“الحيار” وزواج الأقارب بريف قامشلي.. أطفال مرضى وراثياً دفعوا ضريبته
جل آغا – نورث برس
لم يكن حسين الياسين (45 عاماً)، وهو من سكان ريف بلدة جل آغا (الجوادية)، شمال شرقي سوريا، يتوقع أن أولاده سيصبحون ضحية فرض زواجه من ابنة عمه عبر تقليد “الحيار” قبل سنوات.
ودفع ازدياد حالات ولادة أطفال مرضى وذوي احتياجات خاصة لأسر بُنيت على أساس زواج الأقارب، الآباء والأمهات إلى استذكار زواجهم وإعادة النظر في عادات متوارثة.
ويخشى سكان أرياف من أن تعود عادات زواج الأقارب مع غلاء المهور والصعوبات المعيشية التي تتفاقم عاماً بعد آخر.
يقول “الياسين” لنورث برس، إن تخفيف أعباء المهر وتكاليف الزواج هو ما دفعه للجوء إلى عادة “الحيار” المتوارثة بين العشائر العربية في الجزيرة السورية.
ويضيف: “لم أكن أعي أن زواج الأقارب يزيد من احتمال ظهور أمراض وراثية بين الأطفال.”
ورُزق “الياسين” بطفل سليم، إلا أن طفله الثاني يعاني من “ضمور دماغي ونقصٍ في النمو” لأسباب وراثية، بحسب أطباء راجعهم الأب.
ويقضي تقليد “الحيار” المتوارث أن يفرض ابن العم زواجه على ابنة عمه ومنع زواجها من أيِّ شخصٍ آخر.
بينما يجب على الفتاة الامتثال للزواج الإجباري حتى إن لم تكن راضيةً به، وفي حال كانت مخطوبةً سابقاً، يجب فسخ الخطبة لتتزوج من ابن العم الذي “حيّرها.”
وينصح كثير ممن خاضوا التجربة سابقاً، الجيل الجديد بالابتعاد عن زواج الأقارب، سواءً عن طريق عادة “الحيار” أو حتى بالتوافق.
ويشدد “الياسين” وسكان آخرون على ضرورة التباعد في الزواج عند وجود أمراض وراثية في العائلة.
ولا يُحتّم زواج الأقارب ولادة أطفال مرضى، لكنه يزيد من احتمالات ظهور أمراض، كما أن 82 مرضاً وراثياً ينشط في حالات زواج الأقارب، بحسب الطبيب فاضل الفارس في بلدة جل آغا.
من جانبها، قالت أميرة العويد (43 عاماً)، وهي من سكان قرية كينجو في ريف جل آغا، إنها تشعر بالندم لأنّها لم تكن تعي النتائج المترتبة على اتباع التقاليد.
وأضافت أن طفلها الأصم “هو ضحية عادات متوارثة لمجتمع لا يكترث بما حلَّ به وأمثاله ولا يقدّم أيّ رعاية طبية أو مادية لهم.”
ويعاني ابنها “مهيدي” (20 عاماً) من ضمور دماغي وصمم، “والسبب وراثي بحسب الأطباء، كما أن الشيب غزا رأسه رغم أنه في بداية الشباب.”
ويشير سكان كرد من جل آغا إلى أن تقليد الحيار غير موجود بين عائلاتهم، لكن عادات أخرى لزواج الأقارب بالتراضي كانت موجودة بكثرة قبل عقود وانحسرت تدريجياً.
أما وضحة المطيران (80 عاماً)، وهي من سكان ريف ناحية جل آغا، فهي من الناجيات من الحيار بفضل تدخّل شيخ القبيلة ووقوفه في صفها آنذاك.
تقول “المطيران” لنورث برس، إن العادة انحسرت منذ سنوات وأصبح بمقدور الفتاة أن تعترض عليها وتحدد مصيرها في اختيار شريك حياتها.
لكن آخرين يشككون في زوال سلطة عادات زواج الأقارب نهائياً، فما زالت أمثال من قبيل “من لا يأخذ من ملّته يموت بعلّته” تتردد على لسان بعض أبناء العشائر وخاصةً في الأرياف.
ومن النادر أن يتم الحيار برضى الطرفين، وقد يؤدي بالمقابل، كما ترى المرأة المسنّة، إلى خلافات واقتتال أحياناً بين الأقارب أنفسهم أو بين أبناء العم من جهة وخاطبٍ آخر من جهة أخرى.
والأسوأ في الأمر هو الكيدية والانتقام عبر هذه العادة، فقد يمنع ابن العم زواج الفتاة ثم لا يتزوجها، بهدف معاقبتها أو الانتقام من أبويها أو أخوتها.
تقول “المطيران” إن الأغاني الشعبية أشارت إلى ما تتعرض له الفتاة “المحيّرة” من ظلم، إذ تقول أغنية على لسان العروس: “حيرهم الله الـ حيروني بدنياي، عذبهم الله ما انطوني لهواي.”