اللاذقية.. العجز المعيشي يدفع عائلات للاستغناء عن شراء مواد أساسية

اللاذقية – نورث برس

في ظل أزمة معيشية واقتصادية غير مسبوقة في سوريا، تستغني عائلات في محافظة اللاذقية عن شراء مواد غذائية أساسية بسبب ارتفاع أسعارها وتردي الوضع المعيشي.

ويقول سكان من محافظة اللاذقية إن تصور المحافظة بأنها منطقة الرفاهية والأمان هو انطباع غير صادق، فمعظم الوافدين إليها من المحافظات السورية يفاجئون بمستوى “الفقر” فيها.

“عجز تراكمي”

ووصف عماد غلاونجي، وهو موظف من حي الطابيات في اللاذقية، الوضع المعيشي بـ”حالة عجز تركمية يوماً بعد آخر.”

وأضاف لنورث برس: “لا نستطيع تأمين الحد الأدنى لحاجاتنا ونخاف أن يأتي الغد لأن ذلك يعني متطلبات جديدة ناهيك عن القديمة التي لم نستطع تأمينها.”

وأشار الموظف إلى أنه كان سابقاً يؤمن معظم احتياجات عائلته الغذائية من قريته، “ولكن بعد الأحداث والحرب في سوريا انتقلنا إلى المدينة.”

واعتبر الموظف أنه من غير المعقول أن “تعاني من الجوع وأنت في بلد كان مشهوداً له بأنه بلد زراعي.”

وباتت سوريا تأتي في صدارة قائمة الدول الأكثر فقراً في العالم بنسبة بلغت 82.5 %، وفق بيانات موقع “World   by Map” العالمي، وهي نسبة تتوافق مع ما أورده تقرير سنوي أصدرته الأمم المتحدة عام 2019 حول أبرز احتياجات سوريا الإنسانية.

“البيضة حلم”

وذكرت سمر عيسى، وهي طالبة جامعية من قرية الهنادي بريف اللاذقية وتساعد والدها في العمل بمحل لبيع الألبان والمواد الغذائية، أنها ضبطت مؤخراً طفلاً يحاول سرقة بيضة من المحل.

ورغم أن هذا النوع من سرقات الأطفال يتم تناولها عادة بشيء من التندر والمزاح، إلا أن “عيسى” تشعر بالأسى على ذاك الطفل بعد سماع إجابته عن سبب سرقة البيضة.

فالطفل قال إنه يطلب من والده منذ شهرين شراء البيض، “لكن كل مرة بيجاوبني إنو البيض مو إلنا، البيض للأوباش، وما عرفت شو يعني!”

وتساءلت الطالبة الجامعية: “هل من المعقول أن يتمحور حلم أطفالنا إلى مجرد الحصول على بيضة..؟!”

وبحسب إحصاءات نشرتها منظمة “أنقذوا الأطفال” الدولية نهاية شهر أيلول/سبتمبر الماضي أن أكثر من 4.5 مليون طفل في سوريا يواجهون الجوع.

ونقلت المنظمة عن برنامج الغذاء العالمي أن سلة الغذاء التي يمكن أن تطعم الأسرة ارتفعت كلفتها لأكثر من 23 ضعفاً عما كانت عليه ما قبل الأزمة.

“سممها الأشرار”

وقال محمد عيسى (50 عاماً)، وهو والد الطالبة سمر، إنه يلمس خلال عمله اليومي معاناة تفوق الوصف، إذ يسأله الزبون أحياناً عن سعر كرتونة البيض وسعر البيضة الواحدة ليقوم بحساب صغير قد يشتري بعدها بيضتين أو خمساً وقد لا يشتري.

وأضاف أن غالبية من يرتادون محله، يسألون عن أسعار المواد الغذائية قبل شرائها، “والأسعار لا تستقر، فهي في تصاعد مستمر.”

وكانت مواقع محلية وحسابات على وسائل التواصل الاجتماعي قد تداولت ، منتصف الشهر الفائت، خبر منع روضة أطفال بريف مدينة جبلة الأطفال من إحضار الموز معهم، وذلك بعد حادثة ارتفاع أصوات أطفال الروضة على زميل لهم مطالبين بتذوق موزة في يده.

ونشرت تلك المواقع عن مصدر من داخل الروضة أن والد الطفل أحضر معه في اليوم التالي صندوق موز، لكن أحد الأطفال امتنع عن تناوله قائلاً إن “الأشرار وضعوا السم في الموز لتعذيب الأطفال”، وفق ما أخبره والده به.

“جوع كتصحر”

ووصف سميع دريباتي، وهو اسم مستعار لمعتقل سياسي سابق من حي الزقزقانية باللاذقية، المحافظة بـ”مكب لسياسات النظام على مدى العقود الخمسة الماضية.”

وأضاف أن “الجوع في اللاذقية كالتصحر الذي يزحف في كل لحظة ليشمل فئات اجتماعية جديدة ويرميها في هاوية العوز المدقع.”

ويقول “دريباتي” وسكان آخرون أن أرباب عائلات في اللاذقية لا يستطيعون تأمين وجبة غذائية واحدة “نظامية” باليوم، عدا عما سيفرضه الشتاء من أعباء مستلزمات التدفئة من لباس ووقود.

وتسعى إنصاف علي، وهو اسم مستعار لموظفة تابعة لمديرية تربية اللاذقية وتسكن في حي الصليبة، من خلال بيع أقلام الحبر الجاف والعلكة، لتأمين ثمن وجبة لأطفالها.

وقالت “علي” إن “ما يحزّ في القلب، أن تجد نفسك عاجزاً أمام المتطلبات الضرورية للاستمرار في الحياة، عدا عن باقي المستلزمات الأساسية واللباس والمستلزمات المدرسية للأطفال.”

إعداد: شهاب الأحمد – تحرير: سوزدار محمد