ريف حلب الشمالي.. نساء واجهن “العيب الاجتماعي” بعد رفضهن الحرمان من الميراث
ريف حلب الشمالي- نورث برس
تركت ابتسام الطويل (45 عاماً)، وهو اسم مستعار لامرأة من مدينة أعزاز شمال مدينة حلب، حصتها من إرث والدها المتوفى قبل عام ونصف لأخويها وغادرت البلاد.
ولم تكن المرأة مقتنعة بالتنازل عن ما تعتبره حقها، لولا موقف زوجها الذي نظر للأمر من زاوية “مد يد الحاجة” لأخويها، وهو ما جعله يهاجر بحثاً عن فرصة عمل وظروف أفضل.
وتعاني نساء في مناطق سيطرة المعارضة السورية شمال حلب وفي مدن وأرياف سورية أخرى من تقاليد مجتمعية تفرض على الإناث التنازل عن حصصهن من الميراث لأخوتهن الذكور.
ورغم أن التشريعات الإسلامية تقف ضد هذه العادة إلا أن “العيب الاجتماعي” يجبر معظم النساء على الانصياع وترك حقوقهن، حتى لو كن يعانين مع أطفالهن من ظروف مادية ومعيشية متدهورة.
وقالت “الطويل” لنورث برس إن والدها ترك لها ولأخويها منزلين في مدينة أعزاز، “كان يؤجرهما خلال حياته كي يعيش بقية عمره دون مد يده لابن أو أخ، بالإضافة إلى مزرعة صغيرة على أطراف المدينة تضم شقة صغيرة وأشجار فاكهة.”
ولم يمضِ على وفاة الأب شهر حتى أقنع الأخوان صهرهما بتنازل زوجته عن حصتها من الميراث، متذرعين بضائقة مالية يعانيان منها ولا خروج منها إلا ببيع الشقق السكنية.
أبدت “الطويل” رفضاً قاطعاً حيال التخلي عن حقها، ونجحت في منع بيع أي من ممتلكات والدها المتوفى، ما أدى لقطيعة بين الأخوة.
لكن الزوج قرر مؤخراً الهجرة واصطحاب زوجته مشترطاً إجراء مصالحة بينها وأخويها قبل السفر.
تضيف “الطويل”: “قبلت مُكرهة لأجل سعادتي مع زوجي وعائلتي، لم أرد وجود ما يعكر حياتي.”
وتبدو قصة “فاطمة الياسر” (46 عاماً)، من سكان بلدة كلجبرين بمنطقة أعزاز، من الحالات النادرة التي ترفض فيها المرأة التنازل عن حقها القانوني والشرعي.
وقالت “الياسر” إنها لم تقبل التنازل عن شيء من ميراثها الذي تركه والداها المتوفيين لها لأخوتها الذكور، “رغم أنهم يطيعون ما تمليه عليهم زوجاتهم.”
وأضافت لنورث برس: “أعلم ما الذي كانوا يبغونه عندما عرضوا علي مبلغ ثلاثة آلاف دولار أمريكي مقابل التخلي عن حصتي من الأراضي التي تمتلكها عائلتنا والتي تقدر ب 70 ألف دولار.”
وذهبت المرأة مع زوجات أخوتها الثلاث، بعد توكيلهم لهن، إلى مدينة حلب لحصر الإرث في محاكم الحكومة السورية، “وهناك تقاسمنا كل شيء حسب المنصوص عليه في الشرع وقانون الأحوال الشخصية.”
لكن “الياسر” تبدو سعيدة لأنها قدمت “برضاها” مساعدة لأخيها الأصغر الذي طلب منها مؤخراً تبديل قطعة أرض بأخرى ليقيم عليها معملاً لتكرير المواد البلاستيكية، وذلك لقرب قطعة أرضها من البلدة ووصول طريق معبد إليها.
لكنها رغم ذلك عمدت إلى الحصول على إمضائه وإشهاد شخصين على عملية التبادل تلك، “لأجل حفظ حقي في الأرض”.
وقال عبد الناصر حوشان، وهو محام في المنطقة، إن بعض أسباب مشكلات الإرث بين الأخوة تظهر منذ أن يقوم الآباء بتمليك أولادهم الذكور والإناث بنسب متفاوتة، “فقد يحرمون البنات من الإرث أو منحهن تعويضاً مادياً لا يساوي حصصهم من الإرث.”
كما تحصل مشكلات أخرى من خلال الاختلاف في نوع العقارات وموقعها، وهو ما يجده بعض الأخوة فرصة للتلاعب في توزيع الحصص دون الرجوع إلى الشرع أو القانون، بحسب “حوشان”.
لكن المحامي يلفت إلى أن أبرز المشكلات تأتي بسبب محاولة الورثة الذكور حرمان الإناث تحت عنوان “عدم جواز ذهاب التركة إلى الغريب”، وهو تقليد اجتماعي بعيد عن القانون والنصوص الشرعية الإسلامية.
ويرى “حوشان” أن الحل هو التوعية بجعل الميراث الشرعي هو الحكم، “لأن أحكام المواريث الشرعية نزلت في القرآن بنصوص قطعية.”
ويعتقد أن التوعية بهذا الجانب ستمنع التحايل، لأن السكان يتأثرون بالنصوص الشرعية أكثر من القانونية.
لكن نساء أخريات يقلن إن أقاربهن الذين حرموهن من حقوقهن كانوا على علم بتلك النصوص الدينية، وتم تذكيرهم عبر وسطاء بالخطيئة التي يرتكبونها، إلا أن كل ذلك لم يمنعهم مما قاموا به.