حرمان المرأة من الإرث في مجتمع الدروز.. عادة "يدعمها القانون" ويبررها المورِّثون
السويداء – NPA
تعاني المرأة في مجتمع السويداء، من تعدي في مسألة الإرث نتيجة العادات والتقاليد التي تحرمها منه.
ويستثني الإرث في مجتمع “طائفة الموحدين الدروز” ـ المنتشرين في السويداء وفي ضواحي العاصمة دمشق ـ ما يعرف بـ”غرفة المقاطيع” التي تترك للمرأة إن عادت لأهلها كأرملة أو مطلقة، أو حتى إن بقيت غير متزوجة.
ورغم أن القانون يدعم هذه العادات، إلا أنها تخالف شريعة الموحدين التي تؤكد على المساواة بين الجنسين، وذلك لأسباب اجتماعية واقتصادية.
غرفة المقاطيع
مها سيدة مطلقة تبلغ من العمر /49/ عاماً ولديها ولدان اثنان، تحفظت على ذكر اسم عائلتها لأسباب اجتماعية، خلال حديثها لـ”نورث برس” موضحة أنها تطلَّقت عقب أكثر من /20/ سنة زواج وعادت لمنزل أهلها.
وأضافت أن إخوتها كانوا تقاسموا ورثة أبيها حين عودتها ولم يتبقَّ من البيت سوى غرفة استخدمت كمستودع كانت هي نفسها “غرفة المقاطيع”.
جرى تنظيف الغرفة من قبل مها وتسكن فيها منذ /5/ سنوات مشيرة إلى أنها عملت في مجال الخياطة لتأمين معيشتها وأعربت عن “الظلم جراء حرمانها من الإرث بذريعة الخوف من ذهاب حصتها لزوجها الذي ينتمي لعائلة أخرى”.
من جانبها، وصفت أم حسين وهي سيدة في الـ/70/ من العمر وأم لثمانية شبان وثلاث فتيات، في حديث مع “نورث برس”، غرفة المقاطيع بـ”غرفة انتظار الموت”. وأشارت أن مجتمع طائفة الموحدين الدروز “لا ينصف المرأة بموضوع الإرث”.
وأشارت إلى أنها لم ترث أي شيء من أبيها لافتة إلى أنه حتى زوجها لم يترك لها ولبناتها سوى “غرفة المقاطيع”، موضحة أن بعض العائلات بدأت بإعطاء الفتاة شيئاً من الإرث رغم أن السائد “أن المرأة لا ترث إلا غرفة المقاطيع”.
بيع ورثة المرأة
أبو مهند شيا، رجل في الأربعين من العمر، دافع خلال حديثه لـ”نورث برس” عن فكرة عدم توريث المرأة بالقول “لا يجوز أن يذهب الرزق للصهر وعائلته، بخاصة أنه لا ضامن أن تحتفظ به المرأة فقد تبيعه إلى الغريب، وينفق الزوج المال ومن ثم قد تعود إلينا، دون أن تكون قد استفادت من إرثها”.
وذكر شيَّا الكثير من القصص في هذا الموضوع لافتاً إلى أن “غالب النساء عقب فترة صغيرة من الزواج تجدهن بعن صيغتهن وصرفنها في منزل الزوج، وعند موت الرجل سيأخذ أهله المنزل أو في حالة طلاقها ستعود لأهلها بحقيبة ثيابها”.
القانون والشريعة
قانون الأحوال الشخصية راعى خصوصية “طائفة الموحدين الدروز”، من خلال المادة /307/ من قانون الأحوال الشخصية /59/ لعام 1953 وتعديلاته، والذي بيَّن أنه “تنفذ الوصية للوارث وغيره بالثلث وبأكثر من الثلث”، ما يعني أن ابن طائفة الموحدين يستطيع أن يحرم من الإرث من يشاء، وأن يوصي بأملاكه لمن يشاء.
فيما أكد خبراء قانونيون أن هذا “شكل مختلف عن القانون المأخوذ من الشرع الإسلامي، إذ لا يستطيع المورِّث أن يوصي بأكثر من ثلث أملاكه، ولا يحق له أن يحرم أحد ورثته، ويكون للذكر مثل حظ الأنثيين، وتكون الوصية ملزمة، وفي حال لم تكن هناك وصية يجري تطبيق القاعدة الشرعية”.
في حين قال أحد رجال الدين من مشايخ طائفة “الموحدين الدروز” إن “مسألة عدم توريث المرأة المطبق اليوم، مستمد من العادات والتقاليد وليس من الدين، لأسباب تتعلق بقدمها”.
وأوضح أن “العائلات كانت تريد الحفاظ على ملكياتها وخاصة من الأراضي الزراعية، بعيدة عن التفتيت، وهي في المجمل ملكيات صغيرة نسبياً بسبب الطبيعة الجبلية، ما يحول دون تنازل العائلة عن جزء منها لعائلة أخرى، وقد يكون ذلك سبباً بتزويج الفتيات من أولاد عمومتهم أيضاً”.
وأضاف رجل الدين في حديثه لـ”نورث برس” أن الشرع في طائفة الموحدين الدروز ينص على “المساواة والعدل بين الذكر والأنثى في مسألة الإرث فيما أعطي المورِّث الحرية في التوريث لكن بالعدل والعقل، وهذا ما يعتبر بمثابة أداة زجر أدبية للورثة، للمحافظة عليهم”.
واعتبر أن الإرث يعود مرده في جانب آخر إلى الخوف من “غدر الرجل بالمرأة وإعادتها لبيت أهلها دونما شيء”.
وأشار إلى أن شريعة الموحدين الدروز تنص على “أخذ المرأة نصف أملاك زوجها إن طلقها هو برغبة منه ودون وجود مبرر شرعي، والعكس صحيح”.
وعبر عن أسفه من أن “ما هو سائد اليوم في القانون والعرف هو مجتزأ من الشرع” مشيراً إلى أن الواقع تغيَّر اليوم وباتت عائلات تورِّث المرأة والرجل على حد سواء مؤكداً ضرورة تماشي القوانين مع تطور المجتمع وتغيّر مستوى الوعي.
ولا يزال القانون اليوم في مجتمع الموحدين الدروز في جنوبي سوريا يفرض أعرافاً وتقاليد رغم اتساع الفجوة بين الأخيرة والمستوى الثقافي ودرجة الوعي الجمعي فيما لا تزال المرأة تطالب بحقوقها على الأقل كما يفرضها الشرع ويحفظ كرامتها.