تعنيف الأطفال في إدلب.. أضرار نفسية وجسدية في ظل غياب المحاسبة

إدلب- نورث برس

لم يكن أمجد العكل (عشرة أعوام)، وهو طفل نازح من خان شيخون يقيم في مدينة إدلب، شمال غربي سوريا،يتوقع أن يكون ضربه من قبل أحد أبناء صاحب الورشة التي يعمل بها سبباً في كسر يده ونقله إلى المشفى لتلقي العلاج.

وبالرغم من غياب الإحصائيات الدقيقة لمقارنة نسب تعنيف الأطفال في سوريا قبل الحرب وبعدها، إلا أنه ووفقاً لتقرير لمنظمة الصحة العالمية نشر في 2019، فإن خمسة أطفال من كل عشرة في سوريا يتعرضون للعنف.

ورغم أن حالات العنف ضد الأطفال تشمل حتى المدارس، إلا أن الابتعاد عن مقاعد الدراسة بقصد العمل أو لأسباب أسرية كان البداية لتعرض هؤلاء الأطفال لتعنيف مستمر.

ووفقاً لمنظمة يونيسف، هناك 2,8 مليون طفل سوري لا يرتادون المدرسة، بحسب تقرير نشرته المنظمة في آذار/مارس الماضي.

“غياب قوانين”

وتعرض الطفل “العكل”، الذي يعمل في ورشة تصليح السيارات بمدينة إدلب، للضرب من قبل أحد أبناء صاحب الورشة، خلال الشهر الماضي، مما أدى لسقوطه من الدرج وكسر يده.

وقالت والدته، التي فضلت عدم نشر اسمها، إنها لم تتقدم بشكوى ضد الشاب الذي ضرب ابنها، “بسبب ضعفنا وخوفنا من تسلط والده، نظراً لغياب القوانين والمحاسبة.”

وتبدو المرأة محقة لأن القوانين لم تمنع رب العمل من تشغيل طفل بعمر العاشرة.

ولفتت الأم إلى أن الحاجة بعد وفاة زوجها، هي ما دفع طفلها للتخلي عن تعليمه والتوجه للعمل منذ ثلاثة أشهر، “لتخفيف جزء من معاناتنا الكبيرة.”

عنف منزلي


وقالت والدة الطفل طارق الأحمد (11 عاماً)، من بلدة حزانو بريف إدلب الشمالي، إنه يتعرض للتعنيف والتوبيخ المستمر من قبل والده، “ما جعله منطوياً على نفسه، يرفض اللعب والحديث مع أقرانه.”

وأضافت الأم الأربعينية أن زوجها يستمر في توبيخ طفلها ويقسو عليه في المعاملة بحجة تأديبه.

“أصبحت شخصية طفلي ضعيفة، يتملك اليأس قلبه ويخاف من الأصوات العالية، كما أنه لا يحب الآخرين ويفضل البقاء لوحده طوال اليوم.”

أما مصطفى الحمشو (ثمانية أعوام)، وهو طفل نازح من مدينة سراقب ويقيم مع عائلته في إدلب المدينة، فيرفض الذهاب إلى المدرسة “خوفاً من معلمه”.

وقالت والدته إنها تحاول إقناعه بارتياد المدرسة، “لكنه يبكي بشدة لأنه يخاف من معلمه الذي يضربه باستمرار، ناهيك عن تعنيفه بألفاظ قاسية ومؤذية لمشاعره أمام أقرانه، ما يشعره بالحرج”، حسب قولها.

وتركت الطفلة نور سرميني (13عاماً)، وهي من مدينة سرمدا شمال إدلب، منزل والدها في شهر أيلول/سبتمبر الماضي، بسبب الضرب المستمر الذي تتعرض له من قبل زوجة والدها.

وقالت الطفلة وهي تشير إلى آثار الضرب على جسدها، “زوجة والدي لا تحبني وكانت تعاملني معاملة سيئة تختلف عن معاملتها لأولادها، كما أجبرتني على ترك المدرسة لمساعدتها في أعمال المنزل.”

وأضافت أنها تركت منزل والدها هرباً من “ظلم زوجته” لتلجأ إلى أمها المطلقة، “هربت إلى أمي التي حُرمت منها، وأرفض العودة إلى منزل والدي.”

تقول أيضاً إنها ترتاد حالياً مركزاً للدعم النفسي، “لأتخلص من الهواجس والكوابيس التي تلاحقني باستمرار.”

يأس وعدوانية

وقالت لميس حاج أحمد (41عاماً)، وهي مختصة في الإرشاد النفسي تقيم في مدينة حارم شمال غرب إدلب، إن العنف ينتج جيلاً ضعيفاً فاقداً للثقة بالنفس، منطوياً على نفسه غالباً ومعزولاً عن الآخرين.

وقد يؤدي العنف ضد الأطفال إلى تصرفات شاذة ونشاطات غير سوية تغلب العدوانية عليها.

ورأت “حاج أحمد” أن المجتمع السوري بحاجة إلى جلسات لتوعية الأهالي والمدرسين لمخاطر العنف الجسدي واللفظي وأثره الكبير في سلوك الأطفال مستقبلاً، وخاصة في ظل حالة اليأس التي اجتاحت البلاد في الحرب.

إعداد: حلا الشيخ أحمد-  تحرير: سوزدار محمد