مصممو إضاءة في دمشق: تقنيات الإضاءة الذكية تغيب عن المسرح السوري
دمشق – نورث برس
يرى مصممون يعملون في مجال الإضاءة المسرحية في العاصمة دمشق إن سوريا لم تواكب التطورات التكنولوجية والتقنيات الحديثة لصناعة الأعمال الفنية البصرية والسمعية.
وقال أدهم سفر، وهو مصمم إضاءة ورئيس قسم التقنيات المسرحية في المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق، لنورث برس، إن سوريا لم تواكب تطور التقنيات البصرية “ولم يصلنا منها سوى شذرات منذ عام 2010 مع بداية الحرب في سوريا.”
ورأى “سفر” أن أسباب عدم المواكبة تتلخص في عدم توفر سوق عمل يوفر هذه الأجهزة الحديثة إلى جانب تكلفتها العالية، “فتقتصر التجهيزات لدينا على الأجهزة صينية الصنع و بعضها لا يحمل حتى اسم الشركة المصنعة.”
وتقتصر تحديثات أجهزة التقنيات البصرية في سوريا، ولا سيما أجهزة الإضاءة، على تدعيم الأجهزة فقط عوضاً عن استيراد ما هو أفضل من ناحية الجودة لاستبدالها.
وتم تأسيس قسم للتقنيات في المعهد العالي للفنون المسرحية في العام 2006، بعد أن كان مجرد شعبة في قسم السينوغرافيا (تصميم ديكور للسينما والتلفزيون والمسرح وتصميم ملابس الممثلين وأزيائهم).
“جهاز وحيد”
وتتجه الاستخدامات العالمية نحو الإسقاط الضوئي أو ما يسمى “projection mapping” (تقنية إسقاط تستخدم لتحويل الكائنات إلى سطح عرض لعرض الفيديو)،والاستغناء عن وجود ديكور أو أشخاص عبر تقنيات حديثة.
بينما تبقى أجهزة الإسقاط في سوريا ليست ذات جودة عالية تكفي لاستخدامها في العروض وتعتمد عليها فقط كمصدر للضوء، بحسب “سفر”.
وتمتلك سوريا جهاز إسقاط وحيد ذا جودة عالية وهو موجود في دار الأوبرا في العاصمة دمشق.
وذكر مصمم الإضاءة أن استيراد التقنيات الحديثة ليس صفقة رابحة للشركات المستوردة، إذ أنها ” تجارية بحتة ولا تهتم بالجانب الفني على حساب الربح في ظل غياب سوق فني يخص المسرح تحديداً.”
ويقتصر استخدام شاشات “LED” التي هي جزء مهم في العالم البصري على أبسط الأشكال في سوريا، علماً أنها تستخدم عالمياً للتأثيرات البصرية في العروض التفاعلية.
وأشار رئيس قسم التقنيات المسرحية في المعهد العالي للفنون المسرحية إلى محاولات تطوير من قبل بعض المخرجين أو العاملين في مجال الإضاءة، “إلا أنها بقيت أشبه بمحاولات تقليد لعروض عالمية.”
وقد يرغب المنتج مثلاً بتطبيق ما هو منتشر على وسائل التواصل الاجتماعي و يطلب من الفنان تنفيذه لأنه يرغب ببيع أكبر عدد من البطاقات، “لكن العمل سيتحول إلى الإبهار فقط مع غياب الجوهر الفني والابتكار”، على حد قول “سفر”.
“تجارب فردية”
وعن تجربته في العرض المسرحي “تحول”، والتي عرضت في العام 2017 على مسرح الحمراء بدمشق وتم فيها الاستغناء عن الحوار تماماً واستخدمت الموسيقا والعرض البصري الضوئي، رأى “سفر” أنه “لم تكن تجربة ناجحة ولم ترق للمستوى العالمي.”
فغياب الطاقم الفني القادر على صناعة هذا النوع من العروض ومواجهة عقبات في آلية شرح طريقة العمل وإيصال الفكرة لطاقم العمل، بالإضافة لغياب الثقافة عن التجربة الجديدة، “أدت لإنتاج عمل لا يرقى للمستوى الذي نطمح له.”
وكان قسم التقنيات في المعهد العالي للفنون المسرحية قد أقام ورشة عمل لطلابه بالتعاون مع شركة هارموني لأجهزة الإضاءة والصوت في العام 2019، لتعليم الطلاب على استخدام الأجهزة الحديثة.
وأقام المعهد العالي للفنون المسرحية بعد انتهاء الورشة عرضاً قصيراً يعتمد على الإضاءة و الصوت فقط، والذي يعتبر الأول من نوعه في المعهد.
ويعاني قسم التقنيات في المعهد العالي للفنون المسرحية من قلة الإمكانات من حيث التجهيزات، بالإضافة إلى افتقاره للخبرات الأكاديمية في هيئة التدريس.
واعتمد بسام حميدي، وهو مخرج مسرحي، في عرضه المسرحي “المنديل” الذي عرض مؤخراً في دار الأوبرا في دمشق على عرض بصري حركي تفاعلي، حيث لم يتضمن العرض أي شكل من أشكال الديكور واعتمد فقط على الإضاءة وراقصين يتفاعلان بشكل كامل مع ما يتم عرضه من صور ومشاهد متحركة.
وذكر “حميدي” أنه قام بشراء كافة الأجهزة من خارج سوريا ليقوم بهذه التجربة، “إذ أننا في سوريا لا نملك مثل هذه المعدات التي تخدمنا لخلق عالم بصري جديد ومتكامل يقدم صورة احترافية للمشاهدين.”
“أغراض استعراضية”
لكن أماني فرج، وهي مصممة إضاءة وأستاذة في المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق، رأت أن العروض التي تستخدم فيها الإضاءة الذكية والتقنيات الحديثة لا تعتمد على المضمون أو النص أو الإحساس.
“وإنما تعتمد على ديناميكية الحركة في الأجهزة الذكية التي يتم التحكم بها إلكترونياً بشكل كامل فتؤدي وظيفة إيقاعية سهلة وسريعة.”
واعتبرت “فرج” أن العروض الدرامية التي تتطلب الأجهزة الكلاسيكية، “تعطي للعمل روح المسرح الحقيقية، ويضاف إليها إحساس المصمم باللون والحرارة و الزوايا وطريقة تداخل الإضاءة مع الممثلين والسينوغرافيا بشكل عام.”
ورأت أن هذا شكل سبباً رئيساً لابتعاد المخرجين المسرحيين عن الإضاءة الذكية والتقنيات الحديثة.
وذكرت “فرج” أنها تعتمد في عملها كمصممة إضاءة على ثلاثة عناصر أساسية درامية وجمالية وخدمية، بالإضافة إلى دراسة اللون بشكل جيد، مع الأخذ بعين الاعتبار نوع العمل المسرحي والديكور والأزياء واللون والمدرسة الإخراجية للعمل.
وقالت إن غالبية المسارح العربية لا تعتمد على الرأي العلمي والتحليل الدرامي للإضاءة، “ومع غياب التقدير للاختصاص و للاختصاصيين الأكاديميين في هذا المجال لا توجد أهمية حقيقية للإضاءة المسرحية التي تستخدم بالتالي لأغراض خدمية أو استعراضية فقط.”