الدبلوماسية الإيرانية في قبضة العدالة

أسد الله أسدي، اسم سيتردد في المستقبل القريب عبر وسائل الإعلام العالمية ومنصات التواصل الاجتماعي بتواتر عالِ، حيث تدور محاكمة المدعو أسدي ابتداء من 27 تشرين الثاني/ نوفمبر في مدينة أنتويرب في بلجيكا بتهمة الإرهاب. ميزة الخبر، كواحد من الأخبار الدولية التي تكتسب اهتماماً خاصاً وتغطية إعلامية كثيفة، تكمن في طبيعة عمل هذا الرجل وجنسيته ومكان الاعتداء الإرهابي الذي كان يخطط لتنفيذه قبل أن يفشل في تحقيق مخططه.

فأسد الله أسدي هو المستشار الثالث في السفارة الإيرانية في عاصمة النمسا، فيينا، وهو الدبلوماسي الإيراني المتهم بالوقوف وراء مخطط تفجير اجتماع للمعارضة الإيرانية في باريس، العام 2018. وقد أشار الادعاء الفدرالي البلجيكي إلى أن أسدي كان منسق الخطة التي تم إحباطها، وطالب بإنزال “العقوبة القصوى” بحقه التي قد تصل إلى السجن المؤبّد، كما طالب الادعاء بسجن شركائه الثلاثة المشتبه بهم لفترات تتراوح ما بين 15 و18 عاماً.

هذه هي المرة الأولى التي تحاكم فيها دولة عضو في الاتحاد الأوروبي مسؤولاً إيرانياً بتهمة الإرهاب إثر إلقاء القبض على أسد الله أسدي في الأراضي الألمانية وتسليمه للسلطات البلجيكية المختصة. إلا أن أسدي لم يحضر جلسة المحاكمة الأولى في القضية المرفوعة ضده، بل حضرها محاميه الذي نقلت عنه وكالة رويترز تبريره لغياب موكّله بالقول: “موكّلي يكنّ كل الاحترام لهؤلاء القضاة، لكن نظراً لأنه يتمتع بالحصانة الدبلوماسية، فإنه من غير المسموح لهم محاكمته.”

فرنسا التي أحبطت مخطط أسدي بالتعاون مع أجهزة أمنية بلجيكية وألمانية، كانت قد اتهمت المخابرات الإيرانية بتدبير محاولة الهجوم على أراضيها في العام 2018، وطردت إثر ذلك دبلوماسياً إيرانياً. كما كانت دول أوروبية عدّة قد اتهمت إيران، في وقت سابق من المحاولة الإرهابية في فرنسا، بأن حرسها الثوري يقف وراء تحركات أخرى مشتبه بها ضد معارضين لنظام الولي الفقيه في طهران، من بينها حادثا قتل في هولندا في العامين 2015 و2017، ومحاولة اغتيال فاشلة في الدانمارك.

لفتتني وأنا أعدّ مقالي هذا مصادفة تكاد تكون مقنعة للقاسم المشتَرك بين الاسم الأول والأخير للدبلوماسي الإيراني المتهم بالإرهاب العابر للحدود، أسد الله أسدي، واسم رأس النظام السوري الشريك لدولة الملالي، وقد مارس بدوره صنوف الإرهاب كافّة ضد المدنيين السوريين العزل على امتداد عشرات السنوات وارثاً هذا النزوع الإجرامي عن والده، حافظ الأسد، مهندس الإرهاب المنظّم بنسخته الأولى في حربه المفتوحة ضد السوريين، طمعاً في هدف واحد هو الاستمرار في حكم سوريا إلى الأبد، وتوريثه من بعده لأبنائه.

ولإن كان تقارب الاسمين (أسدي والأسد) مجرّد مصادفة لغوية، إلا أن التشاركية بنزعة العنف الطائفي الممنهج واستخدام التصفيات الجسدية ضد الخصوم السياسيين، تكاد تكون بمثابة (توأمة) فرضتها الأهداف المشتركة للنظامين الشموليين اللذين يمثلهما الرجلان؛ نطامان مستبدّان يحكمان من دمشق وطهران بنزعة طائفية تتّسم بالعنف العابر للحدود تنفّذه وحدات ميليشياوية تفرض لغة السلاح والقوة المفرطة على شعوبها، وربما على شعوب دول جارة مستقلة ذات سيادة. 

وفي حين تستمر طهران بنفي علاقة دبلوماسيّها بالتهمة الموجهة له وتعتبرها مجرّد تلفيق للنيل من سمعة ممثليها في الخارج، فإن وثيقة للشرطة الألمانية التي قبضت على أسدي وسلّمته للقضاء البلجيكي أفادت أنه حذّر بأن “جماعات لم يحدّد جهتها أو اسمها ستقوم بتنفيذ عمليات انتقامية في حال إدانته”!.

وبينما يبدو الاتحاد الأوروبي متمسكاً بالاتفاق النووي المبرم مع إيران في العام 2015 رغم انسحاب الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، منه في العام 2018، إلا أن دوله بدأت تستشعر أهمية الردع القانوني الذي يجب توجيهه لنظام الولي الفقيه في طهران. فطبقة الملالي الممسكة بالحكم هناك تعتقد ببليغ الغباء والعنجهية أنه بنجاحها في تصدير ميليشياتها المسلحة إلى العراق واليمن وسوريا ولبنان ستتمكّن من خلال التقية السياسية التي تمارسها من تمديد موجة العنف التي تعتليها، دون رقيب أو حسيب، منذ وصول آية الله خميني إلى الحكم جالباً أول نموذج لحكم الإسلام السياسي المذهبي.

لا نعرف كم ستكون الحصانة الدبلوماسية التي يحاول أسدي أن يتستّر خلفها بقادرة على حمايته في حال ثبت للقضاء البلجيكي ضلوعه في عمل إرهابي منظّم مع سابق العمد والترصّد. كما لا نعرف كم سيتمكّن الاتحاد الأوروبي بدوله الموقّعة على الاتفاق النووي في فيينا من التسامح مع هذه الواقعة التي جاءت لتؤكّد صحة نهج الإدارة الأميركية الجمهورية لضرورة الاستمرار والتصعيد في العقوبات الرادعة  المفروضة على نظام طهران لاختراقه المواثيق الدولية التي وقّع عليها، وتعريضه استقرار وسيادة أربع دول عربية لهزات مستمرة بواسطة ميليشياته التي ينشرها بأسماء متفاوتة بين حوثيين في اليمن، وحزب الله ومشتقاته في لبنان وسوريا، والعصائب في العراق.

فصل المقال يكمن في قبضة القضاء البلجيكي. ففي حال إدانة أسدي بضلوعه في عملية إرهابية على أراض أوروبية، والحكم عليه، ستكون الواقعة برهاناً ودليلاً مدموغين بالقضاء الدولي على “إرهاب الدولة” المنظّم لإيران؛ وعندها فقط سيفسد مفعول التقية السياسية التي مارسها الرئيس حسن روحاني، بادعائه “الغضب من هذه العملية التي قامت بها أجهزة الاستخبارات الإيرانية والتي تتدخّل دائماً بصورة مناقضة لخطط الحكومة”، وذلك في تصريحات له تزامنت مع زيارة أوروبية لتعزيز الموقف من الاتفاق النووي بما يساعد، حسب اجتهاده، في إقناع الرئيس الأميركي المنتخب، جو بايدن، بفتح صفحة جديدة مع طهران عبر العودة إلى ما كان عليه الحال النووي قبل رئاسة دونالد ترامب.