الأزمات المعيشية تزيد انتشار عمالة الأطفال بدمشق وأصحاب أعمال يصفون الأمر كتعليم مهنة

دمشق- نورث برس

في ظل أزمات معيشية متلاحقة هذا العام وغياب رقابة قانونية فاعلة، يضطر أطفال في العاصمة دمشق للتوجه لأعمال مختلفة وسط تبريرات من أولياء وأصحاب أعمال بحاجة الأطفال لدخل مادي وتعلم مهنة.

يحدث هذا بعد سنوات من الحرب وتداعياتها على الظروف المعيشية للعائلات التي عانت من فقدان مصادر دخلها أو تدني قيمة ما يجنيه المعيل.

وقالت منوة عبد الباقي، وهي باحثة اجتماعية، إن الفئات الأضعف ومن بينهم الأطفال يصبحون غالباً ضحايا زمن الحروب والأزمات.

ورأت أن التهجير والوضع الاقتصادي المتردي من أبرز أسباب دخول الاطفال في سوق العمل .

وكانت منظمة العمل الدولية قد أقرت في العام 2002 الـ 12 من حزيران/يونيو كيوم عالمي لمكافحة عمل الأطفال، لتركيز الاهتمام على مدى انتشار ظاهرة عمل الأطفال في العالم.

وتعاني عائلات الأطفال الذين توجهوا لسوق العمل في العاصمة السورية من أزمات معيشية أبرزها غلاء المواد الغذائية والأساسية وتدني الأجور وسط عجز الحكومة عن وضع حلول لتأمين تلك المستلزمات.

وأدى الانتشار الواسع لعمالة الأطفال في دمشق إلى حرمان هؤلاء من التعليم، بالإضافة إلى تعرضهم للاستغلال من قبل أصحاب الأعمال.

واضطرت سحر (18 عاماً)، وهو اسم مستعار لفتاة تعمل في أحد مقاهي العاصمة دمشق، للعمل بعد “عجز الوالد ووجود أخوة صغار.”

وقالت لنورث برس: “لا أملك الوقت للتقدم لامتحانات الشهادة الثانوية، لكن ما زال المشروع قائماً، سأحصل على شهادة وأسافر.”

وواجهت “سحر”، حسب قولها، خلال عامين من العمل، مشكلات مثل التكليف بأعمال إضافية دون مقابل، واستخدام صغر سنها كحجة لتخفيض راتبها مقارنة بزملائها.

أما سامي (16 عاماً)، وهو اسم مستعار لشاب يقيم في دمشق، فقد بدأ عمله الأول منذ ثلاث سنوات مع شركة لإنتاج الشامبو.

“كان عملي هو جرد طرود البضائع الواردة وتوزيعها على المحال التجارية، وتنزيل البضائع من الشاحنات إلى مستودع الشركة.”

لكنه ذكر تكليفه مرات كثيرة بإعداد القهوة، وهو ما لم يكن ضمن مهام وظيفته.

ويعمل “سامي” لست ساعات يومياً براتب يراه “قليلاً جداً.”

وتقتصر فترة عمله على الإجازة الصيفية ليستغل الوقت في الحصول على ماله الخاص حتى يتسنى له شراء بعض مستلزماته الخاصة.

وتعرض اليافع لمواقف قال إنها احتوت على “شعور بالاستغلال وهضم الحقوق، كما رفع صاحب العمل صوته عليّ.”

ويُظهر بعض أصحاب الأعمال أنفسهم كفاعلي خير لتأمينهم أعمالاً لأطفال في ظل الظروف المعيشية المتدهورة، بينما يراهم آخرون مستغلين ومنتهكين لحقوق الأطفال.

وقال أسعد العامر، وهو اسم مستعار لصاحب إحدى ورشات ميكانيك السيارات في دمشق، إن لديه أربعة عمال اثنان منهم تحت سن الـ18.

وأضاف: “قبلت بعملهما لانهما يريدان مساعدة أسرتيهما مادياً.”

ولا ينكر “العامر”  أنه استفاد من الأجرة المنخفضة للطفلين، ” فلن يقبل الأكبر سناً والأكثر خبرة منهما بالأجر نفسه.”

ويصف رب العمل تشغيل الأطفال بـ”تعلم الشاب لمهنة في سن صغيرة.”

ويكلف الطفلين العاملين لديه بأعمال لا تتطلب خبرة مهنية، “كشراء قطع الغيار من المحلات ورفع السيارات لإصلاحها وتغيير الزيت ومهام أخرى بسيطة، بينما يتعلمان المصلحة بالمراقبة والملاحظات. “

ويداوم الطفلان محمد وعدي في الورشة من السادسة والنصف صباحاً حتى الرابعة والنصف ظهراً، وقد يمتد العمل لساعة إضافية حسب ظروف  العمل، وهو ما يعني أن الطفلين لا يذهبان إلى المدرسة.

يقول صاحب العمل: “تركا المدرسة بعد المرحلة الإلزامية من التعليم ولا تسمح ظروفهما بإكمال تعليمهما لذلك فمن الأفضل أن يتعلما مهنة للمستقبل، هذه رغبتهما بالدرجة الاولى .”

وقالت غزل الحامض، وهي محامية تقيم في مدينة بانياس، إن القانون السوري يشترط عند تشغيل الحدث أن يحضر ولي أمره قيداً مدنياً وشهادة صحية تثبت مقدرته الصحية على القيام بالعمل الموكل إليه.

“ويستثنى من تطبيق هذه الأحكام الأحداث الذين يعملون في الصناعات المنزلية التي لا يعمل بها سوى أفراد الأسرة تحت إشراف الأب أو الأم.”

وجاء في المادة 113 من قانون العمل السوري: “يمنع تشغيل الأحداث من الذكور والإناث قبل إتمام مرحلة التعليم الأساسي أو إتمام  سن الخامسة عشرة.”

وأشارت “الحامض” إلى “الآثار السلبية لعمالة الأطفال والمتجسدة في ظواهر التسرب المدرسي والتعرض للعنف بكل أشكاله وفقدان الرعاية الأسرية. “

وأعادت المحامية انتشار الظاهرة بشكل كبير خلال سنوات الحرب  إلى “انتشار الجهل والفقر.”

وأضافت: “يحزنني أن أشاهد طفلاً يقترب مني ليبيعني العلكة أو الحلويات أو الأزهار وهو يبدو أكبر من سنه الحقيقي بسبب التعب والفقر والجوع.”

إعداد: لميس أبو عاصي – تحرير: حكيم أحمد