مع الإعلان عن فوز المرشح الديموقراطي جو بايدن بالانتخابات الأميركية، شرع المراقبون بطرح الكثير من التكهنات والأسئلة تتعلق في معظمهما بسياسته الخارجية، وبخاصة الشرق أوسطية منها، وبصورة أخص ما يتعلق بالملف السوري.
وهل سنشهد اختراقاً للنهج الذي اتبعه سلفه دونالد ترامب، نعني السياسية الانعزالية والنأي بالنفس عن القضايا الساخنة في الشرق الأوسط، التي جعلت النفوذ الأميركي يتراجع كثيراً في سوريا أمام امتداد وتوسع النفوذ الروسي الداعم لنظام بشار الأسد، وكذلك النفوذ التركي الذي مارس كل أشكال العربدة السياسية في الشمال السوري برضى وتشجيع روسي وتواطؤ مريب من الرئيس ترامب مع الرئيس التركي وسياساته، كما نوّه عن ذلك مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون في مذكراته ولقاءاته.
ولا تبدو تصريحات واعترافات الرئيس المنتخب حول تركيا ومستقبل رئيسها المهووس بالأحلام الإمبراطورية موضوع ارتياح أو ترحيب لدى الرئيس التركي وأركان نظامه.
وبالتأكيد لن يكون أردوغان أول المهنئين بانتخاب الرئيس الجديد مالم يكن آخرهم. إلا أنه سيكون أول المستائين أو الممتعضين من الإرادة التي أطاحت ديمقراطياً بالحليف، الذي كان يحول على الدوام دون سياسة أميركية حاسمة ورادعة بحق مغامراته في سوريا والبحر المتوسط وشمال أفريقيا.
الرئيس المنتخب، أبدى في حينها سخطه على خذلان ترامب لحلفاء الولايات المتحدة في سوريا، واعتبر مع آخرين خطوة ترامب في سحب قواته من شمال شرقي سوريا، وترك الحلفاء وحيدين في مواجهة الجيش التركي والمرتزقة الجهاديين عاراً على أمريكا. وهو يؤيد بقاء القوات الأميركية في سوريا والعراق، ويؤيد فرض عقوبات أشد من الكونغرس على سياسة أنقرة المارقة وتحالفاتها المريبة مع موسكو بشراء منظومة S400 وتفعيلها.
وهو لا يبدو راضياً عن تواطؤ الرئيس التركي مع محور أستانا، الروسي/ الإيراني، على حساب خيارات جنيف والقرار الأممي 2254 الذي أفضى في نهاية المطاف إلى تهميش الدور الأوروبي/الأميركي في الملف السوري وإسقاط السيناريوهات المعدة للتغيير في سوريا لحساب الأجندة الروسية والإيرانية التي تضمن بقاء نظام بشار الأسد.
إن تقييم الموقف المحتمل للرئيس المنتخب بشأن هذه الملفات وغيرها يتوقف إلى حد كبير على اختياره لمستشار الأمن القومي، الذي يعدّ المهندس الحقيقي لمصالح الأمن القومي الأميركي خارجياً، ويكون غالباً حاملاً لمقاربة ورؤية استراتيجيتين للمصالح الأميركية وكيفية ضمانها.
وتبدو الخيبة الثانية في آمال الرئيس التركي، في اختيار الرئيس المنتخب لـ Jake Sullivan جاك سوليفان مستشاراً للأمن القومي الأميركي، وهو آخر من كان يتمناه الرئيس أردوغان في هذا المنصب الحساس. الذي تبدو مقاربته للسياسة الأميركية في الشأنين التركي والسوري على النقيض تماماً مع سياسات الرئيس المنتهية ولايته.
ومعروف عن جاك سوليفان انتقاداته المتكررة للدور القطري في دعم الجماعات الإرهابية، وقناعته بأن الولايات المتحدة لم تفعل أي شيء لرحيل بشار الأسد، ما دفع الأسد بقتل مئات الآلاف من السوريين وتهجير الملايين، ورأى أن “كان ينبغي علينا بذل المزيد لجعل النظام يغادر.”
لكن الأهم من هذا أن مقاربة سوليفان لحل المسألة الكردية في شمال كردستان (المناطق الكردية في تركيا) وسوريا، تقوم على ضرورة أن تتفهم تركيا لرغبة الكرد السوريين في نوع من الحكم الذاتي، على نحو لا تحتمل أيّ تهديد للأمن القومي التركي، شرط أن تنفتح تركيا داخلياً وتعيد إحياء عملية السلام مع حزب العمال الكردستاني. وهذا ما يضمن السلام في المنطقة.
وتبدو فرص العودة إلى طاولة المفاوضات كبيرة الآن ومشجعة، شرط أن يدرك الكرد في غرب كوردستان (المناطق الكردية في سوريا) وشمالها أن السنوات الأربع القادمة هي الأفضل بالنسبة لقضيتهم وعليهم أن يتحلوا بالحكمة القصوى في التعاطي مع المستجدات.