مطحنة بريف ديرك تؤمن حاجة زبائنها من مواد غذائية منذ 50 عاماَ

جل آغا – نورث برس

يتردد سكان بلدة جل أغا (الجوادية) وريفها شرق مدينة قامشلي، شمال شرقي سوريا، منذ خمسة عقود على مطحنة “السنابل الذهبية” في قرية شبك غرب البلدة، لجرش الحبوب كالقمح والعدس والشعير وذرة صفراء، منها ما يستخدم للطبخ ومنها كمواد علفية للمواشي.

ومع ارتفاع أسعار البرغل والسميد والطحين والعدس، يزداد إقبال السكان على المطحنة لطحن الحبوب التي لا تعد مكلفة مقارنة مع أسعار تلك المواد في الأسواق.

وتغطي المطحنة احتياجات من يتوجهون إليها من مواد الطحين والبرغل والعدس والسميد والفريكة، بالإضافة لأعلاف الدواجن والمواشي.

منتجات تقليدية

وقالت بمبو رسول (63 عاماً)، وهي من سكان قرية شبك، إن الغلاء في الأسواق عاد بهم للصناعات التقليدية القديمة التي لا تعد مكلفة مقارنة بما نشتريه من الأسواق.

وأشارت إلى أنهم يلجؤون لصنع الخبز في المنزل من القمح المطحون، في ظل “عدم جودة” خبز الأفران.

من جانبه، قال أحمد العزو (65 عاماً) من سكان قرية القاسمية بريف بلدة جل آغا، إنه يلجأ لطحن القمح المسلوق وصناعة البرغل منه في المطحنة آنفة الذكر، لأن “البرغل المنزلي أطيب وألذ من برغل السوق فهو ينضج أثناء السلق بشكلٍ جيد.”

وعن أسعار الطحن وهل للمطحنة نصيب من موجة ارتفاع الدولار والغلاء، أشار “العزو” إلى أنه  يتردد على المطحنة منذ 35 عاماً، “لا أرى أنّ أسعارهم مرتفعة للحد الذي ينفر منه الناس.”

وأضاف أن هناك “زيادة طفيفة” في الأسعار، حيث “تقوم المطحنة بطحن كل تنكتين ونصف من القمح بألف ليرة سورية فقط.”

علاقات وذكريات

ولا تُعتبر مطحنة “السنابل الذهبية” الوحيدة في ريف ديرك، لكنها الأقدم والأشهر بين السكان، فعلى مدار 50 عاماً، شهدت قصصاً وحكايات باح بها أصحابها أثناء انتظارهم لدورهم في طوابير أمام المطحنة، حسب ما ذكره “العزو”.

وقال سكان من قرية شبك وقرى أخرى مجاورة إن المطحنة ولقدمها لعبت دوراً مهماً في تقوية العلاقات الاجتماعية والأسرية من خلال تعارف السكان وتبادلهم للأحاديث.

ويقوم السكان إلى اليوم بكتابة أسمائهم على أكياس موادهم خشية أن تختلط مع غيرها نتيجة الازدحام في المطحنة، ولنساء وأهالي القرى البعيدة الأولوية في الطحن “فهذا عُرف لا يمكن تجاوزه”، بحسب سكان من القرية.

وقال عبد الرزاق أمين مرشحة (65 عاماً)، وهو صاحب المطحنة، إن أجيالاً من كرد وعرب ومسيحيين من كافة القرى والبلدات من ديرك إلى تربسبي (القحطانية) وتل حميس اعتادت على المجيء إلى المطحنة والأكل من منتجاتها.

ويستذكر الرجل الستيني أيام المطحنة في السابق،  “كنت أراقب مفارق الطرق الفرعية للقُرى أثناء توافد السكان وهم يحملون أرزاقهم على ظهور حميرهم ليطحنوها فأعلق مردداً جاء الشغل والخير.”

وقدم “مرشحة” مع عائلته، قبل عشرات السنين من مدينة حلب إلى مناطق في شمال وشرق سوريا، “تنقلنا بمطحنتنا من حسكة إلى درباسية ليستقر بنا المطاف في ريف جل آغا.”

آلات للأصناف

وكل آلة في المطحنة مخصصة لطحن مادة معينة، فآلة طحن الطحين تختلف عن آلة جرش العدس والبرغل المقشور ويختلف عن البرغل العادي وهناك غربال كهربائي يتم فيه الفرز والتنظيف.

وذكر صاحب المطحنة أن المطاحن مرت بأطوار حتى وصلت للشكل الآلي الحالي، فكانت ربات المنازل سابقاً تطحنّ الحبوب باستخدام الرحى الحجرية فيستغرقن أياماً طويلة لإنجاز الكمية التي تحتاجها كل منهن.

“وقبلها استخدمت الميجنة، حيث يتم وضع القمح بكيس الخيش وتبدأ ربات المنزل بضربه، ورغم أننا نحافظ على الطعم التقليدي نطحن ما يقارب 350 كغ من الطحين في ساعة.”

وأضاف صاحب المطحنة وهو ينفض غبار الطحين عن وجهه ويديه: “لدينا أيضاً آلة لجرش وطحن المواد العلفية للمواشي من شعير وذرة صفراء وقمح”.

وأشار “مرشحة” إلى علاقاته “الجيدة” بسكان المنطقة، “يتعاون الجميع معي، يساعدون في حمل أكياسهم ليدخلوها لرحم المطحنة التي ستنتج لهم برغلاً وطحينا وعدس، أستعين بعمال فقط أثناء المواسم وزيادة الازدحام.”

إعداد: سلام الأحمد – تحرير: سوزدار محمد