لأكثر من عام.. الطفل علي يتذكر توأمه الذي فقده في مجزرة تل رفعت
ريف حلب الشمالي – نورث برس
مر على غيابه اثنا عشر شهراً، ما تزال حقيبته المدرسية معلقة على أحد جدران المنزل، كما دفاتره وأقلامه والجلاء المدرسي، وثيابه وألعابه، يرفض توأمه أن يتغير مكانها أو أن يمسها أحد.
بالقرب من والدته، يجلس علي كيفو (11 عاماً)، وهو طفل مهجر من منطقة عفرين، شمال غربي سوريا، يفتحان سوية حقيبة شقيقه المتوفى، يتصفحان أوراق دفتره ويتمعنان في الأوراق الفارغة التي لم يتمكن صاحبها أن يكملها كتابة ورسوماً.
” سقطت قذائف ومات أخي”
قبل عام، كان التوأم علي وعماد قد خرجا كالمعتاد من المنزل الذي تسكنه العائلة في مدينة تل رفعت بريف حلب الشمالي، متوجهين معاً إلى المدرسة، حاملين سندويشتين ومصروفاً لشراء بعض الأطايب معاً.
قضيا الدوام المدرسي كالعادة توأماً، لكن قذائف تركية حالت دون عودة أحدهما إلى المنزل ذلك اليوم.
فقد عماد حياته، وأصيب علي بجروح اندملت، لكن فراق شقيقه يبكيه حتى الآن: ” خرجنا من المدرسة يومها، عدنا إلى المنزل، أكلنا وخرجنا بعدها للعب مع الأصدقاء أمام منزلنا، سقطت قذائف ومات أخي.”
ففي منتصف نهار الثاني من كانون الأول/ ديسمبر من العام الماضي 2019، استهدفت القوات التركية وفصائل المعارضة المسلحة التابعة لها بالقذائف مدينة تل رفعت الآهلة بمهجري منطقة عفرين.
وأسفرت القذائف عن مجزرة بحق من فروا قبلها بعام من هول العملية العسكرية التركية في منطقتهم.
عشرة أشخاص بينهم عماد وسبعة أطفال آخرين، أحدهم كان يبلغ ثلاثة أعوام، فيما أصيب 13 آخرون معظمهم أطفال أيضاً.
وكانت عائلة علي قد فرت مع 300 ألف شخص من منطقة عفرين إلى ريف حلب الشمالي بسبب العملية العسكرية التي شنتها تركيا رفقة فصائل تابعة لها عام 2018 والتي انتهت بسيطرتها على المنطقة في آذار/ مارس من العام نفسه.
ولجأ قسم من مهجري عفرين للسكن في مخيمات العودة وعفرين وبرخدان وسردم وشهبا بريف حلب الشمالي، بينما توزع آخرون على 42 قرية وبلدة بريف حلب الشمالي.
وتقوم القوات التركية وفصائل المعارضة التابعة لها باستهداف مهجري عفرين القاطنين في مدينة تل رفعت، بشكل متكرر، على الرغم تواجد ثلاث نقاط للشرطة العسكرية الروسية في المدينة.
“لو كان معي للعبنا”
تقول الأم نسيبة عبدو إن ابنها لا ينفك يذكر مشاهد تلك المجزرة التي حدثت أمام باب منزلهم، واستهدفته مع أخوته وأصدقائه.
وتشتكي من أنه غدا منعزلاً، شارداً في أغلب الأحيان، لا ينضم إلى أصدقائه للعب.
واضطرت العائلة المهجرة من قرية قنطرة بناحية معبطلي في منطقة عفرين وعائلات ضحايا المجزرة للانتقال من مدينة تل رفعت إلى قرى مجاورة، “بسبب تأزم الوضع النفسي للأطفال وتكرر القصف من قبل القوات التركية وفصائل المعارضة.”
تحاول الأم الثكلى التغلب على كل جراحها لمساعدة علي، لكنه يكرر ذكرياته بين الحين والآخر :”كنا ننام سوياً، نلعب ونأكل ونذهب إلى المدرسة سوياً، كان يدافع عني عندما أتعرض لمضايقات من قبل أطفال.”
ويحتفظ الطفل بلعبة السيّاحة (البلبل( التي كان يلعب بها رفقة شقيقه، يخرجها بين فترة وأخرى من حقيبة أخيه ويتمعن فيها لفترة من الوقت ليعيدها مرة أخرى إلى حقيبته دون اللعب بها.
كما يصر على أن تعلق حقيبته إلى جانب حقيبة شقيقه على الحائط، كما اعتاد سابقاً.
يقول علي بصوته المرتجف: ” لو كان معي كنا لعبنا، الآن عندما أذهب إلى مدرستي، أتمنى لو كان أخي برفقتي لنرتاد المدرسة معاً، كنا لعبنا وتمشينا وتحدثنا.”
تذكره الأم أن عليه متابعة دراسته وتحقيق حلم أخيه “الشهيد” بأن يصبح معلماً.
“أخذنا قالب الكاتو للمزار”
يقطن علي حالياً مع والديه وأختيه وشقيقه الأكبر محمد في قرية بابنس بريف حلب الشمالي.
تقول الأم إن قلبها “يعتصر ألماً” عندما ترى طفلها يبكي في كل مرة يلمح فيها صورة شقيقه المعلقة على الحائط، “وضع علي ليس على ما يرام.”
وبطلب منه، قامت والدته في عيد ميلادهما الحادي عشر بشراء قالب كاتو والذهاب لزيارة قبر شقيقه التوأم في قرية فافين بريف حلب الشمالي.
“علي لا ينفك يتذكر عيد ميلادهما، قبل عدة أشهر أخذنا قالب كاتو إلى مزار أخيه، أصر على الاحتفال بعيد ميلادهما قرب مزار شقيقه.”
وتضيف أيضاً: “عندما أقوم بشراء ملابس له، يتذكر عندما كنت أشتري له ولشقيقه ملابس مماثلة، لذلك أقوم بشراء زيين متشابهين وأتبرع بأحدهما لأطفالٍ آخرين.”
بعد إنهاءه تصفح دفاتر عماد مع والدته، يُرجع علي حقيبة شقيقه إلى مكانها، يعلقها بيديه إلى جانب حقيبته، كما اعتاد أن يفعل.