الضفة الغربية ـ NPA
تواصل حركة “حماس” صمتها الرسمي إزاء التقارير التي تتحدث بين الفينة والأخرى مؤخراً عن محاولات واتصالات لترميم العلاقة بين الحركة والحكومة السورية التي انهارت على إثر موقفها الداعم “للثورة السورية” عقب اندلاعها عام 2011.
ولعل صمت الحركة وعدم نفيها هذه التقارير التي وصلت لحد الإشارة إلى لقاءات وجاهية تمت في الآونة الأخيرة بين قيادات من الحركة لا سيما نائب رئيس مكتبها السياسي صالح العاروري- المقيم في العاصمة اللبنانية بيروت- ورموز من الحكومة السورية، نابع من إقرارها بوجود هكذا نوع من الحراك بغض النظر عن مستواه وغايته للوصول إلى صيغة معينة من العلاقة بين الطرفين وإن كانت غير مكتملة بعد.
وجاءت تسمية جمعة مسيرات العودة على حدود غزة الشرقية قبل نحو شهر بـ”الجولان عربي سوري”، بمثابة مجاملة من قبل حركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي” للحكومة السورية، حيث قال مصدر من “حماس” لـ”نورث برس” إن التسمية كانت محاولة من حركته للتأكيد على أن القضية الفلسطينية لها ارتباطاتها الإقليمية والمحورية وكان يشير بذلك إلى محور “إيران-دمشق”.
الواقع أن محاولات التقارب بين الحكومة السورية و”حماس” بدأت قبل أكثر من عامين بعدما تمخضت انتخابات مكتب الحركة السياسي لقيادة جديدة بدون خالد مشعل الذي شغل رئاسته السابقة وكان قد اتخذ القرار المعهود بدعم “الثورة السورية” وخروجه من العاصمة دمشق التي كانت المكان الدائم لقيادة حماس الخارجية لسنوات. وكأن “حماس” أرادت الآن، أن تطرح من خلال بعض قياداتها المقربة من إيران، خطوة مفادها أنه “لا مانع لترميم العلاقة مع سوريا ولو بمستوى معين، حتى لو كان من باب منطق المصلحة المتبادلة”.
بيدَ أنّ القيادي في “حماس” غازي حمد أوضح لـ”نورث برس” أن موضوع العلاقة مع الحكومة السورية لا يزال مطروحاً للنقاش، وأن هناك آراءاَ متعددة في أروقة الحركة، إلا أنه تحفظ إزاء الحديث عن مخاض هذا النقاش، مشيراً “لا أستطيع أن أخبرك إلى أين وصل الموضوع”. لكن حمد، حسم هذا الاتجاه ومدى التطور الحاصل على صعيده من خلال التلميح- ضمناً- إلى عدم اتخاذ قرار نهائي من خلال قوله “لا توجد رؤية محددة وواضحة حتى الآن”.
ويُقرّ حمد أن موضوع العلاقة مع الحكومة السورية “حساس ومعقد” كون الأخيرة لديها “مشاكل مع أطياف شعبية سورية واسعة”، منوهاً إلى أنه لا علم لديه عن أي لقاءات وجاهية جمعت قيادات من الحركة لا سيما صالح العاروري مع أي جهة من الحكومة لهذه الغاية.
كما وأوضح أنه لا حديث لدى حركته عن أي ترتيب لزيارة مستقبلية من قبل رئيس المكتب السياسيي لـ”حماس” اسماعيل هنية إلى العاصمة السورية دمشق.
ويؤكد غازي حمد في الوقت ذاته أن رسائل طُرحت على حركته من قبل عدة أطراف لم يُسمها في سبيل تحسين العلاقة مع دمشق.
لا يُخفي حمد أن تفكير “حماس” بمبدأ تحسين العلاقة مع دمشق جاء من منطلق أن الحركة تريد أن تنأى بنفسها عن الصراعات العربية الداخلية، كما يقول، وأن تُحسن الحركة علاقاتها مع مجمل المحيط العربي لا أكثر، انطلاقاً من استراتيجية البقاء والتأثير.
ويبدو مما رصدته “نورث برس” أن هناك وجهة نظر لدى أطراف في حماس مفادها “تحسين العلاقة مع الحكومة السورية لمستوى معين (دون أن تتطور لأقصى حد) يضمن عدم القطيعة التامة أو أي حالة من الاشتباك، ويمكن أن تخلق حالة من توازنات القوى التي تخدم الحركة”.
ويعود عدم إمكانية العودة التامة للعلاقة “الطبيعية” بين الجانبين لاعتبارين؛ الأول، أن هناك حالة من عدم الثقة المتبادلة بين حماس ودمشق.
والثاني، لا تريد حماس أن تخسر مكانتها وعلاقتها مع المعارضة السورية وجهات أخرى جراء ترميمها العلاقة مع الحكومة السورية وكأن شيئاً لم يحدث، ثم تظهر وأنها بموقف “انتهازي” مبني على مصلحتها الشخصية على حساب الوجع السوري.
وتقول تقارير غير مؤكدة إنه منذ استقرار القيادي في حماس صالح العاروري قبل أكثر من عامين في لبنان، كان ملف العلاقة مع سوريا على رأس الأولويات، إذ شهد حراكاً لافتاً في الأشهر القليلة الماضية. وذكرت التقارير إنه جرت لقاءات اشتُرط أن تكون غير معلنة وغير رسمية وسادت إحداها أجواءُ العتب من الجانب السوري.
واكتفى غازي حمد بالقول إنه لا معلومات لديه حول ما قيل عن لقاء بين العاروري ورئيس مكتب الأمن الوطني السوري، اللواء علي المملوك، بوساطة من إيران وحزب الله، وما إذا كان الاجتماع بلا نتيجة مباشرة. كما وعبر عن الموقف ذاته إزاء لقاء آخر منسوب لقيادة الحركة مع مستشارة الرئيس السوري، بثينة شعبان.
وبالرغم من موقف دمشق “البارد” إزاء ما سميت باتصالات لتحسين العلاقة مع “حماس”، فإن ثمة عقبة أخرى تتعلق بحماس نفسها؛ إذ أنه يوجد تباين بوجهات النظر لدى قيادات الحركة إزاء فكرة التقارب من دمشق أصلاً، وحتى مستوى تحسين العلاقة وماهيتها.
ويدلل على هذا التباين، ما قاله قيادي في “حماس” من المستوى المتوسط لـ”نورث برس” حينما رفض الحديث والتعليق على الأمر، موضحاً بلكنة ضاحكة “أنا أهرب دوماً من هذا السؤال”، ثم يتابع “أنا على المستوى الشخصي لا أحب التقارب من نظام مجرم قتل شعبه”. وأضاف “ابحثوا عن قيادي حمائمي غيري في حماس قد يقول غير ذلك”.
والحق، إذا ما تمعنّا بهذه العبارات القصيرة التي خرجت من فم ذلك القيادي المقيم في غزة، من قبيل “ابحثوا عن حمائمي غيري” و”نظام مجرم”، يختزل خلافات في وجهات النظر بين قيادات حماس بخصوص مدى التقارب من الحكومة السورية، لكن مصادر من “حماس” تُجمع لـ”نورث برس” على أن هذا الخلاف يُحسم في مجلس الشورى بالحركة والإجماع هو الفيصل.
من جهتها، تحاول السلطة الفلسطينية في رام الله خلال أحاديثها في أورقتها الضيقة أن تقلل من قيمة محاولات علاقة حماس تحسين علاقتها بدمشق، فتتفاخر بأن الثقة فيما بين قيادة السلطة ودمشق أكبر في هذه الأثناء من تلك الموجودة بين الأخير و”حماس”.
وينقل مصدر من السلطة الفلسطينية لـ”نورث برس” عما دار في سياق “دردشة داخلية” بعيداً عن الإعلام فيما بين قيادات السلطة حول هذا الموضوع؛ إذ قالت هذه القيادات “إن الحكومة السورية أعطت امتيازات كثيرة لحماس خلال العلاقة الوردية بينهما، لدرجة أنه كان في مطار دمشق الدولي نفق يعبر منه اثنان فقط، للوصول إلى المكان المخصص للسفر الخارجي، وهما بشار الأسد وخالد مشعل”.
وحاولت قيادات السلطة أن تستخلص القول بـ”أن كل هذه الامتيازات التي منحتها دمشق لحماس لم تمنع الأخيرة من التخلي عنها”.
والواقع، بغض النظر عن صحة ما تدعيه قيادات السلطة عن ذلك النفق، فإنها تحاول أن تؤكد أن علاقة الحركة والحكومة السورية لن تعود لسابق عهدها. وهذه رغبة السلطة بالأساس القائمة على حصر العلاقات الخارجية بها، فيما تتقلص علاقات “حماس” لأدنى درجة.
وباتت السلطة الفلسطينية هي الأخرى تتسابق لتطبّع علاقاتها مع دمشق، ففتحت مكتباً لتلفزيون “فلسطين” الرسمي في دمشق. وينوي رئيس السلطة محمود عباس أن يزور العاصمة السورية في الوقت الذي يراه مناسباً، عدا أن عباس يقود جهوداً لإعادة سوريا إلى الجامعة العربية.