرائيلي عن قرب التسوية السورية

الضفة الغربية ـ NPA
تطرق رئيس جهاز "الموساد" الإسرائيلي يوسي كوهين، إلى الأزمة السورية والتموضع الإيراني، خلال مؤتمر هيرتسيليا، حينما ربطها في حديث أوسع، ألا وهو أن "اليوم هناك فرصة نادرة للتوصل لاتفاق سلام شامل للمنطقة".
ويقصد كوهين بالفرصة النادرة والتي ربما تكون الأخيرة، وفق قوله، هو وجود "عدو مشترك متمثل بإيران" لإسرائيل ودول عربية سنية فاعلة؛ الأمر الذي يعطي مناخا للوصول لاتفاق سلام شامل في المنطقة.
بالطبع، سوريا ليست بمنأى عن حديث كوهين، لا سيما وأنه جاءت تصريحاته بعد ساعات من وقوع ضربة على دمشق وحمص نسبت إلى إسرائيل، فقال إن "إسرائيل تتخذ في السنوات الأربع الأخيرة، سلسلة من الوسائل العلنية والسرية، ضد التموضع الإيراني في سوريا، حيث أن القليل منها قد تم الكشف عنه".
اللافت أن كوهين نطق بجملة بدت غريبة، مفادها "يبدو أن سوريا تقترب من تسوية داخلية بعد سنوات طويلة، ليس لدينا مصلحة بمواجهة سوريا، ولكن لا نستطيع أن نقبل بأن تكون سوريا، ساحة تتموضع بها القوات الإيرانية ضدنا. لن نقبل بأن تكون سوريا قاعدة لوجستية لنقل الأسلحة إلى حزب الله ولبنان".
لعل هذه الجملة عن قرب التسوية السورية، تطرح تساؤلا حول ما إذا كانت تنم عن توافقات (روسية-أمريكية-إسرائيلية) حول ترتيبات الحل النهائي، أم أنها كانت بمثابة استنتاج أمني وعسكري بناء على التطورات الجيو-سياسية والعسكرية على الأرض، خاصة وأن الحكومة السورية حققت تقدما ميدانيا كبيرا في سوريا بدعم روسي، في مقابل تراجع وانحسار المعارضة في مساحة أقل مما كانت عليه.
وربما ما قاله كوهين ينم عن معلومات إسرائيلية تتنبأ بمزيد من "الحسم الميداني" لصالح الحكومة في مناطق أخرى، وبخاصة إدلب.
ولكن، إذا تم ربط التطورات الأخيرة ببعضها في محاولة لفهم المقصد الإسرائيلي من قرب تسوية الأزمة السورية. فالروس هم الذين بادروا إلى الاجتماع الثلاثي الذي انعقد منتصف الأسبوع الماضي بين مستشاري الأمن القومي في كل من الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل.
 الرئيس فلاديمير بوتين هو الذي اقترح على رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو عقد هذا الاجتماع غير المسبوق خلال زيارة نتنياهو إلى موسكو في مطلع نيسان/أبريل للتعبير عن شكره على العثور على جثمان زكريا باوميل وإعادته لدفنه في إسرائيل. 
بالنسبة إلى نتنياهو كانت هذه مناسبة ذهبية لتوثيق العلاقات مع الكرملين، وفي الأساس كي يُظهر عشية الانتخابات قدراته ومؤهلاته كسياسي على الصعيد الدولي.
وبحسب مصادر مطلعة، فقد علمت "نورث برس" أن الروس قالوا للأمريكان والإسرائيليين خلال اللقاء، أنهم لا يريدون مواجهات مع إيران بشكل يضر باستقرار سوريا وبالتالي الشرق الأوسط برمته.
وطلبت موسكو من واشنطن أن تنسق مع تل أبيب بكل خطوة، حتى لو تعلق الأمر بتوثيق التنسيق الحثيث بين الأطراف الثلاثة فيما درء أي مخاطر إيرانية ضد إسرائيل وآخرين طالما ستؤدي إلى عدم الاستقرار، وهو الأمر الذي تتحاشاه الدول الثلاثة المجتمعة في القدس.
مؤشر آخر على اقتناع الرئيس الروسي بضرورة أن تكون تسوية قريبة للأزمة السورية هو أنه رأى في اجتماعه مع رئيس حكومة إسرائيل قبل ما يزيد عن ثلاثة أشهر، أن هناك فرصة مهمة لتسخير نتنياهو وعلاقاته الجيدة مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لمصلحة جهود المبادرة الروسية من أجل تسوية تنهي الحرب الأهلية في سورية وتحقق سيطرة الرئيس السوري بشار الأسد على كامل أراضي بلده. 
غير أنه وفق معلومات "نورث برس"، فإن أمريكيا وإسرائيل حاولتا مقايضة روسيا، مسألة تمكين حكومة بشار الأسد على كامل الأرض السورية، بإخراج إيران نهائيا من الأرض السورية، بالتوافق مع إخراج القوات التركية أيضا.
في المقابل، حاولت روسيا شراء الوقت، عندما قالت إن التسوية المترافقة مع الحسم الميداني ضد المعارضة، سيكون كفيلا بإخراجهما من سوريا لأن مبرر وجودها حينئذ سيكون قد انتهى.
لكن يبدو أن روسيا من خلال هذه الإجابة قد عكست خلافا بوجهة النظر مع أمريكا وإسرائيل، فيما إذا كان الخروج الإيراني كشرط للتسوية، أم أن نجاح التسوية شرط لإخراج إيران، حيث تدرك الدوائر الاستراتيجية في إسرائيل أنه ما يزعج الكرملين هو عدم قدرة روسيا على السيطرة الاستراتيجية في سوريا وتحقيق الأرباح الاقتصادية من إعادة إعمار الدولة المدمرة (حقوق استغلال النفط، والفوسفات وإعادة إعمار البنية التحتية للمياه، والكهرباء والمساكن).
حالياً تجري عمليتان للتسوية في سوريا: الأولى في جنيف برعاية الأمم المتحدة، تشارك فيها دول أوروبية وعربية وآسيوية وطبعاً الولايات المتحدة؛ والأُخرى في أستانا في كازاخستان، التي بادرت إليها روسيا وتقودها وتشارك فيها إيران وسوريا من دون الولايات المتحدة. والعمليتان مجمدتان لأسباب كثيرة متعددة ولا أمل بأن تثمرا نتائج، لذلك بادرت روسيا إلى إطلاق مبادرة ثالثة – تلتف على طاولات المفاوضات – تحاول من خلالها التوصل إلى النتيجة التي ترغبها. 
ومن المفترض أن يحدث ذلك بطريقة زاحفة- التوصل إلى اتفاقات مناطقية جزئية مع كل الأطراف المحلية والخارجية التي تربطها علاقة بالقتال في سوريا، إلى أن يتمكن الأسد من بسط سيطرته على سورية كلها.
وربما اتجاه روسيا إلى طلب عقد اجتماع أمني ثلاثي في القدس، يمثل أيضا طريقة التفافية يسعى "الدب الروسي" إلى أن تكون عاملاً مساعداً لتقريب تسوية الأزمة السورية، كما تأمل موسكو.
بيد أنه بالنسبة لإسرائيل، فلا تستطيع مساعدة الروس على التوصل إلى تسوية في سوريا إلّا بطريقة غير مباشرة، كما يقول مصدر إسرائيلي مطلع لـ"نورث برس".
وتتمثل هذه الطريقة غير المباشرة، من خلال الموافقة الصامتة على بسط الأسد سيادته على جنوب سوريا، ومن خلال الامتناع بقدر الممكن عن شن هجمات على منشآت ومشاريع عسكرية تابعة للحرس الثوري الإيراني.