الولايات المتحدة لا تفعل ما يكفي لمكافحة العنف ضد المرأة في سوريا

شهد الأسبوع الأخير من شهر تشرين الثاني/نوفمبر بداية لحملة عالمية نظمتها الأمم المتحدة تستمر لمدة ستة عشر يوماً ابتداءً من اليوم العالمي لمكافحة العنف ضد المرأة في الخامس والعشرين من الشهر الفائت وحتى العاشر من هذا الشهر.

وتشكل الحملة التي أطلقتها الأمم المتحدة تحدياً للدول الأعضاء ومنظمات المجتمع المدني لاتخاذ إجراءات لمكافحة التحرش وسوء المعاملة والاعتداء والجرائم الأخرى المرتكبة ضد النساء والفتيات.

ولم يشر بيان نشره المسؤولون الأمريكيون القائمون على الصراع السوري بهذه المناسبة إلى الانتهاكات والتحديات التي تواجهها النساء في سوريا.

وقامت السفارة الأميركية في سوريا بنشر تغريدة على صفحتها الرسمية على تويتر “لكل امرأة الحق في حياة خالية من العنف، وفي هذا اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة، نؤكد مجددًا التزام الولايات المتحدة بالقضاء على العنف ضد المرأة، وندعو شركاءنا في الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني إلى العمل معاً لاتخاذ إجراءات فورية.”

وتفتقر السياسة الأميركية تجاه هذه المسألة الهامة إلى تفاصيل ذات أهمية.

فرغم أن إدارة شمال وشرق سوريا قدمت أقوى استجابة مؤسساتية وقانونية تجاه مكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي وأوجه عدم المساواة فيه، إلا أن الولايات المتحدة لم تفعل الكثير لتسليط الضوء على هذا العمل الحاسم أو دعمه.

وبينما تتمتع تركيا وميليشيات الجيش الوطني السوري التابعة لها بسجل كئيب في مجال حقوق المرأة، إلا أنها واجهت القليل من كلمات الإدانة من قبل المسؤولين الأميركيين.

وفي المناطق التي سيطر عليها الكرد بعد ثورة التاسع عشر من تموز/يوليو، احتلت النساء المستضعفات أعلى المراتب في المؤسسات التي تم بناؤها. حيث افتتح أول بيت للمرأة في عفرين في أيلول/سبتمبر 2011، أي قبل عشرة أشهر من انسحاب قوات النظام السوري منها.

واستمر هذا النمط في المناطق التي تم تحريرها لاحقًاً من داعش، حيث تم افتتاح أول بيت للمرأة في مدينة منبج في تشرين الثاني/نوفمبر 2016، أي بعد ثلاثة أشهر فقط من سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على المدينة بشكل كامل.

وفي عام 2017، تم إنشاء قرية (جينوار)، وهي قرية نسائية مستقلة يعيش فيها نساء وأطفال ناجون من العنف الأسري وفظائع داعش وأشكال أخرى من العنف، وهم يديرون القرية من خلال لجنة اجتماعية ويسعون لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليل الاعتماد على الرجال.

وكان الإصلاح الدستوري أيضاً جزءاً مبكراً من أجندة شمال وشرق سوريا، ففي عام 2014 وعندما كانت داعش في ذروتها، أصدرت كانتونات عفرين وكوباني والجزيرة تشريعات تعلن “ضرورة منع العنف والتمييز ضد المرأة”، وأن “التمييز على أساس الجنس جريمة يعاقب عليها القانون”.

وتتضمن أحدث وثيقة دستورية في المنطقة، والتي تم تبنيها في جميع المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية اعتباراً من عام 2017، أوجه حماية مماثلة تقف ضد العنف القائم على النوع الاجتماعي، حيث تنص المادة 25 من ميثاق العقد الاجتماعي للإدارة الذاتية الديمقراطية على أن “استخدام العنف والتلاعب والتمييز ضد المرأة يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون”.

وفي الوقت الذي ما تزال فيه مشكلة العنف ضد المرأة بعيدة عن الحل، يبدو واضحاً أن الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا قد التزمت مسألة تطبيقها بشكل صادق، وهو إنجاز جدير بالثناء في مجال حقوق الإنسان.

ومن المحتمل أن تكون لسياسات الإدارة الذاتية أيضاً فوائد أمنية حقيقية، فقد وجدت الدراسات أن الدول التي تواجه فيها النساء قدراً أقل من العنف والتمييز تكون أكثر سلاماً وازدهاراً.

وعلى الرغم من ذلك، لم تقدم الولايات المتحدة أي مساعدة تذكر للبرامج والمنظمات المكرسة لهذه الأهداف. بل وبدلاً من ذلك، نظرت في الاتجاه الآخر حيث قامت تركيا والجيش الوطني السوري بتفكيك هذه الانجازات وتهديد النساء اللواتي قمن ببنائها.

لقد وثقت الأمم المتحدة في عفرين وسري كانيه (رأس العين) وتل أبيض التي تحتلها تركيا، كيفية تعرض النساء للاختطاف والزواج القسري والمضايقات والاغتصاب من قبل الجماعات المسلحة.

وأشار تقرير حديث صادر عن وزارة الدفاع الأمريكية إلى أن وزارة الخارجية كانت على علم بهذه الممارسات، إلا أنها اختارت عدم فرض عقوبات على أي من الفصائل التابعة الجيش الوطني السوري للرد على ذلك.

وأُلغيت في تلك المناطق كل قوانين الحماية ضد العنف والتمييز القائمين على نوع الجنس التي أقرتها الإدارة الذاتية، ويشير تقرير حديث صادر عن مركز توثيق الانتهاكات في شمال سوريا حول ارتفاع معدلات زواج الأطفال في عفرين إلى أن هذا قد يجعل هذه الممارسات بالغة الضرر أكثر انتشاراً.

وتواصل تركيا أيضاً انتهاك اتفاق وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الولايات المتحدة، مع تكثيف الهجمات على عين عيسى وحولها خلال الأيام الأخيرة. ومن شأن أي تقدم تركي جديد في المنطقة أن يعرض المزيد من النساء والفتيات للفظائع نفسها التي نشهدها الآن في المناطق المحتلة، وهو تطور غير مقبول.

وتدرك المنظمات النسائية في شمال وشرق سوريا أن الكفاح من أجل إنهاء العنف القائم على النوع الاجتماعي، في أوقات الصراع وأوقات السلم على حد سواء، يحتاج لفترة أطول من ستة عشر يوماً من كل عام لتحقيق النجاح.

وإذا كانت الولايات المتحدة تريد حقًا أن تكون كل امرأة قادرة على العيش بعيدة عن العنف، فإن أقل ما يمكن أن تفعله هو المساعدة في تعزيز المبادرات التي تم وضعها بالفعل على الأرض لتحقيق هذا الهدف في شمال وشرق سوريا، وأن تكون صادقةً تجاه التهديدات التي تواجهها المنطقة بأسرها.