العمل الحر (فري لانسر).. فرص عمل لم تسلم من تدخل الحكومة السورية

دمشق – نورث برس

العمل الحر أو الـ”فري لانسر”، وجهة جديدة لشباب سوريين يبحثون عن فرص عمل بظروف أفضل مما يتوفر على الأرض في العاصمة دمشق والمناطق الأخرى الخاضعة لسيطرة القوات الحكومية.

لكن المشكلة الأبرز التي تواجه العاملين في هذا الميدان هي شركات الصرافة وتحويل الأموال التي تُلزمها الحكومة بأسعار الصرف المحددة من المصرف المركزي، وهو ما يؤدي لخسارة هؤلاء نصف قيمة ما جنوه من عملهم.

وحقق العمل الحر انتشاراً واسعاً في سوريا في السنوات القليلة الماضية، واحتلَّ موقعاً مهماً في سوق العمل، بالتوازي مع تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في البلاد.

ويُقسَّم العمل الحر إلى صنفين أساسيين، أولهما العمل المستقل أو الحر “Freelancing”، أي بساعات عمل مرنة، والثاني يسمى التوظيف عن بعد “Remote working”، ويشترط دواماً ثابتاً لكن عبر الشبكة.

رواتب جيدة

ولجأ شباب سوريون للتعرّف أكثر على هذا النمط، نظراً لظروف العمل المريحة، والأجور التي تتأرجح بين الجيدة والممتازة، بحسب عاملين في هذا الميدان.

وقالت لين جمال (22 عاماً)، والتي تقيم في السويداء، إنها عملت لفترة كموظفة خدمة زبائن بدوام كامل لدى شركة “Madis.cc” الإماراتية.

وكانت طبيعة عملها تقتضي تسيير أمور العملاء وتحويلهم للقسم المناسب بحسب استفساراتهم، مقابل راتب شهري ثابت يُقدَّر بـ 1000 درهم إماراتي.

وكانت الشركة تتكفّل بتحويل الراتب مباشرةً من شركة الأنصاري للصرافة في الإمارات إلى فرع السويداء لشركة الهرم للحوالات.

وباتت سوريا تأتي في صدارة قائمة الدول الأكثر فقراً في العالم، وفق بيانات موقع “World by Map” العالمي، بنسبة بلغت 82.5 %، وهي نسبة تتوافق مع ما أورده تقرير سنوي أصدرته الأمم المتحدة عام 2019 حول أبرز احتياجات سوريا الإنسانية.

عراقيل تحويل الراتب

وقالت ليلى الرفاعي (27 عاماً)، وهو اسم مستعار لصحفيّة تقيم في دمشق وتعمل في كتابة المقالات الصحفيّة لمواقع إلكترونية، إن الوظيفة التقليدية تستهلك ساعات عمل كثيرة لا تتناسب مع الدخل الذي تؤمِّنه.

وأضافت لنورث برس: “إن عملتُ بمركز صحفي سوري، لن يتعدى الأجر 50 ألف ليرة شهرياً، ولن يكفي هذا الراتب لأجور النقل، بينما في العمل الحر لن أضطر لدفع أي مصاريف زائدة، إلى جانب تخفيف سوء المعاملة من مديري العمل ومشرفيه أحياناً.”

لكن “الرفاعي” تواجه عراقيل تتعلق باستلام راتبها، إذ ترسله المواقع إلى صديق لها في لبنان، ليحضره حين قدومه إلى سوريا.

“بالتأكيد بإمكاني استلامه كحوالة مالية، لكنني سأخسر نصف المبلغ عند تصريفه حسب سعر المصرف المركزي السوري.”

وتقوم شركات الحوالات المرخصة من قبل الحكومة في دمشق والمحافظات السورية الخاضعة لسيطرة الحكومة بصرف العملات الأجنبية وفق أسعار المصرف المركزي السوري.

 ويبلغ سعر صرف الدولار الأميركي في مصرف سوريا المركزي حالياً 1256 ليرة في حين يبلغ سعر صرفه في الأسواق نحو 2500 ليرة سورية.

“اقتصاد مافيات”

وانطلقت على مواقع التواصل الاجتماعي مؤخراً منصات مختصّة بتأمين فرص عمل “أونلاين”.

وقال قصي مقلد (28 عاماً)، وهو مؤسس منصة “نَكْوِش” للعمل والتعليم عن بعد، لنورث برس، إنهم أمّنوا فرص عمل لأكثر من 150 شخصاً منذ مطلع العام الحالي.

وانتشرت على الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي مجالات للتعليم عن بعد وتدريبات لميادين عمل مختلفة، إذ يقول “مقلد” إن منصته وفّرت تدريبات لما يقارب ألف شخص.

وأشار مؤسس منصة “نَكْوِش” إلى دور أزمة كورونا إلى جانب ركود السوق المحلية نتيجة تدني الوضع الاقتصادي في انتشار العمل الحر، بالإضافة لرغبة الشركات نفسها بذلك بهدف تقليل التكاليف.

وقال رفعت عامر، وهو محلل اقتصادي يقيم في السويد، إن “اللجوء لتحويلات غير مباشرة للرواتب والمبالغ أمر طبيعي ومنطقي، يقوم به الشعب السوري حتى قبل العقوبات الاقتصادية، خوفاً من خسارة قسم من المبلغ.”

ورأى أن شركات الصرافة السورية “لطالما كانت مرتبطة بالأجهزة الأمنية، وتعود أرباحها لأشخاص معينين، كما أنها لا تدعم خزينة الدولة عبر نظام الضرائب والفوترة الرسمية.”

وأضاف “عامر”: “جميعنا نعرف أن الاقتصاد السوري بُني على تحالف بين رجال المال والسلطة، وأن الطبقة السياسية في سوريا هي من تقود الاقتصاد وتتحكّم بجميع مفاصله.”

ويعتقد المحلل الاقتصادي أنه لا بوادر تبشِّر بانتعاش الاقتصاد السوري الذي يصفه بـ”اقتصاد مافيات”، وأن تحسّنه مرهون فقط بالحل السياسي.      

إعداد: فادي الجمال – تحرير: حكيم أحمد