طوابير وأقفاص للخبز.. سكان في اللاذقية يتحدّثون عن “القهر” في تدبير معيشتهم

اللاذقية – نورث برس

تتداول وسائل التواصل الاجتماعي في سوريا، مؤخراً، القرارات التي تصدرها الحكومة السورية حول أمور معيشية أساسية تمسّ حياة السكان اليومية بشيء من التندّر والسخرية.

ويواجه السكان في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية منذ أشهر وضعاً معيشياً صعباً يتمثّل في نقص حاد في الخبز والمحروقات وارتفاع جنوني في أسعار مختلف المواد إثر تدني قيمة الليرة أمام الدولار الأميركي.

وتداول رواد لمواقع التواصل الاجتماعي صوراً وفيديوهات، تظهر طوابيراً من السكان أمام أفران ومحطات الوقود في مناطق سيطرة الحكومة وسط تجاوزات وحوادث متكررة يصفها الكثيرون بأنها “تحط من قيمة السوريين وإنسانيتهم.”

“أقفاص العبيد”

وقالت هنادي زيرقون (50 عاماً)، وهو اسم مستعار لربّة منزل في مدينة اللاذقية على الساحل السوري، إن الصورة المتداولة من أمام أحد أفران دمشق ذكرتها “بتجار العبيد الذين كانوا يضعون الناس في أقفاصٍ لعرضهم للبيع.”

وأظهرت صور تم تداولها مؤخراً أشخاصاً داخل ما يشبه الأقفاص في انتظار الحصول على حاجتهم من الخبز من أفران ابن العميد بحيّ ركن الدين بدمشق العاصمة.

وأضافت “زيرقون” أن هذا السلوك “الهمجي” ليس إلا تعبيراً عن استمرارية السلطات السورية على نهجها منذ عقود، “وبذات العقلية الأمنية التي ينتهجها النظام لتأبيد سيطرته على المجتمع السوري.”

“كل الدروب بتودي عالطاحون”

ورأى عبد الله عبد، وهو اسم مستعار لمدرّس متقاعد من حي الصليبة باللاذقية، أن سوريا أصبحت “بلد الطوابير.”

وأضاف بشيء من التندّر، أنه “يحق لسوريا دخول سجل غينيس للأرقام القياسية.”

واستشهد بالمثل الشعبي الذي يقول إن “كل الدروب بتودي عالطاحون” للتدليل على أزمة الخبز الخانقة التي تقضُّ مضجع السوريين الذين تشير دراسات إلى أن الخبز بات مادةً أساسيةً على موائدهم في ظل تدّني مستوى المعيشة في البلاد.

وتساءل “عبد” عن عدم انعكاس ما سمّاها بـ”إبداعات الحكومة السورية” على حياة السوريين الذين لا يجدون ما يسدُّ رمقهم ويشبع بطونهم، “ما يفصل الناس هنا عن الموت هو عزّة الروح.”

وكانت الحكومة السورية قد بررت لجوئها إلى هذه الطريقة على لسان نائل اسمندر، مدير مخابز دمشق، الذي قال إن هذه الطريقة (الأقفاص) هي الحلُّ الأمثل للفصل ما بين الرجال والنساء وعناصر الجيش السوري، فـ”ثقافة الدور غير موجودة في بلادنا”، على حدِّ قوله.

لكن ردود الفعل الغاضبة والانتقادات الواسعة على وسائل التواصل الاجتماعي دفعت محافظة دمشق إلى إزالة “الأقفاص” من أمام الأفران، ووضع بقع دائرية بيضاء مكانها كعلامات لتنظيم مسافات الأمان بين المواطنين.

“مسمار” قيصر

وقال خليل المصري، وهو اسم مستعار لمدرّس متقاعد في اللاذقية، إنه لم يتمكن خلال أسبوع كامل من تأمين أكثر من ربطة خبز واحدة لوالدته، وإنه اضطر إلى شراء الخبز من الباعة المنتشرين بالقرب من منافذ البيع الحكومية.

وأضاف أن هناك عشرات الأشخاص، ما بين رجل وامرأة وطفل، يبيعون الخبز بأسعار مضاعفة، “لكنها تبقى أفضل من أسعار الخبز السياحي الذي بات سعره يتراوح بين 700 إلى 800 ليرة سورية.”

ويتهم “المصري” “النظام” باتباع سياسة تجويع ضد السكان لـ”تمرير الصفقات الكبرى التي تضمن له الاستمرار في الحكم.”

وقال إن “القهر والإذلال باتا سيدي الموقف”، وإن أزمة الخبز في سوريا “مقصودة” و”قانون قيصر كان المسمار الذي يعلّق عليه النظام كل ممارساته.”  

الآيفون وخصوصيته

وتساءلت إلهام علي العلي (40 عاماً)، وهو اسم مستعار لمهندسة زراعية من ريف جبلة، عن الأشياء التي يستثنيها قانون قيصر، وكيفية تطبيق العقوبات واستهدافها بغض النظر عن قوائم الأسماء التي يتم الإعلان عنها بين فترة وأخرى.

وأضافت: “كيف تتوفر العملة الصعبة، وتدخل التكنولوجيا المتقدمة ومثالها هاتف آيفون 12 بعد عشرة أيام فقط من الإعلان عنه من قبل الشركة الأم الأميركية إلى سوريا المحاصرة؟”

وشهدت العاصمة دمشق قبل نحو أسبوعين، عرض أحدث نسخة لهاتف آيفون بأسعار تتراوح بين ثلاثة ملايين ونصف المليون وخمسة ملايين ونصف المليون ليرة سورية، بينما يبلغ متوسط الأجور في سوريا نحو /50/ ألف ليرة.

وكانت شركة إيماتيل التي تدور أحاديث عن عودة ملكيتها إلى رجل الأعمال خضر طاهر، وزوجة الرئيس السوري، أسماء الأسد، قد عرضت الهاتف نهاية الشهر الفائت رغم شمولها بقانون العقوبات الأميركية “قيصر”.

وقال إبراهيم معروف (60 عاماً)، وهو مهندس زراعي ومعتقل سياسي سابق، من ريف جبلة، عن عرض الهاتف الباهظ الثمن: “سوريا بلد المتناقضات.. إذلال للشعب، وترفيه للطبقة الحاكمة.”

إعداد: محمد الشيخ – تحرير: عبدالله شيخو