بلدة صغيرة شمال حسكة تشهد صراع نفوذ بين قوى عسكرية إقليمية ودولية

تل تمر – نورث برس

في بلدة تل تمر على بعد 40 كم شمال مدينة حسكة، شمال شرقي سوريا، تبدو صراعات قوى إقليمية ودولية جلية على الأرض، بينما يقول سكان محليون إنهم فقدوا الثقة بالقوى المتناحرة لتوسيع نفوذها ومصالحها على الأراضي السورية.

ويبلغ تعداد سكان تل تمر نحو 25 ألف شخص، وتبعد مسافة 30 كم عن الحدود السورية التركية.

وتكتسب البلدة الصغيرة أهمية استراتيجية لكونها عقدة مواصلات على الطريق الدولي M4 الرابط بين الجزيرة السورية ومحافظة حلب.

نساء يسرن بالقرب من مدرعة أمريكية أثناء مرور دورية لها بقرية غيبش غرب تل تمر

خمسة جيوش

وبالإضافة للتشكيلات المنضوية ضمن قوات سوريا الديمقراطية والنقاط التابعة للحكومة السورية، تتواجد في محيط تل تمر قوى عسكرية تركية وروسية وأميركية.

ويرى سكان ومراقبون محليون أن تداخل القوى الكبرى في هذه المنطقة هو بهدف تقاسم النفوذ، فهي لم تصل إلى حلول على المدى القريب منذ دخولها بشكل فعلي كوسطاء أو كداعمين لقوى أخرى في الساحة السورية.

وقال ستالين أوسو، وهو صحفي يعمل كمحرر أخبار في محطة تلفزيونية محلية، إن “أهمية تل تمر الاستراتيجية جعلت منها محط أنظار جميع تلك القوى، وستكون ورقة ضغط قوية على طاولة المفاوضات لصالح الطرف المهيمن على البلدة.”

ويربط “أوسو” أهمية البلدة بوجود أقليات مسيحية على ضفاف نهر الخابور، وخاصة المكون الأشوري، “فأهمية وجود الأقليات المسيحية لدى كل من هذه القوى تأتي لإظهار نفسها أمام الرأي العام حامية للأقليات.”

وبدأت تحركات تركيا وفصائل المعارضة المسلحة التابعة لها تجاه البلدة بعد توغلها في المنطقة منذ تشرين الأول/ أكتوبر من العام الفائت عقب معارك مع قوات سوريا الديمقراطية وانسحاب للقوات الأميركية، ما دفع القوات الروسية والحكومية للتمركز في تل تمر بعد اتفاقيات مع القوى الأخرى.

بينما وجدت القوات الأميركية موطئ قدم لها عبر دورياتها في البلدة للحد من التمدد الروسي في المنطقة، وهو ما تسبب بتصادم بين دوريات الطرفين على الطرقات بين الفينة والأخرى، في مشهد أصبح مألوفاً بالنسبة للسكان المحليين.

ويرى “أوسو” أن المساعي المتكررة لفصائل المعارضة وتركيا للسيطرة على البلدة، هي لتأمين سيطرتها على منطقة سري كانيه (رأس العين) بالإضافة لقطع الإمدادات القادمة من مدينة حسكة باتجاه بلدة أبو راسين، والقدرة على مراقبة المساعدات المقدمة من التحالف الدولي إلى قوات سوريا الديمقراطية.

ويعتبر الصحفي الكردي هذه البقعة الجغرافية “هامة” بالنسبة لروسيا التي تريد أن يكون لها مركز تأثير على جميع الأطراف في هذه “المنطقة الاستراتيجية.”

ويعتقد أن “من يتحكم بالبلدة يحكم قبضته بشكل شبه كلي على مناطق محافظة حسكة برمتها.”

تعزيزات روسية متجهة من الطريق الدولي M4 نحو قاعدتها الرئيسة في مطار قامشلي

صدامات رغم التنسيق

ورغم التصريحات الصادرة عن قيادات في كل من القوات الأميركية والروسية في شمال وشرقي سوريا، بوجود تنسيق بين الطرفين لمنع صدامات على الأرض، إلا أن مشهد اعتراض الدوريات من الطرفين يظهر خلافات واضحة حول تقاسم النفوذ في المنطقة.

ولم تتمكن نورث برس من الحصول على تصريحات لأي من الطرفين بخصوص آلية التنسيق بينهما.

وداخل بلدة تل تمر تنشط قوى مسيحية محلية تقول إنها تحمي المنطقة من مخاطر هجمات محتملة من قبل فصائل المعارضة السورية التابعة لتركيا.

وقال آرام حنا، وهو الناطق باسم المجلس العسكري السرياني لنورث برس، إن لديهم تواصلاً وعلاقات جيدة مع جميع الأطراف ما عدا “الجيش التركي وفصائل المعارضة”، وذلك لخلق حالة من التوازن ومنع صدامات على الأرض.

وشدد “حنا” على أن قوات “العسكري السرياني التي يبلغ قوامها الآلاف”، تعمل على حماية المنطقة من أي تهديد لأمن سكانها، وأن المنطقة حالياً تتمتع باستقرار نسبي، رغم أن الأمر لا يخلو من تهديدات وهجمات على خطوط التماس.

أعلام تشكيلات عسكرية محلية في مدخل بلدة تل تمر

انعدام ثقة

وفي ظل الاستهداف المتكرر للجيش التركي وفصائل المعارضة التابعة له للقرى الآهلة بالسكان ونقاط القوات الحكومية على خطوط التماس شمال وغرب البلدة، يقول سكان ونازحون يقيمون في المنطقة إنهم لا يثقون بالقوات الروسية والأميركية.

وبالقرب من القاعدة الروسية في محطة المباقر شمال البلدة، يجول حجي عطونو (50 عاماً)، وهو مهجر من منطقة عفرين بريف حلب الشمالي التي تخضع لسيطرة تركيا وفصائل المعارضة منذ العام 2018، بين مشروع للبيوت البلاستيكية يشرف على زراعتها.

ويقول “عطونو” إن “كافة القوى المتنازعة في تل تمر ليست محل ثقة، فقد تخلوا عن الكرد وتركوا شعوب المنطقة وحدهم في مواجهة الهجمات التركية.”

وأضاف: “نريد من المجتمع الدولي ضمان حقوقنا في العيش بأمان ووضع حد لهذه الحروب التي أرهقتنا منذ سنوات.”

حوامات تابعة للقاعدة الروسية في محطة المباقر بتل تمر

بدورها، تشاطر السيدة جنار يوسف (45 عاماً)، وهي من سكان البلدة، المهجر في انعدام الثقة بالقوى المتناحرة على أطراف تل تمر.

وتقول لنورث برس: “الجميع يبحث عن مصالحه على حساب سكان المنطقة، فلا يحمينا لسواد عيوننا”، على حد تعبيرها

ولم تخفِ “يوسف” مخاوفها من اندلاع مواجهات جديدة بين القوى الموجودة على الأرض، ما قد يؤدي إلى موجات نزوح جديدة كما حدث في “مدن وبلدات محتلة شمالي سوريا.”

إعداد: دلسوز يوسف – تحرير: حكيم أحمد