موسكو- فهيم الصوراني – NPA
انشغلت وسائل إعلام مختلفة في الآونة الأخيرة، في التركيز على فرضية وجود خلافات بين موسكو وطهران في مقاربة شكل التسوية السياسية للأزمة في سوريا، وأشكال التعاطي المسلح تكتيكياً وإستراتيجيا مع جماعات المعارضة المسلحة، التي تتبع بدورها لجهات أقليمية عدة.
ولم يقف الأمر عند حدود الحديث عن خلافات، بل وصل إلى إثارة ملف الوجود الإيراني، والتسويق, إعلامياً بالحد الأدنى, لفرضية وجود رغبة روسية في إنهاء الوجود العسكري الإيراني في سوريا.
حرب دعائية
وحول الحديث عن خلافات بين روسيا وإيران إن كانت موجودة ومدى تأثيرها على تعاون البلدين في التصدي للجماعات المسلحة المدعومة خارجيا في سوريا، إضافة لما تشعر به موسكو تجاه الوجود الإيراني في سوريا يقول الخبير الروسي في الشؤون العسكرية بوريس روجين “وُضع الحديث عن نزاع روسي – إيراني في سوريا في إطار حملة دعائية تشارك فيها بشكل أساسي الولايات المتحدة وإسرائيل، عبر مواقع عدة على الإنترنت، ويتبع بعضها للمعارضة الإيرانية في الخارج.”
ويتابع روجين “هذا يعيد إلى الأذهان ما روجت له مراكز أبحاث تابعة للبنتاغون، عن أن مصالح واشنطن وتل أبيب تتطلب فك التعاون الروسي الإيراني، الذي أحبط الإستراتيجية الأمريكية في الإطاحة بالرئيس بشار الأسد”.
ويوضح بأنه في سياق الـ “تعطش” الثنائي الأمريكي – الإسرائيلي لتحقيق هذا الهدف، فإن هذا النوع من الحرب النفسية والحملات الدعائية التضليلية سيتواصل، وسيتم العمل على تضخيم بعض التباينات الموجودة موضوعياً بين البلدين في الملف السوري، ولكنها “لا تملك آثاراً استراتيجية على مستقبل العلاقات الثنائية، والعمل المشترك بين البلدين، والذي يتجاوز حدود الأزمة السورية”.
في حين ذكرت صحيفة الشرق الأوسط في تقرير لها أن إيران تواجه ضغوطا عسكرية وسياسية واقتصادية خاصة في مناطق سيطرة الحكومة السورية وبجهود روسية.
حيث دعمت موسكو قاعدة حميميم، وشكلت “الفيلق الخامس” الذي يضم نحو 50 ألف مقاتل، ويتكون الفيلق من عناصر سورية موالية للحكومة السورية، وفصائل عسكرية كانت تنتمي للمعارضة مثل “الجيش الحر” و”جبهة الجنوب”.
وانتشر هؤلاء في الجنوب بعد انسحاب القوات الإيرانية بداية العام الماضي بموجب تفاهم “روسي – أمريكي – إسرائيلي”، وتريد موسكو أن يتصدى هؤلاء لمحاولة طهران تجنيد شباب سوريين في الجنوب أو شرق الفرات.
ورغم أن روسيا وإيران وتركيا الراعون لعملية أستانا التي ولد فيها اتفاق خفض التصعيد بين أنقرة وموسكو في سبتمبر/أيلول الماضي، حيث نشرت الدول الثلاث نقاط مراقبة في “مثلث الشمال” الذي يضم إدلب وأرياف حماة واللاذقية وحلب، إلا أن موسكو طلبت من مئات عناصر “الفيلق الخامس” الذهاب إلى شمال غربي سوريا لدعم معارك إدلب، فيما اختفت إيران من المعركة سواء من بوابة ريف حلب أو شمال حماة.
اقتصادياً
تواصل روسيا منافسة إيران اقتصادياً للاستحواذ على مشاريع كبرى، فبعد الحصول على عقد تشغيل “مرفأ طرطوس” قرب قاعدة طرطوس الموسعة رداً على قرار طهران إدارة مرفأ اللاذقية، تبحث روسيا استثمار مطار دمشق الدولي قرب المقر السابق لقيادة القوات الإيرانية في سوريا، الذي نقل بسبب الغارات الإسرائيلية من المطار إلى شمال البلاد.
أما بوريس دولغوف كبير الباحثين في مركز الدراسات العربية والإسلامية بمعهد الاستشراق في موسكو، فيرى في حديثه لـ”نورث برس”، أن مقاربة العامل الإسرائيلي في النزاع السوري يشكل لب التباين بين الحليفين الروسي الإيراني.
الصبر الاستراتيجي
يوضح دولغوف بأن إيران كانت على الدوام تثير مع المسؤولين الروس موضوع “السلوك العدواني” لإسرائيل في سوريا، ولا سيما أن الطيران الحربي الإسرائيلي وجه ضربات مباشرة لمواقع عسكرية إيرانية، وأخرى لقوات حليفة لها، فضلاً عن استهداف القوات السورية نفسها، فيما تفضل موسكو سياسة الصبر وعدم تحويل سوريا لساحة تصفية حسابات إيرانية – إسرائيلية، و”سحب” فتيل أي مواجهة يمكن أن تعيد الأزمة إلى “المربع الأول”.
كما يشير في هذا السياق إلى التباين بين البلدين فيما يتعلق باستعداد كل منهما للحوار مع اللاعبين الإقليميين، لا سيما تركيا وإسرائيل والسعودية وقطر، حيث لموسكو هامش أوسع في هذا لإطار لأسباب ذاتية وموضوعية.
لكن دولغوف يشدد على أن ما يجمع بين موسكو وطهران هو أكثر مما يفرقهما. فالخطر الذي تشكله الجماعات المسلحة في سوريا، و”مغامرات” الخصوم الإقليميين والدوليين الذين يواصلون دعمهم لهذه الجماعات، يتطلب تنسيقاً وانسجاماً دقيقين بين موسكو وطهران، وهو قائم على قدم وساق-حسب تعبيره.
وختم الباحث الروسي بأن الطابع المشترك لهذا التهديدات هو تحديداً ما أدى إلى تشكيل التحالف بين روسيا وإيران، والذي سيستمر حتى تسوية الأزمة السورية!