كولونيل أمريكي لـنورث برس: من الممكن أن تتجه إدارة شرق الفرات نحو الاستقلال
واشنطن – هديل عويس – NPA
قال ديفيد دي روش الباحث العسكري في مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا والأستاذ المساعد بجامعة الدفاع الوطني الأمريكية لــ”نورث برس” في حوار من العاصمة واشنطن، إنه يرى منطقة شرق الفرات بسوريا تذهب باتجاه الاستقلال بها بشكل يشبه النموذج الكردي العراقي حيث يحظى الإقليم بحكم ذاتي وصناعة ذاتية لقراراته ومواقفه السياسية وهوية مميزة مع ارتباط بالوطن الأم العراق في بعض المسائل.
وقال دي روش لــ”نورث برس”: “الديكتاتورية والسلطات الاستبدادية التي تريد الاستحواذ على السلطة بالقوة منتشرة في كل مكان في الشرق الأوسط، إلا أن نظام الرئيس السوري بشار الأسد مختلف، فهو يملك خطة ومشروعاَ ممنهجاَ لاستهداف جزء من السكان وإبادتهم غير أن نوعية المعارضة وطبيعتها أدت الى انتصار الأسد وإيران وروسيا، مؤكداً “يجب أن نعترف أن روسيا انتصرت إلى حد ما في سوريا.”
وعن الوضع في ادلب، أشار الباحث العسكري إلى أنه “أمر مؤسف رؤية هذه الجرائم بحق السكان، ولكن لا أحد بإمكانه أن يهرب من حقيقة وجود جماعات سيئة جداً في إدلب ومن المستحيل إقناع الرأي العام الأمريكي بأننا سنذهب أو نفعل أي شيء لهؤلاء”.
وعمل ديفيد دي روش مديراً مسؤولاً عن سياسة الدفاع الأمريكية المتعلقة بالشرق الأوسط، ورأى أن التحالف مع تركيا يختلف عن التحالفات الأخرى، إذ يقول إن تركيا قاتلت السوفييت مع الولايات المتحدة وتعتبرها الأخيرة حليفة حتى بالقيم، “إلا أن عهد أردوغان يجعل العلاقة أكثر تعقيداً يجعلنا عاجزين عن الوقوف مع مواقف تركيا”.
كما أكد دي روش أن الرئيس ترامب، وإن وعد أردوغان بالبحث عن حلول لتخطي العقبات في شراء تركيا مضادات صواريخ روسية، إلا أنه لا يملك الصلاحية الكاملة لمنع قانون CAATSA الذي سيستهدف تركيا فوراً إذا ما قررت فعلاً استلام المعدات الروسية.
وكشف دي روش لـ “نورث برس” عن الموقف الحقيقي للإدارة الأمريكية للمشهد في ليبيا الذي يصبح أكثر تعقيداً وسط تنافس إقليمي وغموض في المواقف الغربية و الأمريكية وأنباء عن دعم فرنسي لـ “حفتر”.
الحوار:
الجميع يتحدث الآن عن سلام في المنطقة بين الفلسطينيين وإسرائيل.. ماذا عن الصراع الطويل الآخر في المنطقة بين تركيا والكرد…هل من سلام يلوح في الأفق في هذا الملف ؟
نعم هناك مشكلات يعاني منها الأكراد مع تركيا، إيران وسوريا، ولكن يجب أن نتذكر أنهم يملكون مشكلات داخلية أيضاً تمنع هذا النوع من السلام. يجب أن لا ننسى أن هناك جماعات تركية متقاتلة بين بعضها، بعد (عاصفة الصحراء) (الاحتلال العراقي للكويت)، وحتى الأن برزاني، طالباني و وحزب العمال الكردستاني كانوا على خلافات عميقة.. عدم وجود موقف كردي موحد لا يساعد على قيام السلام والمواقف الكردية مختلفة ازاء تركيا.. تركيا من جانب اخر، قومية وتذهب باتجاه أن تصبح قومية أكثر وأكثر، لا أرى أن هذا السلام والمحادثات ستحدث عما قريب.
كيف ترى مستقبل شرق الفرات، والمناطق الشاسعة في سوريا المحررة من تنظيم “الدولة الإسلامية” ؟
أعتقد أن النموذج الذي نبحث عنه هو على شاكلة الحكومة الإقليمية لكردستان العراق حيث وبكل المعاني باتت منطقة مستقلة ذات حكم ذاتي، لا نرى حتى العلم العراقي فيها ويعينون مسؤوليهم الخاصين، وزرائهم، يتبنون سياساتهم الخاصة لبلادهم
هناك فقط بعض المواقع الدولية التي لا يحصلون فيها على تمثيل كامل، كما عليهم تقاسم مبيعات النفط مع الدولة العراقية ولكن هم في الحقيقة سلطة أمر الواقع وهم منفصلين كسلطة مستقلة تحظى بالدعم.
وأعتقد أنه ما دامت قوات سوريا الديمقراطية لا تحول مناطقها لمناطق قمع العرب والسنة وما دامت ليس ملاذ أمن للعمال الكردستاني لمهاجمة تركيا. من الممكن جداً أن نرى ما رأيناه في العراق، منطقة تحكمها سلطة أمر الواقع ولو لم تكن مستقلة بالكامل.
الرئيس ترامب غرّد تضامناً مع إدلب، ما حدود ما ستفعله أمريكا لمساعدة إدلب؟
لن نفعل الكثير… إدارة أوباما و ترامب ليستا مختلفتين جداً على سوريا إلا في مسألة الكيماوي. الإدارتان لم تطلقا مثلاً على ما حدث اسم الـ”إبادة” رغم أني أراها هكذا، فما حصل في سوريا ليس استبداد فقط بل حملة ممنهجة للإبادة ولكن الإدارتين لم تقولا هذا.
ما أراد ترامب قوله من تغريدته شيء واحد ، إذا كان هناك تصعيد باتجاه السلاح الكيماوي سيكون هناك هجوم أمريكي ضد الأسد، ولكن هذا أمر يرتبط بالسياسات الداخلية الأمريكية وحملات ترامب الموجهة للداخل ليقول (أنا لست أوباما).
ما يعقّد الوضع في سوريا وقدرتنا على التدخل أولاً: تركيا لا تريد فوضى على حدودها، تقول لنا باستمرار “اتركونا في إدلب لأننا استثمرنا فيها بعمق”.
من جانبنا، موقفنا في إدلب يشبه موقفنا الإنساني في مكان مثل راوندا، هناك أشياء سيئة تحصل، ولكن الأسد نجح في تصوير معارضيه على أنهم إسلاميون متطرفون وضد كل المنظومة الدولية، ونجح الى حد ما في ذلك. نعم في إدلب توجد الكثير من الجماعات السيئة ومن الصعب جداً إقناع الأميركيين بأننا سنذهب لمساعدة هؤلاء.
منذ البداية كان هناك جماعات في واشنطن أوقفت تدخلنا في سوريا، سواء أصدقاء إسرائيل في واشنطن، سواء اليمين المسيحي المتدين، او حتى اليسار، كلهم امنوا منذ البداية أن معارضي الأسد مخيفون والأسد على الأقل يتحكم ببلاده وتعاملنا معه.
ماذا عن المواقف العربية أو الدور العربي في سوريا ؟
أعتقد أن عدم التطرق لملف سوريا في قمة مكة، يعكس واقع أن بشار الأسد بقي في السلطة لأنه تلقى الدعم من قوى كبرى، ولم يعد حتى تابع لهم ولكنه موظف عند إيران، وحل مسائله ليس في اجتماعات للعرب والمسلمين ولكن بحاجة إلى جسور مع القوى الدولية لإبطال مفعول هذا التوظيف.
و من الضروري القول أن إيران وروسيا فازتا في الحرب في سوريا، ملف سوريا بالنسبة للدول العربية بات مثل الحديث عن مسلمي الإيغور أو رواندا…مسألة بهذا البعد لا أكثر.
كيف تقيم واشنطن ما يجري في السودان وليبيا الان، مجالس عسكرية تحاول تصدّر المشهد ؟
هو أمر استبدادي بالتأكيد أن يتم فرض الخيارات على الناس بالقوة، و لكنه خيار البعض في هذه البلدان ربما.. لا أقدر أن أقارن ما يجري في ليبيا أو السودان بما تفعله الحكومة السورية مثلاً ولكنه سيء.
في السودان، الحكومة مسؤولة تاريخياً عن جرائم في جنوب السودان. أولاد القادة العسكريين في السودان يملكون حسابات ضخمة في بنوك سويسرا، أولادهم يتعلمون في جامعات غربية وهم يقمعون شباب بلدانهم.
كيف ترى المشهد الليبي الذي يحمل في طياته حكاية الصراع العربي الذي نشهده حالياً ؟
ما أعرفه هو أن الولايات المتحدة تريد أن ترى حكومة واحدة تحكم ليبيا والأن لا ندعم حفتر، ندعم الحكومة الأخرى، لكن من الواضح ان الأثنين لا يسيطرون على الوضع.
أعتقد أنه لو نجح حفتر في السيطرة على كل البلد وحكمها، في بضعة أشهر كان الجميع سيكون مجبر على الاعتراف بالواقع، والقول له بما أنك تسيطر على البلد سنعترف بك … ولكن هذا لم يحصل.