رغم الرفض الاجتماعي.. “المساكنة” نمط عيش موجود في العاصمة دمشق
دمشق – نورث برس
ظهرت “المساكنة” كنمط عيش لبعض الأشخاص في العاصمة دمشق خلال سنوات الحرب، وهو ما قوبل بمواقف متباينة من ناشطين اجتماعيين بين تأييد ورفض.
والمساكنة أو الشراكة المنزلية هي اتفاق بين طرفين أو أكثر للعيش ضمن منزل واحد دون زواج، وغالباً ما يكونون منخرطين معاً في علاقة جنسية قد تكون وفق عقود زواج غير رسمية.
ولا يحتوي القانون السوري مواد حاسمة تمنع المساكنة أو تبيحها، ويأخذ الشارع مواقف مختلفة بين الإدانة الاجتماعية لانتهاكها للأعراف والعادات والقبول بها على أنها حرية شخصية.
“فترة اختبار”
وقالت سمر خالد (26 عاماً)، وهو اسم مستعار لفتاة من دمشق، إنها عاشت تجربة مساكنة لفترة مع شاب وانفصلت عنه بعد علاقة جنسية جمعتهما بعد معرفتها أنهما غير متفاهمين على “قضايا جوهرية.”
وترى الفتاة أن التجربة منعتها من الارتباط بشاب لا يناسبها، “فلو لم أسكن معه لما اكتشفت هذه التفاصيل.”
وأشارت “خالد” إلى أنها على معرفة ودراية بأن أفكارها بعيدة عن المجتمع وتصطدم بالعادات والتقاليد، “لذا أعيش قناعاتي بسرية تامة ولو كنت في مجتمع لا يستنكر هذا السلوك ولا يعتبره جريمة لكنت أعلنت عنه.”
وبينما يشير غالبية رافضي هذه الظاهرة إلى احتواء الأمر على تقليد للغرب مع تأثير ظروف الحرب وانعكاساتها المعيشية والاجتماعية، يشير آخرون إلى أنماط زواج معروفة سابقاً رغم محدودية انتشارها.
ورأى كامل علي (30 عاماً)، وهو اسم مستعار لشاب من مدينة دمشق يعمل في تصنيع الآلات الموسيقية، أن المساكنة ليست تقليداً للغرب، “فهناك في مناطقنا زواج عرفي، وهو لا يختلف كثيراً عن المساكنة.”
وعن تجربته الشخصية أشار إلى أنه خاض تجربة المساكنة أربع مرات في حياته استمرت أطولها لمدة أربعة أعوام، فيما استمرت التجارب الأخرى عدة أشهر.
وقال الشاب الثلاثيني إن تجربته الأولى والتي استمرت أربعة أعوام كانت خلال دراسته الجامعية، “عشنا علاقة كاملة بكل تفاصيل حياتنا، أستطيع تسميتها بعلاقة مدنية.”
وعبر الشاب عن اعتقاده في أن المساكنة هي فرصة لمعرفة التفاصيل الحياتية “التي لن تراها بشكل واضح إلا اذا عشت مع الشريك في بيت واحد، فالمساكنة تمنح فترة اختبار ومعرفة أوضح قبل بدء علاقة زوجية ناضجة.”
قانون غائب
بدوره قال سامر كحل، وهو محام مقيم في دمشق، إن القانون السوري يحتوي تناقضاً في تناول هكذا جوانب، فهو “لم يدن المساكنة ولم يبحها علناً.”
لكنه أشار في حديثه لنورث برس إلى أن “قانون العقوبات يسمح بالحرية الجنسية للرجل والمرأة العازبين، ويعتبر ذلك من ضمن الحقوق الشخصية التي يصونها الدستور، بينما يعتبر في الوقت نفسه المساكنة من الجنح المخلة بآداب الأسرة ويعاقب عليها تحت اسم الزنا.”
وتنص المادة 473 من قانون العقوبات السوري على أن ” المرأة الزانية تعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين، ويقضى بالعقوبة نفسها على الشريك الزاني إذا كان متزوجاً، وإلا فالحبس من شهر إلى سنة.”
وأضاف المحامي أنه في حال التبليغ عن الشاب والفتاة من قبل الجيران والقبض عليهما وهما يمارسان الجنس، فسيعاقبان من قبل القانون بالحبس في حال لم يكن معهما ورقة إثبات زواج عرفي، أما في حال وجود ورقة تثبت الزواج العرفي، فسيثبت القاضي زواجهما أصولاً.
“أما في حال القبض عليهما بسبب وجودهما في المنزل نفسه دون ممارسة الجنس فلا تتم محاسبتهما عادة، لأن من الممكن أن تربطهما علاقة عمل أو أي علاقة أخرى.”
ويشدد المحامي على ضرورة الاعتراف بظاهرة المساكنة ومعالجة الخلل في نصوص القانون لحسم الموضوع.
“عقود مساكنة”
وقالت حنان الغزالي، وهي أخصائية بالصحة النفسية وحاصلة على درجة الماجستير في التربية الخاصة، لنورث برس، إنها لا ترى مشكلة في المساكنة “شرط أن تكون قائمة بين شخصين يمتلكان الوعي الكافي، بمعنى يجب أن يكون العمر أكثر من 25 عاماً.”
وأشارت إلى أن الظروف الاقتصادية الصعبة تلعب دوراً في انتشار الظاهرة، لكنها شددت على ضرورة تثبيت الزواج في حال حدوث حمل.
“بكل الأحوال المساكنة هي تهرب من مسؤوليات الالتزام والارتباط، ولكنها تتيح لطرفي العلاقة الاستغناء عن أعباء الزواج المادية.”
ورأت الأخصائية النفسية أن الرفض المجتمعي للمساكنة “نابع من المعتقدات الدينية.”
وتعتقد “الغزالي أن الحلول يمكن أن تتم عبر “عقد مساكنة، وإن كان بشروط مختلفة عن شروط عقد الزواج التقليدي.”
“خلط بين مفاهيم”
ويعتقد غالبية السكان، ومن ضمنهم مثقفون وسياسيون، أن المساكنة هي جزء من دعوات بهدف الابتعاد عن الشرع والعادات الاجتماعية والسقوط في متاهات بعيدة عن ثقافة المجتمع الدمشقي والسوري عموماً.
وقال سليم خراط، وهو أمين عام لحزب التضامن الوطني الديموقراطي، إن من الضروري انتقاد فكرة المساكنة لأن “عاداتنا وأخلاقنا وتعاليم ديننا الحنيف هي خط أحمر ولا نسمح بالمساس بها، فثقافتنا المجتمعية هي الأساس والمرجع.”
ويرى “خراط” أن من الجيد أن المجتمع مازال بعيداً عن إمكانية السماح بهذه الأنماط “في ظل عادات أخلاقية واجتماعية توارثناها، وإن شذ البعض فهو ليس إلا بعض.”
بينما يقول محمد الشماع، وهو رئيس تيار وعي المدني، إن هناك “خلطاً بين المفاهيم، حتى بين المثقفين والسياسيين”، يمنع وضع حلول لمشكلات وظواهر موجودة.
ويفضل “الشماع” الاعتراف بظاهرة المساكنة “سواء كنا نؤيدها أو نرفضها، فبدل مهاجمة الشباب الذين يلجؤون إليها، علينا العمل على ايجاد أدوات لمساعدتهم على الزواج وتخطي الضغوط الاقتصادية والنفسية التي أفرزتها الحرب.”