سامي حاتم.. موهبة مسرحية من السويداء تطرق أبواب العالمية بمونولوج نقدي

السويداء – نورث برس

بدا التعب العام الذي يعقب نوبة قلبية عادة ظاهراً عليه، أثناء درس خلال المرحلة الابتدائية، لم تعرف المعلمة آنذاك ما تفعل أمام حالته تلك، ليكشف بعد دقائق أنه بخير وكل ما أوحى به هو مجرد تمثيل لا أكثر.

وعلى الرغم من غضب المعلمة من تصرف تلميذها، إلا أنها أثنت على قدرته على تقمص الحالة لدرجةٍ بدت فيها حقيقية وصدقتها.

 وهكذا بات سامي حاتم، الذي يبلغ الآن (17 عاماً)، وهو من سكان مدينة السويداء جنوبي سوريا، يكرر مواقف تمثيلية وتقمص حالات وشخصيات من فترة لأخرى، ليبدو ميله للمسرح جلياً له ولمن حوله.

وطرق الشاب أبواب العالمية عندما فاز، الشهر الفائت، بالمرتبة الأولى في مسابقة “المونولوج” التي أقامها الكاتب والمخرج الأسترالي بيت ملاكي عبر شبكة الإنترنت.

وسامي حاتم هو مثال عن شباب سوريين يحاولون شق طريقهم وتحقيق طموحاتهم رغم كل ما يحيط بهم من معاناة، علهم يستطيعون بناء مستقبل أفضل يحصدون فيه النجاح بعد الدمار والأزمات التي أحاطت ببلادهم.

مفاجأة جمهور “المعطف”

بدأ سامي يكتشف قدرته على التمثيل رويداً رويداً وشعر بأن لديه موهبة تختلج صدره، ليساعد تشجيع الأهل والأصدقاء على تنميتها وإظهارها.

وكانت المشاركة الأولى له ضمن المسرح المدرسي، حيث شارك في عرض بمناسبة اليوم العالمي للطفل على خشبة مسرح المركز الثقافي في السويداء.

وفي الصف العاشر أدى الطالب اليافع دور البطولة في مسرحية “المعطف” للكاتب الروسي نيكولاي غوغول، حيث أخذ دور الموظف “أكاكي” الذي يقضي وقته في نسخ الأوراق، ويأخذها إلى منزله أيضاً لتملأ وقته وتنسيه شعوره بالبرد.

وكان له دور بارز في نجاح المسرحية التي لاقت ترحيباً حاراً من الجمهور والمتابعين، لتأتي بعدها دعوة للفرقة المسرحية لعرض “المعطف” في مهرجان في دمشق بمناسبة يوم المسرح العالمي، بحسب أقاربه الذين حضروا العرض آنذاك.

ودخل الجمهور إلى الصالة وأخذ الجميع أماكنهم، ليبدأ العرض بعدها بظهور ممثلين يتبادلون حديثاً بينهم لعدة دقائق، قبل أن يغادروا الخشبة إلى خلفية المسرح.

فجأةً، خرج سامي من بين كومة أوراقٍ كبيرة في مقدمة خشبة المسرح قافزاً إلى الأعلى، منخرطاً مباشرة في دوره ليشد المتابعين إلى أدائه وانغماسه الفوري بعمله مع الأوراق.

تتالت الهمسات حول الطريقة الفجائية التي ظهر بها الممثل الذي كان مختبئاً بين كومة الأوراق في مقدمة خشبة المسرح قبل بدء المسرحية وحتى قبل دخول الجمهور إلى الصالة.

حاز سامي على جائزة “أفضل ممثل” في المهرجان عن دوره في مسرحية المعطف، وبعد عودته إلى السويداء تم تكريمه من قبل مديرية التربية في السويداء أيضاً على نجاحه ذاك.

من دور سامي في مسرحية المعطف - نورث برس
من دور سامي في مسرحية المعطف – نورث برس

“تدربه ويدربك أيضاً”

أما مسرحية “وحدة” التي حصدت جائزة “أفضل مسرحية ناطقة بالعربية” في مهرجان اللغات والفنون التربوي السوري في السويداء، فقد شارك فيما بعد مع فرقة “ضوء” وحصل فيها أيضاً على جائزة “أفضل ممثل” في المهرجان.

وكانت فرقة “ضوء” قد تأسست في مدينة السويداء على يد المدرب المسرحي وضاح عزام عام 2017، وقدمت عروضاً مسرحية على خشبتي مسرح المركز الثقافي في كل من السويداء ودمشق معتمدة على ممثليها من طلبة المدارس.

يقول مدرب الفرقة، لنورث برس، إن سامي شاب موهوب وذكي ولا يقبل بتقديم دوره كيفما كان، بل يصر على بحث ودراسة الشخصية التي يؤدي دورها لتظهر بأفضل صورها، فتشعر معه “وكأنك تدربه ويدربك في الوقت نفسه.”

ويضيف وضاح عزام: “يحثك هذا الشاب على العمل بما يوازي موهبته ومعرفته، ما يدفعك إلى التيقن والانتباه الدائم في العمل، فأنت لست أمام شاب عادي تستطيع مناقشته بسهولة.”

وإلى جانب المونولوج والتمثيل، شارك الطالب في ورشات علمية وتقنية فهو شغوف بالمعرفة والتقنية، وكان من أبرزها ورشة علمية لصناعة الروبوتات رعتها مدرسة المتفوقين.

يحظى سامي بدعم من أسرته التي تشجعه وتهتم بدراسته وموهبته، وهو الابن الوحيد لأبويه ولديه شقيقة واحدة.

وتأمل الأسرة أن يحصل على درجات عالية في الشهادة الثانوية ليتمكن من دراسة ما يريد، وينتظرون منه أن يحقق نجاحاً في التمثيل أيضاً.

“مونولوج لتحطيم الأصنام”

ووصل شغف سامي في البحث إلى اكتشاف مسابقة عالمية أطلقها موقع أسترالي على شبكة الإنترنت بعنوان “ألعاب مونولوج الدولية” (WORLD MONOLOGUE GAMES).

ويعني المونولوج حديث النفس أو النّجوى، وهو حوار يوجد في الروايات ويكون قائماً ما بين الشخصية وذاتها، وفي المسرح تعني شخصاً وحيداً يقف على خشبة المسرح ويقدم فقرة مسرحية بعدة أدوار يؤديها.

وأطلق المسابقة الكاتب والمخرج الأسترالي، بيت ملاكي، إذ كانت في السابق تخص أستراليا فقط، ليوسعها لاحقاً ويفتح باب المشاركات على المستوى العالمي.

وتجري المسابقة على شبكة الإنترنت حيث يقوم كل مشارك بإرسال الفيديو الخاص به ويتم التصويت على الفيديوهات من قبل الجمهور ولجنة التحكيم.

أرسل سامي إلى المسابقة مونولوجاً من تأليفه، مدته أقل من دقيقتين، يتحدث فيه عن تعلق الناس بوظيفة وضيعة وتحملهم للمشقات والإهانات في سبيل الحصول على لقمة عيش صغيرة، فيما يرد الشخص الداخلي أنه يجب تحطيم هذه الأصنام ورفض أنظمة العمل والعادات الاجتماعية السائدة والثورة ضدها للحصول على الأفضل.

تجاوز مونولوج سامي مرحلة التصفيات، واستطاع الوصول إلى النهائي وانتزاع لقب المسابقة بفوزه في المرتبة الأولى عن فئة الشباب وحصوله على الميدالية الذهبية في المسابقة.

“سامي عملة نادرة”

رئيس لجنة التحكيم وصاحب المبادرة، المخرج والكاتب الأسترالي بيت ملاكي قال عن سامي إنه الشاب الوحيد الذي لفت نظره “بمعرفته بدقة لما يعنيه التمثيل وتقمص الشخصية وهو يستحق اللقب بجدارة.”

ونشرت المسابقة فيديوهات على يوتيوب لجميع الواصلين إلى النهائيات، وقال المخرج الأسترالي إنه سامي يستحق “تتويجاً كعملة نادرة”، لأنه “يستطيع تقمص شخصيات عديدة في المشهد نفسه، وهو شيء احترافي بالتمثيل” مقارنة بعمر الممثل الصغير.

يقول سامي بعد فوزه المرتبة الأولى: “لم أكن أتوقع إني سأصل إلى هذه المرحلة، أو أن مسرحيين أستراليين سيصوتون لي (…) إنه شيء لا يصدق.”

وإلى جانب الدعم المعنوي الكبير الذي حظي به بعد فوزه، اكتسب سامي خبرة جديدة بعد اطلاعه على أعمال من دول أخرى.

وكان سامي، المشارك العربي الوحيد في المسابقة التي شارك فيها شبان وشابات من جميع أنحاء العالم قارب عددهم ثلاثة آلاف، وسيحصل على مبلغ مالي رمزي كنوعٍ من الدعم بعد انتزاعه اللقب الأول.

وبعد كل هذه الإنجازات التي تبدو كبيرة مقارنة مع عمره الصغير، يقول سامي إنه لا يرغب في الدخول للمعهد العالي للفنون المسرحية، بل يحب أن يمارس التمثيل كموهبة ويترك أبواب مستقبله الأكاديمي والمهني مفتوحة.

فهو يريد إتمام دراسته في إحدى التخصصات العلمية، لا سيما أنه من طلاب ثانوية المتفوقين في السويداء والتي يدرس فيها فقط الطلاب الذين حصلوا على درجات عالية في الشهادة الإعدادية.

إعداد: سامر نعمان – تحرير: عكيد مشمش