مسلسل “الخربة” في السويداء والرسائل التي أطلقها قبل عشرة أعوام

السويداء – نورث برس

يقول نقاد وكتاب في السويداء، جنوبي سوريا، إن مسلسل “الخربة” قدم نموذجاً لحياة سكان المنطقة تحت سطوة التقاليد المجتمعية والخلافات التي استغلتها السلطات لتحقيق أهدافها في تطويع سكان رغم إهمالها لاحتياجات تلك المناطق.

ومسلسل الخربة هو عمل تلفزيوني سوري من تأليف الكاتب ممدوح حمادة وإخراج الليث حجو وعرض لأول مرة في العام 2011.

وكان المسلسل الكوميدي “الخربة” قد حقق مشاهدة واسعة من قبل السكان المحليين في السويداء، كونه كتب باللهجة المحلية لسكان السويداء وجرى تصويره في إحدى قرى المحافظة.

“الحزب الواحد”

وقال سلامة غانم، وهو كاتب مسرحي وناقد درامي من سكان مدينة السويداء، إن من يتابع المسلسل الكوميدي “الخربة” هذه الأيام وبعد مرور عشرة أعوام على إنتاجه يجد أن النص الدرامي الكوميدي يحاكي الواقع.

وأضاف في مقابلة لنورث برس: “الكاتب ومن خلال موروثه الثقافي والمعرفي العميق بطبيعة حكم  الاستبداد في سوريا قد جعل الشخصيات الرئيسة في المسلسل كشخصيتي أبو نايف  وأبو نمر متناحرتين في سبيل تكريس مفهوم الزعامة على الجماعة أو العائلة، بينما يتواصلان في الخفاء لتعزيز وتكريس العداء بين عائلتي أبو قعقور وأبو مالحة اللتين يتزعمانها.”

 ويبدو الأمر كمؤامرة حاكتها سلطة الديكتاتور كي تلهي الشعب عن حقوقه الأساسية في الحياة الكريمة الحرة، وذلك عن طريق خلق نزاعات بين المكونات الاجتماعية، لتكون للنظام اليد العليا في تحريك الأمور حسب مصالحه وكما يشاء، بحسب “غانم”.

كما رأى الناقد أن فكرة الحزب الواحد الحاكم كانت بارزة في المسلسل من خلال “سياسة التصفيق الإيديولوجي البعثي”، والتي تعتمد على حشد أعداد من السكان وقيادتها من قبل الأجهزة الأمنية، بدل حشد الأفكار الحرة والخلاقة.

ويضم مسلسل الخربة شخصية “جوهر، الرفيق البعثي” الذي كان يحلم بالتقاط صورة مع الوزير كي يضعها في إطار ويعلقها في صدر بيته.

بينما تبدو شخصية “فياض” راعي العجول الذي يرعى بقرات أحد المسؤولين الكبار محاكاة لاستغلال الموظفين المتنفذين لمناصبهم وتسخير آخرين لخدمتهم.

كما يعرض المسلسل في حلقاته تعذيب أبو نمر في أحد الأفرع الأمنية بالعاصمة حين حاول أن يسأل عن معتقل داخل السجن.

“تخطيات نقدية”

وقال زهير أبو شاهين (52 عاماً)، وهو كاتب مسرحي وناقد أدبي مقيم في محافظة السويداء، إن مسلسل الخربة قدم “تخطيات نقدية بعضها غير مسبوق، وتجلت فيه الكوميديا الناقدة للأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المتردية في سوريا والمنطقة العربية ككل، لتتماهى مع انطلاق الاحتجاجات في سوريا في العام 2011.”

وأضاف أن “البطولة الحقة في المسلسل هي من نصيب الخربة بشراً وشجراً وحجراً، تلك القرية النائية التي لم يكن لها ذكر في دعوات المحافظ ولا في زيارات رئيس المنطقة.”

وقال جمال محسن (53 عاماً)، وهو كاتب وناقد أدبي في مجال السينما والمسرح يقيم في السويداء، إن باستطاعة مشاهد مسلسل “الخربة” أن يرسل رسائل من قبيل “شدة الضغط تولد الانفجار، والحرية حاجة ضرورية وأساسية للإنسان، وآخر الظلم والاستبداد إلى زوال.”

قرية ذكير

ورغم كل الانتقادات التي ضمتها الحلقات الثلاثون، ما تزال قرية ذكير التي تم تصوير المسلسل فيها والتي تبعد عن 49 كم إلى شمال غرب السويداء منها، تفتقر إلى خدمات طرقية  واحتياجات أساسية، كما نقل سكان في القرية لنورث برس.

لكن القرية صارت مقصداً لكل من يرغب أن يشاهد البيوت الحجرية القديمة والطرقات التي جرى بها تصوير المشاهد.

وفي اتصال هاتفي عبر الواتس آب، قال كاتب المسلسل ممدوح حمادة، والذي يقيم في جمهورية روسيا البيضاء، إنه يعتبر مسلسل الخربة “نقلة إلى الأمام في الكوميديا السورية.”

 ورأى أن لوحات المسلسل التي كتبها منذ زمن كانت مناسبة لأحداث احتجاجات 2011 و”قلوب المشاهدين المتعطشين لفسحة من الأمل والحرية.”

وأضاف أنه قام بلفت نظر المشاهد إلى مظاهر الاستبداد والفساد في المجتمع، والخوف الذي يولده الاستبداد ومن ثم الاحتقان الداخلي حتى بلوغ درجة الانفجار الإنساني بوجه الظلم والقهر.”

 وأشار مؤلف وسيناريست العمل إلى أن اختيار موقع التصوير “اللوكيشن” في إحدى القرى النائية والبعيدة أعطى العمل بيئته المتفردة والمنسجمة مع فكرته.

لكن الكاتب يعتقد أن من الصعب أن تلعب الكوميديا دوراً فعالاً في هذه المرحلة من تاريخ سوريا، لكنها ربما تخفف من معاناة الناس، وهذا وحده يكفي لكي نحاول تقديم الفرح في زمن الحزن والحب على تخوم الحرية الضائعة.”

إعداد: سامي العلي – تحرير: حكيم أحمد