مسرح الحارة المتنقل.. شاب يحاول تخفيف وطأة الحرب على أطفال في إدلب

إدلب – نورث برس

ما إن سمع الطفل إبراهيم الصبيح (ثمانية أعوام)، والدته وهي تمنحه موافقتها لحضور العرض المسرحي، حتى ركض مسرعاً للانضمام إلى أطفال الحي الذين يجلسون فوق أنقاض مدرسة مدمَّرة لمتابعة عرض مسرح الدمى.

إبراهيم الذي نزح مع عائلته من بلدة حيش جنوب مدينة إدلب إلى مدينة بنّش شمالها، يسكن مع أسرته في مدرسة مهدّمة بشكل جزئي، وينتظر بفارغ الصبر وصول فريق المسرح المتنقّل.

لكن المسرحيات هنا لا تُعرَض فوق منصّة عادية، بل من خلال صندوق خشبي مصمَّم على شكل تلفزيون، يقصُّ على الأطفال حكايات هادفة ومسلّية تحكيها لهم دمى متحركة.

ترفيه وسط الدمار

وأطلق وليد راشد (27 عاماً)، وهو شاب من مدينة سراقب بريف إدلب، مبادرة المسرح المتنقّل بشكل تطوّعي منذ العام 2018.

 وتهدف المبادرة إلى “إسعاد الأطفال وتقديم الدعم النفسي لهم، وإبعادهم عن مشاهد الموت والقصف المتكرر”، على حدِّ قول “راشد”.

وقال “راشد” لنورث برس: “تُعتَبَرُ فكرة المسرح المتنقّل وسيلة ترفيهية وتربوية تؤثِّر في نفوس الأطفال، وتساهم في غرس القيم الإيجابية لديهم، وتبعدهم عن أجواء الحرب.”


وتتنوّع العروض التي يقدّمها الشاب بين مسرح الدمى وخيال الظل والرسوم المتحركة ومسرح المحاكاة.

ويعتمد الشاب خلال عروضه على معدات بسيطة، هي صندوق خشبي ودمى يشتريها من محال بيع الملابس المستعمَلة.

“أما مسرح خيال الظل، فأعتمد في تصميم شخصياته المعروفة والمحببة (كراكوز وعيواظ) على صديقي الرسام أيهم حاج حسين، ثم أقوم بتفريغها وتلوينها.”


ويقدِّم “راشد” أيضاً العروض التفاعلية من خلال ارتداء ملابس شخصيات كرتونية أو حيوانات من الغابة، وذلك في المدارس ودور الأيتام ومراكز الدعم النفسي ورياض الأطفال.

 لكنه يخصُّ عامة الأطفال بعروض يقدِّمها على أنقاض المنازل المدمَّرة.

ضحكات ضد الخوف

وتنعدم في منازل الكثير من الأطفال وسائل التسلية بسبب انقطاع التيار الكهربائي، لذلك وجدوا في مسرح الحارة المتنقّل فرصةً للتسلية والمرح لنسيان آلام الحرب ومآسيها .

وقالت الطفلة بيان الحمزة (سبعة أعوام)، وهي نازحة من معرّة النعمان إلى مخيم كفرلوسين شمال مدينة إدلب، إنها كانت مع صديقاتها “في غاية السعادة” حين زار المسرح المتنقّل مخيمهم الأسبوع الفائت.

وأضافت: “زارتنا الدمى والألعاب وحيوانات الغابة وقضينا وقتاً ممتعاً، كما تعلّمنا من المسرحية التي تم عرضها على المسرح الخشبي ألا نثق بالغرباء، وألا نمضي معهم إذا طلبوا منا ذلك.”

وعلى مقربةٍ من خيمة بيان، يعيش الطفل غياث (11 عاماً) ، المصاب بمتلازمة داون، والذي لم يفوّت هو أيضاً فرصة حضور العرض المسرحي.

تقول والدة غياث لنورث برس: “الحرب ضيّعت فرص أطفالنا باللعب والتعلّم، وحرمتهم من أبسط حقوقهم، لذلك يجدون في المبادرات الترفيهية فرصةً للترويح عن أنفسهم، والتمسّك بأمل قادمٍ أفضل.”

ويذكر صاحب المبادرة أنه خلال أوقات القصف كان يجمع الأطفال في الملاجئ لتقديم عروضه المسلّية، “حتى تطغى أصوات ضحكاتهم على أصوات الصواريخ والقذائف، ويتلاشى الخوف من نفوسهم.”

يقول عن هدفه من هذه العروض: “لنثبت للعالم أن من حق أطفالنا أن يعيشوا بسلام، وأننا مستمرون في الحياة مهما كانت الظروف، ونستطيع بإرادتنا أن نحوِّل المعاناة إلى أمل وفرح.”

أحلام زمن الحرب

وكان شغف المسرحي الشاب قد بدأ في سنٍّ مبكّرة، فقد انضمَّ عام 2008 إلى فرقة سراقب المسرحية، وفي أواخر العام 2010 نالَ المرتبة الأولى على محافظة إدلب في مسابقة المواهب الشابة.

وفي العام 2013 بدأ العمل في “الكرفان السحري”، وهو أول مركز تعليمي ترفيهي للأطفال في ريف إدلب، في التدريس وتقديم عروض مسرح العرائس، بحسب “راشد”.

يستذكر الآن حلمه في دراسة الفنون المسرحية في دمشق، والذي لن يتحقق بسبب مخاطر اعتقاله من قبل القوات الأمنية التابعة للحكومة السورية.

لكنه يتواصل باستمرار مع فنانين وأكاديميين وفرق مسرحية عالمية للاستفادة من خبراتهم، بحسب قوله.

كما استطاع بعد النزوح من مدينة سراقب إلى ريف إدلب الشمالي أن يطوِّر عمله ليستمر بتقديم عروضه المسرحية في المخيمات ومناطق الشمال السوري، ليضمَّ فريقه حالياً ثمانية أشخاص.

إعداد: حلا الشيخ أحمد – تحرير: حكيم أحمد