مجندون يتهمون ضباط حكوميين بـ”علاقات سرية” مع داعش في بادية السويداء الشرقية

السويداء – نورث برس

يتهم مجندون في صفوف القوات الحكومية وسكان في محافظة السويداء، جنوبي سوريا، ضباطاً في القطعات العسكرية الحكومية بأن “علاقات سرية” تربطهم بعناصر لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في بادية السويداء الشرقية.

 وبحسب شهادات أدلى بها مجندون لنورث برس، فإن اتفاقات الضباط مع تشكيلات التنظيم المتشدد تتضمن إيصال الطعام والدواء مقابل مبالغ مالية.

“شحنات غذائية”

وقال فهد القاضي (26 عاماً)، وهو اسم مستعار لمجند في الخدمة العسكرية الاحتياطية بكتيبة المدرعات، وهي إحدى تشكيلات الجيش السوري في منطقة تلول الصفا جنوب شرقي سوريا، إن “ضباطاً بالكتيبة يقومون سراً بتزويد عناصر التنظيم في الجهة الشرقية من تلول الصفا بمواد لوجستية.”

وذكر المجند أن ضابطاً برتبة رائد طلب منه أثناء قيامه بمناوبة حراسة في الكتيبة، مطلع الشهر الفائت، إخلاء المحرس الذي يتواجد به والذهاب إلى النوم، “بحجة أنني أقوم بواجبي العسكري على أكمل وجه وأستحق استراحة.”

لكن المجند الذي توجه إلى الكرفانة العسكرية التي ينام فيها مع مجموعة من رفاقه، لاحظ ثلاث شاحنات خارج حدود الكتيبة من جهة الشرق تسير ببطء رفقة سيارة عسكرية.

وبحسب “القاضي”، فإن تلك الحادثة تكررت مراراً في الأسبوع نفسه حيث خرجت شاحنات أمام آلية عسكرية من الكتيبة نحو منطقة تواجد عناصر التنظيم في جهة الشرق من مقرهم العسكري.

وأشار المجند إلى أن “حاجب أحد قادة الكتيبة” أخبره أن تلك الشاحنات تحمل مؤناً غذائية ومياه شرب لعناصر التنظيم، مقابل مبالغ مالية تدفع لثلاثة ضباط من داخل النقطة العسكرية الحكومية.

ويتوجس سكان السويداء باستمرار من وجود خلايا نائمة للتنظيم في البادية السورية، ويتخوفون من تعرضهم لهجوم جديد.

ونهاية تموز/ يوليو عام 2018، هاجم عشرات من مقاتلي التنظيم المتشدد قرى شريحي وشبكي ودوما ورامي أسفر عن خطف وقتل العشرات من السكان بحسب تقارير إعلامية.

وخطف التنظيم حينها نحو 30 طفلاً وامرأة، تم استعادتهم بعد أكثر من ثلاثة أشهر، عبر صفقة تبادل تمت بين التنظيم والحكومة في دمشق.

ويتهم سكان من المحافظة الحكومة السورية بأنها وراء وجود عناصر التنظيم في بادية السويداء الشرقية، وأنها سهلت لهم العبور من مخيم اليرموك إلى البادية عبر تسويات واتفاقات.

في حين يرى البعض أن مجزرة داعش في القرى الشرقية للسويداء “كانت تحت علم المخابرات الحكومية آنذاك.”

ولم يتسن لنورث برس التأكد من حقيقة هذه الاتهامات من مصادر حكومية أو مستقلة.

“رشى مالية”

وقال رامي سليمان (22 عاماً)، وهو اسم مستعار لجندي آخر في الكتيبة نفسها، إنه لم يستطع كباقي رفاقه إبلاغ أي جهة عن عمليات إمداد “ضباط فاسدين ومرتشين” لعناصر التنظيم بمواد لوجستية.

وأضاف أن لديه معلومات عن أن حصص الضباط من الرشى المالية تتراوح بين مئة ومئتي دولار أميركي عن كل شحنة يتم إرسالها.

ويقول المجندون إنهم يخشون أن يتم اعتقالهم أو استهدافهم، لا سيما من قبل العناصر الأمنيين في الكتيبة، إن هم قاموا بالتبليغ عن أولئك الضباط.

وقال “سليمان” إن ضباط الكتيبة كانوا دائماً “يحذروننا من وجود خلايا داعش في الجهة الشرقية من تلول الصفا وأننا ربما نتعرض لأي هجوم ليلي من قبلهم.”

ورغم أن بعض الحوادث تشير إلى تنسيق عالي المستوى، إلا أن الجنود الذين تحدثوا لنورث برس يعرضون القضية على شكل “تورط ضباط فاسدين”، لا سيما أن الرشاوى شائعة في صفوف قطعات الجيش السوري.

ولا تخلو القطعات العسكرية في بادية السويداء أيضاً من مجندين يدفعون مبالغ مالية تتراوح بين 25 ألف و50 ألف ليرة ليرة لضباطهم مقابل الحصول على إجازة مدتها ثلاثة أيام أو أسبوع.

 كما أن هناك جنود يدفعون لضباطهم مبالغ شهرية قد تصل إلى 150 ألف ليرة مقابل عدم التحاقهم بقطعاتهم، على أن يتم طلبهم عند حصول تفتيش أو تفقد مفاجىء، بحسب شهادات جنود في قطعات للجيش السوري في السويداء.

حوادث وأدلة

وفي الريف الشرقي للسويداء، تسمع مراراً أحاديث بين سكان عن وجود “علاقات مشبوهة ومريبة بين ضباط حكوميين وعناصر لداعش ما زالوا متواجدين في عمق البادية.”

وقال رسمي زين الدين، وهو اسم مستعار لأحد سكان الريف الشرقي للسويداء، إن شباناً ينتمون لفصائل محلية في بلدتي الشبكي والشريحي بريف السويداء الشرقي والمحاذيتين للبادية الشرقية ضبطوا في الخامس من الشهر الفائت سيارة “بيك آب” كبيرة دون وجود لوحة مرورية عليها محملة بمؤن غذائية وأدوية.

وأضاف لنورث برس أن سائق السيارة حين سئل عن وجهته، أجاب بأنها مؤن لعناصر الجيش الحكومي الموجودين في البادية الشرقية.

لكن “زين الدين” قال إن مؤونة الجيش وكما يعرفها أبناء المنطقة تأتي عادة في سيارات من نوع “زيل عسكرية” تابعة للإمداد والتموين للفرقة 15 وفي وضح النهار وليس ليلاً.

وفي أيار/مايو الماضي وضعت فصائل محلية مناوئة للحكومة السورية في بلدة العفينة بريف السويداء الجنوبي يدها على شاحنة محملة بـ 800 كيلوغرام من مادة TNT المتفجرة، بحسب أحد قادة رجال الكرامة في المنطقة.

وبحسب اعترافات سائق الشاحنة، فإنه كان متوجهاً “للمجموعات الداعشية” المتمركزة في البادية الشرقية، وإنه عبر خمسة حواجز عسكرية حكومية بين درعا والسويداء دون تفتيش الحمولة أو إيقافها.

وقال المصدر، الذي اشترط عدم نشر اسمه، إن الفصائل المحلية ألقت القبض على ضابط مسؤول عن القطاع الجنوبي في السويداء يتبع للدفاع الوطني الحكومي، كان “متورطاً في نقل المتفجرات إلى داعش.”

لكن وبسبب إلحاح أحد مشايخ “العقل” بتسليم الشحنة إلى الجهات الحكومية المختصة، استجاب شبان الفصائل وقاموا بتسليم الحمولة للمخابرات الجوية بالسويداء.

لكن خبراً شاع بعدها عن أن “رشيد سلوم” قائد الدفاع الوطني في السويداء أفرج عن الشاحنة بحمولتها للتوجه إلى البادية الشرقية وتسليمها لعناصر من داعش في منطقة “وادي الغيضة” مقابل عمولات مالية قدرت بـ 50 ألف دولار أميركي.

دراسة موثقة

وصدرت في أيار/مايو الفائت عن المركز السوريّ للدراسات والأبحاث القانونيّة ومركز دراسات الجمهوريّة الديمقراطيّة، دراسة بعنوان “التوظيف في الصراعات الضدّيّة سلطة الأسد وتنظيم الدولة الإسلاميّة في محافظة السويداء، من إعداد الباحثين يوسف فخر الدين وهمام الخطيب.

وأوردت الدراسة، التي راجعها قانونياً المحامي أنور البني، الحادثة السابقة وحوادث أخرى أبرزها انقلاب سيارة محملة بالبندورة في ساحة تشرين بالسويداء في أيار/ مايو 2015.

وكشف تعرض السيارة للانقلاب بعد ملاحقتها من عناصر من فصائل محلية وجود120 صاروخاً من طراز “كونكرس” مضاد دروع و50 بندقية آلية روسية و50 قذيفة هاون وعشرات صناديق الذخيرة والمسدسات والقنابل اليدوية، كانت مخبأة تحت صناديق البندورة.

لكن السلطات في دمشق أصدرت آنذاك أحكام إعدام غيابية بحق عشرة أشخاص من فصائل محلية، لم يكن لهم علاقة بتلك الشاحنة، بحسب الدراسة.

وتقول الدراسة إن السلطات الحكومية وظفت وجود داعش وتوحشه لإخافة مجتمع السويداء، ومن ثم استثماره لإخماد حركات الاحتجاج واستنزاف قوة الفصائل المحلية.

ويرى الباحثان أن ما يتحدثان عنه هو “توظيف بالتنسيق” و”مثبت بالأدلة”، ومن جملة ما يعرضانه إمداد الحكومة تنظيم داعش بالسلاح عبر ميليشياتها والمهرّبين المرتبطين بها.

 إعداد: سامي العلي – تحرير: سوزدار محمد