“فرن الدراويش” في تل تمر.. مشروع نازحات بريف حسكة لإنتاج الخبز

حسكة – نورث برس

في محل صغير وسط بلدة تل تمر شمال مدينة حسكة، شمال شرقي سوريا، تداعب النازحة إيمان سليمان العجين بخفة ومهارة، بينما يقف زبائن بالقرب منها بانتظار دورهم للحصول على الخبز.

وتتشارك “سليمان” مع ثلاث نازحات أخريات العمل في صناعة الخبز وإدارة مشروع “جمعية تنور تل تمر” الذي افتتحنه منذ ثمانية أشهر بدعم من لجنة الاقتصاد في مجلس البلدة التابع للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.

“عمل منزلي أصبح مهنة”

ونشأت فكرة افتتاح الفرن عقب تهجير إيمان سليمان والنسوة الأخريات عقب سيطرة الجيش التركي وفصائل المعارضة المسلحة التابعة لها خريف العام الماضي على مناطقهن بريف مدينة سري كانيه (رأس العين).

تقول هؤلاء النساء إن عائلاتهن بحاجة إلى عملهن لمواجهة الظروف المعيشية التي تدهورت خلال سنوات الحرب، ولا سيما بعد نزوحهن.

وقالت “سليمان”، لنورث برس، إنها أم لستة أطفال وإن وضع زوجها الصحي لا يسمح له بالعمل، ما دفعها لاستغلال فرصة العمل هذه.

وأضافت: “السبب الذي دفعنا لافتتاح الفرن، هو أننا لسنا ذوات شهادات، ولا عمل نتقنه سوى صناعة الخبز والأعمال المنزلية.”

وورثت صانعة خبز التنور والصاج، كما مثيلاتها، مهارتها عن والدتها، لأن الحياة الريفية تطلبت منهن تلبية احتياجات عائلاتهن في حال عدم توفر الخبز في الأفران، لكن الحرفة فتحت أمامهن مصدر كسب بعد النزوح.

ورغم البيئة المحافظة التي تنتمي لها النازحات والتي تعرقل عمل النساء عادة، تصر العاملات على الاستمرار في إنجاح مشروعهن.

تشير “سليمان” إلى زيها العربي التقليدي المتعارف عليه في المنطقة، وتقول إنه دليل على انتمائها لمجتمعها، لكن هذا لا يعني التوقف عن السعي لتأمين معيشة كريمة لعائلتها.

“الهدف الذي جمعنا كعاملات في هذا الفرن أكبر بكثير من نظرة المجتمع إلينا، المهم بالنسبة لنا إدارة شؤون عائلاتنا وعدم الحاجة لمد أيدينا لأحد.”

“أسعار مناسبة وزبائن راضون”

وأمام فرن حديدي صغير، تقف السيدة الثلاثينية وهي تغطي وجهها بلفاح أسود والعرق يتصبب من جبينها، تخبر أحد زبائنها أنها ستعطيهم كميات أقل مما يطلبونه، بسبب طلبية طارئة لإحدى خيم العزاء.

تقول إيمان سليمان: ” نحن هنا أربع مساهمات في المشروع، وأحياناً عندما يكون ضغط العمل كبيراً نقوم بجلب عاملتين أخريين لمساعدتنا.”

وتضيف أن إنتاجهن من خبز الصاج والتنور يتحسن يوماً بعد آخر، ليتحسن الإقبال أيضاً.

وتقول بثينة أسيود (31 عاماً)، وهي إحدى زبائن الفرن إن سبب ارتيادها الفرن يعود إلى نظافته ولذة خبزه ورخص أسعاره.

وتضيف: “يمكننا شراء كمية من الخبز هنا، فوضعنا المعيشي لا يسمح لنا بشراء الخبز من الأفران الخاصة الأخرى بسبب ارتفاع الأسعار.”

وتحتوي بلدة تل تمر على فرن عام وحيد لا يلبي حاجة السكان، لا سيما منذ استقبال المنطقة لنازحي سري كانيه، رغم أن لجنة الاقتصاد بالبلدة كانت قد قامت بتنظيم جدول لتوزيع الخبر في البلدة وريفها بالتناوب، بحسب الإداري باللجنة دلدار يوسف.

كما يعمل فرن للخبز السياحي وثلاثة أفران حجرية لإنتاج الخبز البلدي “السميك” وثلاثة أفران تنور على سد النقص في حاجة البلدة وريفها.

 وتباع ربطة الخبز من الفرن الحكومي بـ 125 ليرة للربطة الواحدة، والسياحي بـ 500 ليرة، بينما يباع الرغيف الواحد من الخبز في الأفران الحجرية وأفران التنور بـ 150 ليرة سورية على الأقل.

لكن مشروع “جمعية تنور تل تمر” يبيع الرغيف بسعر 100 ليرة سورية، وهو ما دعا بعض السكان لتسميته بـ “فرن الدراويش.”

 كما أن الفرن لا يبيع إنتاجه لمطاعم البلدة، بل يبقى الباب مفتوحاً لسكان وطلبات عائلية بكميات صغيرة، بحسب المشرفات على الفرن.

احتياجات ومشاريع صغيرة

وتعبر “أسيود”، التي اشترت حاجة عائلتها من الخبز، عن إعجابها بفكرة المشروع النسائي في ظل الأوضاع المعيشية التي تشهدها البلدة والمنطقة.

وتطمح للعمل أيضاً، كغيرها من النساء العاملات، إلا أنها لم تحصل حتى الآن على فرصة عمل تناسب ميولها وإمكاناتها.

وكان قسم الجمعيات التعاونية في لجنة الاقتصاد بتل تمر، قد أعلن قبل أشهر عن دعمه لمشاريع صغيرة في المنطقة.

 وكان مشروع “جمعية تنور تل تمر” ومشروع مشغل خياطة من بين المشاريع التي حصلت على دعم اللجنة، وتدعم لجنة الاقتصاد الفرن الصغير بـ /650/ كغ من الطحين شهرياً.

وتتقاسم العاملات الأرباح التي يجنينها كل يوم، بينما يرسلن نسبة 5% من الأرباح شهرياً للجنة الاقتصاد التي تقول إنها تخصصها لدعم مشاريع صغيرة أخرى في البلدة

وتعلل السيدة الثلاثينية التي تشرف على عمل الفرن سبب رخص الخبز لديهن إلى دعم لجنة الاقتصاد لهن بمادتي الطحين والمازوت بأسعار مخفضة.

لكنها تقول إن كمية الطحين الواردة لا تكفي زبائن الفرن، “ولو كان الدعم أفضل من الحالي لاستطعنا البيع بسعر أرخص، لكننا نضطر نهاية الشهر لشراء كمية من الطحين من الأسواق بسعر مرتفع.”

ويحتاج مشروع النساء النازحات إلى مولدة كهرباء لتشغيل آلة العجن، “نظراً للانقطاع المتكرر للكهرباء، وأحياناً تزداد الطلبات فنحتاج كمية إضافية من العجين لكننا نتوقف بسبب عدم توفر الكهرباء.”

وتطمح النساء الأربع، عقب نجاح مشروعهن، لتطوير عملهن وافتتاح محل لبيع الفطائر في المستقبل القريب.

إعداد: دلسوز يوسف – تحرير: حكيم أحمد