معلمون في السويداء يعملون ببيع الخضار والرواتب الحكومية موضوع لسخرية تجار وأصحاب مهن

السويداء – نورث برس

يجلس راجي أيوب (40 عاماً)، وهو معلم صف في إحدى المدارس الابتدائية الحكومية في مدينة السويداء، جنوبي سوريا، خلف عربة خشبية محملة بالتفاح في سوق الحسبة الشعبي.

فبعد انتهاء ساعات دوامه في المدرسة، يتوجه “أيوب” إلى عربته التي ركنها داخل ممر في السوق وأوكل أمرها لأحد معارفه من أصحاب المحال، ليبدأ دوامه الثاني والذي يستمر لست ساعات متواصلة.

ويضطر عدد من معلمي السويداء، للتوجه إلى الأسواق لبيع الخضار والفواكه بعد انتهاء دوامهم اليومي في المدارس، وذلك بسبب تدني رواتبهم وارتفاع أسعار كافة المواد الغذائية والأساسية.

“أستاذ مكانك الصف”

وقال المعلم “أيوب” إنه يعمل في بيع الخضار والفواكه بعد دوامه في المدرسة ليستطيع تأمين احتياجات عائلته، “وحتى أستطيع إكمال تعليم أبنائي.”

ويلجأ قسم آخر من المعلمين غالباً لإعطاء دروس خصوصية سواء في منازلهم أو في منازل الطلاب، أو يمارس إحدى المهن ليستطيع تدبر معيشة عائلته.

لكن عمل هؤلاء في مهن يعتبرها المجتمع “غير لائقة بالمعلمين” يعرضهم في الأسواق “لمواقف محرجة” أثناء مرور تلاميذهم في السوق، وللتنمر أحياناً إن صادفهم ذوو تلاميذهم وهم جالسون خلف عربات البيع.

ويعتبر “أيوب”، الذي يمارس مهنة التعليم منذ 15عاماً، أن الحكومة السورية وسياساتها “الهوجاء” هي التي أوصلتهم للتوجه لممارسة مهن أخرى، “الرواتب الحكومية باتت موضوعاً لسخرية تجار وأصحاب مهن.”

ويروي أن ولي أحد تلاميذه قال له يوماً: “أستاذ أنت مكانك الصف وليس الشارع، وسأطلب من مدير المدرسة أن ينقل طفلي من شعبتك الصفية إلى واحدة أخرى.”

حتى أن أحد تلامذته قال له ذات مرة متهكماً أثناء الدرس: “هل ستنجحني إذا اشتريت منك تفاحاً؟”

ويبلغ وسطي رواتب المعلمين في المدارس الحكومية نحو 50 ألف ليرة سورية (ما يعادل 25 دولاراً أميركياً)، وذلك وسط انهيار قيمة الليرة السورية وغلاء المواد الغذائية خاصة، بالإضافة لرفع الحكومة لأسعار الخبز والمحروقات خلال الشهر الفائت.

ورغم أن الرئيس السوري أصدر مؤخراً مراسيم وقرارت بزيادة على أجزاء من تعويضات ضمن رواتب المعلمين، إلا أن الزيادة الفعلية لم تتجاوز بضعة آلاف، خاصة وأن نسب تعديل الرواتب تم احتسابها وفق الأجر الشهري النافذ في العام 2013.

“المهم إطعام أسرتي”

وفي السوق المركزي بمدينة السويداء، يقف سليم الرمحين (35 عاماً)، وهو معلم صف في إحدى مدارس التعليم الأساسي الحكومية، أمام بسطة تضم أصناف خضار وفواكه، يقوم بتنظيفها وترتيبها ليعرضها على المارة.

وقال “الرمحين” إن راتبه الشهري الذي يتقاضه من الحكومة لا يكفي لبضعة أيام، “أنل مضطر للعمل في بيع الخضار والفواكه لأتمكن من إطعام أسرتي وتوفير مستلزمات أطفالي الأساسية في ظل الضغوط المعيشية.”

ويحاول المعلم “البائع” أن يغض سمعه ونظره عما يتعرض له من تنمر، “اتخذت قراري في العمل ببيع الفواكه والخضار بمعزل عن التفكير في مسألة كيف أكون معلم مدرسة صباحا وبائع بسطة مساء.”

وكان عدد من المعلمين والموظفين الحكوميين قد تركوا وظائفهم لدى الدوائر الحكومية للتفرغ لأعمال تمكنهم من تلبية احتياجات عائلاتهم، بينما يعاني من تبقوا في الوظيفة بانتظار الموافقة على استقالاتهم التي تعرقلها الحكومة في السنوات الأخيرة.

وكان عدد المعلمين في السويداء قد انخفض من 15 ألف معلم قبل الحرب في سوريا إلى أقل من 10 آلاف بسبب الاستقالات التي قدمت بغية السفر والهجرة خارج البلد والتفرغ لأعمال أخرى، بحسب مصدر من مكتب الشؤون القانونية في مديرية التربية بالسويداء، اشترط عدم نشر اسمه.

وبحسب المصدر نفسه فإن عدد استقالات المعلمين بلغت حتى عام 2020 قرابة 1240 استقالة لم يتم الموافقة إلا على نصفها.

“على خط الفقر”

ووصف موجه تربوي في مديرية تربية بالسويداء، فضل عدم نشر اسمه، توجه معلمي المدارس نحو الأعمال الحرة وبيع الخضار والفواكه في الأسواق بـ “الظاهرة الغريبة والخطيرة داخل المجتمع التربوي والتعليمي”.

وقال إنه لا يمكن إجبار المعلم على الالتزام بالعمل الحكومي فقط في هذه الظروف، رغم أن قانون العاملين الموحد لموظفي الحكومة لا يجيز لهم العمل خارج دوامهم دون موافقة من الجهة الحكومية التي يعملون لديها.

وتساءل: “كيف لنا كموجهين تربويين في مديرية تربية بالسويداء أو مسؤولين في أي جهة حكومية أخرى أن نمنع موظفينا من تحسين مستواهم المعيشي طالما لا نستطيع توفير دخل مادي يحفظ لهم كرامتهم وكبرياءهم.؟”

وأشار الموجه التربوي إلى أن “خيرة معلمي مدارس محافظة السويداء باتوا على مقربة شديدة من خط الفقر”.

إعداد: سامي العلي- تحرير: سوزدار محمد