عائلات من ريف ديرك لا تزال تجمع الخردة والمهملات لإعادة استخدامها
ريف ديرك – نورث برس
بين أكوام من النفايات جنوب بلدة كركي لكي (معبدة) بريف ديرك، شمال شرقي سوريا، ينشغل أشخاص بنبش القمامة بحثاً عن قطع قابلة للبيع من بلاستيك وحديد أو أسلاك نحاسية أو بقايا خبز.
وتعمل عائلات من ريف ديرك منذ أعوام في جمع المواد المعدنية والبلاستيكية من مكب القمامة، فلهذه المواد سوقها ومشتروها، حيث يتم إعادة تدويرها والاستفادة منها كمادة أولية مكررة لبعض الصناعات.
وقال علي العلي (49 عاماً)، وهو من سكان ريف بلدة كركي لكي، إنه يعمل في جمع كل ما يجده من مواد قابلة للبيع من مكب النفايات منذ 15 عاماً، “إذ ان حالتي الصحية لم تسمح لي بالحصول على فرصة عمل أفضل.”
ويخرج “العلي”، من منزله في الصباح الباكر حتى يصل إلى مكب النفايات قبل وصول سيارات جمع القمامة، “وإن وصلت متأخراً فلن أستطيع جمع شيء.”
وما أن تضع سيارة القمامة حمولتها حتى يتسابق الموجودون لجمع المواد “وسعيدٌ من يحظى ببرتقالة يسند بها نفسه ريثما ينته من عمله”، على حد قول “العلي”.
ويعود رب العائلة إلى منزله بعد الانتهاء من جمع المواد من مكب النفايات، لتقوم زوجته وابنته بمساعدته في فرز المواد، “ونقوم بفرز البلاستيك عن المعادن والخبز، فعملنا لا ينتهي هناك في المكب.”
ويقوم “العلي”، كغيره ممن يعملون في جمع المواد من مكب النفايات، ببيع المواد للباعة المتجولين، حيث أن لكل مادة سعرها.
“نبيع الكيلو من النايلون بـ 200 ليرة، أما الكيلوغرام الواحد من الخبز المجفف يباع بـ150 ليرة، بينما تكون أسعار الحديد والنحاس أغلى من غيرها.”
ولا ينصح العامل في جمع الخردة والمهملات من يستطيعون العمل بمهن أخرى بالتوجه للمكبات، “فهو عمل شاق ومتعب وبدأت أخسر صحتي بسببه.”
ولهلالة الخلف (55 عاماً)، وهي من سكان ريف ديرك، خبرة في جمع المهملات القابلة للبيع تتجاوز عشرة أعوام.
تقول لنورث برس إنها مرضت جراء عملها في مكب النفايات، “لكننا مجبرون، فلولا الجوع لم نأت إلى النفايات.”
وفيما إذا فكرت “الخلف” بممارسة عمل غير جمع المواد من مكب النفايات الذي بدا شاقاً عليها نتيجة تقدمها في السن، قالت، “من سيشغّلني وأنا بهذا العمر؟ وهل قدم لنا أحد عروض عمل ورفضنا؟!”
وعن دخلها اليومي الذي تجنيه من عملها، أشارت إلى أنه يتراوح ما بين ألفين وثلاثة آلاف ليرة، “وهو لا يغطي مصاريف البيت، فإن لتر الزيت يباع هذه الأيام بثلاثة آلاف ليرة.”
واعتبر فاضل الفارس، وهو طبيب في بلدة جل آغا (الجوادية) المجاورة، أن مكب النفايات هو “بؤرة للأمراض الجلدية والتنفسية ومسكن لذبابة الرمل التي تسبب لسعتها مرض اللاشمانيا.”
وأشار الطبيب إلى خطورة التسممات الغذائية التي تحصل نتيجة تناول بعض الأشخاص لمواد غذائية فاسدة وملوثة من مكب النفايات.
وشدد على أن العاملين بمهنة نبش القمامة “عرضة للإصابة بفيروس الكبد الوبائي نتيجة تعاملهم مع أدوات حادة كشفرات حلاقة وحقن طبية قد تجرحهم فتجرثم الدم أثناء عملهم.”
لكن الطبيب وغيره من لائمي هؤلاء الأشخاص يتفقون في ضرورة وضع حلول معيشية لهذه العائلات وتوفير موارد أخرى لدخل أفرادها.
لكن محمد الفارس، وهو عضو لجنة الشؤون الاجتماعية والعمل في جل آغا قال إن هذه الحالات “فردية”، وإنها اعتادت على العمل في نبش القمامة وبيع المواد المستخرجة منها “كمهنة لتدبر أمورهم المعيشية.”
وذكر أن الإدارة الذاتية فتحت مجالات عمل وتوفر فرص عمل “لكل من يجد في نفسه القدرة والكفاءة لمن هم في سن العمل.”
وأضاف لنورث برس: “أما المسنون، فهناك مشروع لإحصائهم عن طريق اللجان والكومينات؛ ليتم تقديم العون والدعم المادي لهم، ننسق مع المنظمات الإنسانية ونزودهم بالأسماء بشكل دوري.”
أما المرأة الثلاثينية التي عرفت عن نفسها بـ “أم وسام”، وهي من سكان ريف ديرك، فهي والدة خمسة أطفال من بينهم طفلة رضيعة تركتها عند أخوتها، بينما رافقها اثنان من أبنائها لمساعدتها في جمع المواد من مكب النفايات بعد أن “تركوا دوامهم في المدارس.”
وقالت “أم وسام” إن تردي الوضع المعيشي وعدم قدرتها على تأمين مستلزمات أطفالها المدرسية، أجبرها على إخراج أطفالها من المدارس لمساعدتها في العمل.
وأضافت: “من يستطيع تأمين مصاريف المدارس هذه الأيام، نعمل لنطعم أولادنا، هلكتنا أسعار المواد الغذائية والدوائية وغيرها.”