المسرح في دمشق.. غياب خطط وإجحاف من القائمين

دمشق – نورث برس

يرى نقاد ومخرجون مسرحيون أن تراجع الحركة المسرحية في دمشق خلال العقود الأخيرة يعود  لغياب التخطيط والرعاية وعدم الاكتراث بالدراسات والمقترحات المقدمة من قبل مختصين.

 إضافة لضعف الميزانيات وتدني أجور الممثلين وابتعاد الجمهور عن المتابعة، إلى جانب ممارسات شخصية من بعض الوزراء.

وقال يوسف شرقاوي، وهو ناقد فلسطيني مقيم في دمشق  لنورث برس إن عروض المسرح القومي في دمشق على مدى السنوات الثلاثة الأخيرة شهدت تفاوتاً في المستوى.

وأضاف لنورث برس أن حركة المسرح حالياً “سيئة وتكاد تبلغ نقطة الصفر” رغم وجود فترات نشاط سابقة.

تخطيط غائب

أما الناقد أنور محمد، الذي يواظب على السفر من اللاذقية كي يتابع نتاجات المسرح في العاصمة، فقد قال إن الطلب على الفن يزداد عادة أثناء الحروب، لكن العروض المسرحية السورية وخاصة تلك التي تنتجها الدولة لم تكن تلبي حاجة الناس.

وأضاف “محمد”  لنورث برس أن السبب هو غياب التخطيط في مديرية المسارح والموسيقا، “فصناعة الفرجة أو الجمال هي فعل استراتيجي يحتاج تخطيطاً، ولكن التكتيك يختلف بما يتناسب مع الظروف والحالة الراهنة.” 

ونوه إلى أن الدراما التلفزيونية سرقت كل الكادر الفكري والفني من المسرح، “ففي ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، كان ممثل الصف الأول يقاتل كي يحصل على دور في عروض المسرح القومي.”

أما اليوم فقد هرب الممثلون إلى إغراءات الدراما التلفزيونية “التي لا تختلف عن أي منتج صناعي كالأحذية والقبعات إذا ما قارناه بالمسرح”، على حد قول “محمد”.

كما يحصل الممثل في المسرح على حوالي 10 بالمئة من أجر الممثل العامل في السينما، بحسب ممثلين ومخرجين.  

إحجام جمهور

ورأى الناقد يوسف شرقاوي أن إحجام الجمهور عن متابعة العروض يشكل جانباً من ضعف حركة المسرح، رغم أن ثمن البطاقة 150 ليرة سورية فقط.

ولفت إلى ضرورة العودة لدراسات ومقالات للراحل سعد الله ونوس طرحت ثلاثة أسئلة محورية: من هو هذا الجمهور؟ وماذا يريد المسرحي أن يقول لجمهوره؟ وأي وسائل ينبغي أن يستخدم المسرحي من أجل ذلك؟

ويعتقد الناقد أنه لو تمت مناقشة جدية لدراسة ونوس “أزمة المسرح القومي” ومقالته “حول الاقتباس” لأمكن الإجابة عن ذلك كلّه، لكان وضع المسرح اليوم مختلفاً.

ويعتقد المخرج والممثل جمال قبش ، وهو عميد سابق للمعهد العالي للفنون المسرحية، أن لإحجام الجمهور عن متابعة العروض دوراً هاماً في تراجع حركة المسرح.

لكنه قال أيضاً: “وهذا لا يعني أن الجمهور بعيد، إنه موجود عندما يكون العرض دسماً،  وهناك أمثلة كثيرة لعروض جميلة يقبل الناس عليها رغم كل شيء ويقومون بمشاركتها على حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.”

ولفت إلى أن الأمر متعلق بالتخطيط  والتمويل، وأنه قدم اقتراحاً بأن ترسل حافلات لنقل الجمهور من القرى البعيدة، “وطبعاً لم يلتفت أحد للاقتراح.”

نقص رعاية

وعدم الاهتمام بالجمهور ليس المشكلة الوحيدة للمسرح في سوريا، فالعاملون في المسرح لا يحصلون غالباً على فرص لعقود عمل مع مديرية المسارح.

ويرى “قبش” أنه لا يمكن الحديث عن حركة مسرحية قوية وفعالة بأي بلد دون الاهتمام بقضيتين أساسيتين هما “حب وإخلاص العاملين ثم رعاية القائمين والمسؤولين لهم.”

ويصف حال المسرح في دمشق: “لدينا مؤسسة يقودها موظفون يقومون بعملهم بشكل روتيني كي يتقاضوا رواتبهم آخر الشهر، ويتيحون المجال لتقديم أعمال لا يحضرها إلا ضيوف المخرجين والممثلين، بينما تبقى عروض أثبتت جدارة دون أي رعاية من المؤسسات القائمة.”

ويضيف أيضاً أن مجلس مديرية المسارح “غير مفعل”، فالقادرون على التخطيط الجيد هم أشخاص لديهم هم مسرحي ولكن يجب أن يقدم لهم الدعم المادي الكافي.

وينتقد مسرحيون عدم إيلاء المؤسسات الثقافية الحكومية والمسؤولين عنها الاهتمام بتجارب الدول الأخرى والخبرات القادمة من الخارج.

ويرى المخرج جمال قبش، الذي درس في فرنسا، أن الانقطاع عن الحركة المسرحية العالمية يزيد من سوء الحالة، “ما يهمهم هو البقاء في مناصبهم فقط.”

“آخر وزير لم يحضر عرضاً مسرحياً واحداً خلال توليه وزارتين متتاليتين.”

ورغم وجود مكاتب للدراسات في مديرية المسارح، إلا أنها لا تقدم أي دراسة عن أي عرض وعن تكاليفه، وهناك تفاوت في الأجور من ممثل إلى آخر ومن مخرج الى آخر ومن وزير لآخر،  بحسب “قبش”.

وأشار إلى رفع وزراء ومتنفذين أجر مقربين منهم على حساب الإجحاف بحق الباقين، “وقام أحد وزراء الثقافة السابقين بتقديم نصوص تلفزيونية للمسرح بعد فشل تسويقها للتلفزيون.”

وقال: “تخيل أنه تم إيقاف عرض (هوى غربي) الذي كنت أمثل فيه مع زميلي المخرج غسان مسعود وتخفيض أجور العاملين في العمل لأنني فقط قلت كلاماً ناقداً بمقابلة تلفزيونية.”

عودة مهرجان دمشق

وعن مدى تأثير عودة مهرجان دمشق المسرحي في تنشيط الحركة المسرحية، رأى “شرقاوي” أن ذلك يمكن أن يؤثر إيجاباً.

“فنحن بحاجة لصيغة مسرحية عربية يُتّفق عليها، ولا يمكن أن يتم هذا إلا عبر الحوار، ولا بد قبل ذلك من موسمٍ محلي يمنح كلّ ذي حقٍّ حقه.”

ورغم كل السلبيات، يرى الناقد أنور محمد محتوى مشرقاً في نتاج المسرح السوري، “ما يزال المسرح السوري يشكل قوة تثوير لا تدمير وهو يمارس سلطة اجتماعية ضد قوادي وسماسرة الاستبداد ما أمكن ذلك، ولكن ميزانيته لا تتناسب مع ما يتم تقديمه للدراما التلفزيونية.”

ويعبر عن تفاؤله بعودة قريبة للمهرجان: “سمعت أن الوزير السابق محمد الأحمد حاول إعادة المهرجان ولكن يبدو أن حال الحرب حالت دون ذلك.”

بينما رأى المخرج جمال قبش، أن من الصعب إيجاد دول عديدة تشارك في مهرجان دمشق المسرحي.

ولفت إلى أن “البنى التحتية المسرحية بحاجة إلى إعادة نظر على جميع الأصعدة المادية والفكرية والأخلاقية.”

إعداد: أحمد كنعان – تحرير: حكيم أحمد